تشابهات الإعلام الخليجي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/يونيو/٢٠١٦ ٢١:٠٩ م
تشابهات الإعلام الخليجي

أ.د. حسني نصر

بمناسبة مرور 35 عاما على إنشاء مجلس التعاون الخليجي، فان السؤال الذي يفرض نفسه هو هل يمكن لنا أن نتلمس معالم نظام إعلامي خليجي تشكل عبر السنوات الفائتة من مجموع التشابهات والاختلافات التي تميز وسائل الإعلام الجماهيرية، وخصوصية نشأتها وتطورها وعلاقتها بالأنظمة السياسية والمجتمع والجمهور في كل دولة من دول المجلس.
لعل أول ما نلاحظه هنا هو اختلاف البدايات، ونعنى به بداية نشأة وسائل الإعلام في الدولة، وبالتالي اختلاف التاريخ الاتصالي والخبرة بالإعلام من دولة أخرى. ففي حين تعود معرفة بعض الدول بالصحافة إلى العشرية الأولي من القرن العشرين تأخرت دول أخرى إلى الربع الأخير من ذلك القرن. هذا الاختلاف أدي دون شك إلى حدوث فجوة في المستويات التحريرية والمهنية يظهر أثرها فيما تقدمه من تغطيات للأحداث وفي اعتماد بعضها المبالغ فيه على وكالات الأنباء الأجنبية للحصول على الأخبار الخارجية وإدارات العلاقات العامة للحصول على الأخبار الداخلية الحكومية.
في المقابل فان اختلاف البدايات لم يؤثر كثيرا على من تأخروا، مثلما لم يكن ميزة كبيرة لمن تقدموا، خاصة على مستوى استخدام التكنولوجيا الاتصالية الحديثة، إذ تسابقت جميعها في الربع الأخير من القرن العشرين بفعل الوفرة الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط في تبني أحدث التكنولوجيات سواء في الصحافة او الإذاعة والتلفزيون، واستفادت من البنية الاتصالية الاساسية الجيدة التي نجحت الحكومات في توفيرها. وعلى نفس المنوال لم يؤثر اختلاف البدايات على توجه وسائل الإعلام الخليجية بداية من سبعينيات القرن الفائت ، والاهم أنه لم يؤثر أيضا في توجه الدول نحو ربط كل وسائل الإعلام بالحكومات برباط وثيق ومتشابه سواء كانت مملوكة للحكومة او مملوكة للقطاع الخاص. ويمكن القول إن جميع دول الخليج أبدت اهتماما مبكرا بالإعلام ووسائله وحرصت على دعمه وتوفير احتياجاته من منطلق بحثها عن تحقيق السيادة الإعلامية على أراضيها وتقديم الخدمات الإخبارية والتثقيفية والترفيهية والتسويقية لمواطنيها، ولذلك استثمرت أموالا طائلة في بناء نظم اتصالية حديثة مكنتها فيما بعد من استيعاب أعدادا أكبر من الصحف والمجلات والمحطات الإذاعية والتلفزيونية. ولم تتأخر دول الخليج الستة في اللحاق بركب البث الفضائي، وكذلك ركب الإنترنت والويب والإعلام الالكتروني، وأصبح بعضها يتصدر المشهد الإقليمي سواء بعدد الفضائيات او أعداد مستخدمي الإنترنت ومواقع الويب او بالمبادرات العالمية الخاصة بهذه الوسيلة الاتصالية الجديدة.
الفارق في أعداد الصحف والمجلات ومحطات الإذاعة والتلفزيون بين دول الخليج يمكن فهمه وتفسيره في ضوء اختلاف البدايات الذي تحدثنا عنه، كما يمكن فهمه أكثر في ضوء اختلاف أحجام الأسواق الإعلامية، إذ لا يمكن مقارنة السوق السعودي الذي يتسع لنحو ثلاثين مليون بالأسواق الخليجية الأخرى، بالإضافة إلى اختلاف الإمكانات الاقتصادية والبشرية والانفتاح السياسي والإعلامي. الشاهد في هذا الأمر أن تعدد المنابر الإعلامية الكبير في بعض الدول لا يعبر عن تعددية إعلامية حقيقية في المجتمع، وهو تعدد ناتج عن الوفرة المالية، وناتج كذلك عن توجه اقتصادي قائم على جذب رؤوس الأموال العربية عبر إنشاء وسائل إعلام تعمل من داخل المناطق الإعلامية الحرة. وقد أدي ذلك إلى قيام نوع من الازدواجية الإعلامية داخل الدولة الواحدة، إذ تتعامل الدولة مع وسائل الإعلام الوطنية بطريقة، ومع وسائل الإعلام الأجنبية التي تعمل على أراضيها بطريقة أخرى. وتتمتع الأخيرة بمساحات واسعة من حرية الراي في معالجة جميع القضايا والأحداث باستثناء أحداث وقضايا الدولة التي تبث منها. وعلى سبيل المثال فإن السياسة الإعلامية لقناة الجزيرة ذات طابع عالمي وتتمتع بحرية كبيرة في نقد الأوضاع العالمية، ويختلف ذلك عن بقية وسائل الإعلام ذات الطابع المحلي.
ولعل أكثر ما تتشابه فيه وسائل الإعلام في دول الخليج الستة هو الإطار القانوني الذي تعمل في ظله، وهو إطار واسع يضم حزمة من قوانين متعددة أبرزها قوانين المطبوعات والصحافة والنشر، وقوانين العقوبات والجزاء، وقوانين الشركات التجارية، وقوانين الطوارئ، وقوانين الوثائق الرسمية، وغيرها من القوانين ذات الصلة بالعمل الإعلامي. ويمكن القول إن كل دولة خليجية لديها مجموعة من القوانين الخاصة بالإعلام تصر على بقائها رغم اختلاف الأوضاع الإعلامية الآن عن الوقت الذي صدرت فيه، وهو ما يؤكد حاجة كل دولة إلي إصدار قانون جديد وموحد للإعلام يواكب التغيرات الإعلامية العالمية والإقليمية والوطنية من جانب، ويغطي ما عجزت القوانين السابقة عن تغطيته مثل الإعلام الاليكتروني وجرائم تقنية المعلومات وغيرها من جانب أخر.
إن قوانين الإعلام الخليجية تبدو كما لو كتبت بقلم واحد، إذ تتشابه فيها النصوص والقيود إلى حد كبير بداية من ضرورة الحصول على ترخيص من الحكومة لإصدار صحيفة، وانتهاء بمسؤولية رئيس التحرير عن كل ما ينشر في الصحيفة، ومرورا بإنشاء المطابع وشروط العمل في الصحافة وغيرها من النصوص. وخلاصة القول إننا أمام إعلام خليجي قطري متشابه إلى حد كبير على مستويات عديدة، ويخضع لقوانين متشابهة، ومع ذلك فان مضامينه غالبا ما تكون مختلفة خاصة في القضايا الخلافية.

اكاديمي في جامعة السلطان قابوس