ناصر اليحمدي
مع تطور العصر وانطلاق قطار الثورة الصناعية الذي يسير بسرعة الصاروخ زاد الطلب على مصادر الطاقة لتوليد الكهرباء وتشغيل الآلات والمعدات المختلفة التي أفرزتها تلك الثورة الصناعية .. إلا أن ما سببته مخلفات مصادر الطاقة الأحفورية كالبترول والغاز والفحم وغيرها من تأثير سلبي على البيئة والغلاف الجوي بزيادة معدلات التلوث لدرجات غير مسبوقة وظاهرة الاحتباس الحراري أجبر العالم على البحث عن بدائل طبيعية وآمنة لمصادر الطاقة كالشمس والرياح وغيرهما بحيث لا تسبب أي خلل لمكونات الطبيعة.
ولقد حرصت قيادتنا الحكيمة منذ بواكير النهضة المباركة على الحفاظ على البيئة نظيفة ومستقرة وقدمت في سبيل ذلك الكثير من الفعاليات والمبادرات والجوائز التشجيعية ووقعت الاتفاقيات العالمية التي تحث على حماية البيئة من أي تلوث .. ومن هذه الجهود المشكورة مشروع "مرآة" لتوليد البخار بالطاقة الشمسية الذي تم بناؤه في حقل أمل جنوب منطقة امتياز شركة تنمية نفط عُمان والذي يعتبر دليلا جديدا دامغا على حرص قيادتنا الحكيمة على الاهتمام بالبيئة كما أنه يبرهن على مصداقية توجه الحكومة لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للطاقة إلى جانب ما سيدره من أرباح تنهض بالاقتصاد الوطني واستيعابه للعمالة الوطنية.
لاشك أن كل عماني يفخر بهذا المشروع العملاق خاصة أنه يعد أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم حيث يولد طاقة إنتاجية تبلغ 1 جيجاواط وهذا سيجعل العالم يشير للسلطنة بالبنان على ما تبذله من جهود تنموية تصب في صالح الوطن والمواطن والبيئة المحيطة ككل.
لقد أثبت مشروع "مرآة" نجاحه على مدى الثلاثة أعوام الفائتة من خلال التشغيل التجريبي له وكما أعلن المسئولون عنه أنه سيقام على مساحة 3 كيلومترات مربعة وبما يعادل مساحة أكثر من 360 ملعبا لكرة القدم وأنه سيتكون بعد اكتمال جميع مراحل بنائه من 36 بيتا زجاجيا ستساهم في توفير 5.6 تريليون وحدة حرارية بريطانية من الغاز الطبيعي سنوياً وهذا الكم من الغاز الثمين سيتم توجيهه لاستخدامات في قطاعات أخرى ذات قيمة أعلى للبلاد ومشاريع خدمية هامة وصناعات جديدة بالإضافة إلى أنه يقلل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الضارة بالبيئة بمعدل 300 ألف طن سنوياً وهذا مطلب حيوي في ظل التلوث المتزايد للجو والبيئة ككل والاستخدام الجائر لموارد الطبيعة.
إن الهبة العالمية في استخدام الشمس لإنتاج الطاقة يرجع لكونها مصدر مستدام ومتجدد للطاقة فهي موجودة حتى يرث الله الأرض ومن عليها .. لذلك فإن التفكير في مواكبة التوجه العالمي للاستفادة من هذا النوع من الطاقة يؤكد على العقلية المستنيرة لقيادتنا الحكيمة التي تحرص على تحقيق ما فيه مصلحة البلاد والعباد وتوفير الرخاء والاستقرار للمواطن ليس في الوقت الراهن فقط بل المستقبل القريب والبعيد لأن النفط سيأتي اليوم الذي ينضب فيه معينه.
إننا جميعا ننتظر على أحر من الجمر الدفعة الأولى من البخار الذي ستنتجه مجموعة البيوت الزجاجية والتي سيزاح عنها الستار بحلول عام 2017 وندعو الله أن يكلل المشروع بالنجاح الباهر ويفيد البلاد والعباد ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة المنشودة.
* * *
اللاجئون ووهم الجنة الأوروبية الزائفة
في الوقت الذي ينعم فيه ملايين المسلمين حول العالم برمضان سعيد وهادئ يمارسون فيه شعائرهم بكل حرية ويستمتعون بالأجواء الإيمانية المفعمة بالراحة والسعادة .. نرى أن هناك فئات أخرى تتعدى الآلاف تتقلب على جمر الحنين إلى وطنها وأهلها وحياتها التي كانت .. وأقصد هنا المهاجرين الذين فروا من بلدانهم هربا من الحرب والفقر إلى أوروبا أرض الأحلام التي تحولت لكوابيس .. فقد اعتقدوا أنهم ذاهبون للجنة يغترفون منها الخيرات والأموال والاستقرار فإذا المطاف ينتهي بهم في مخيمات تفتقر لمعظم الخدمات إلى جانب النظرة الرافضة لهم من تلك المجتمعات ليتحولون إلى عبء عليها.
لاشك أن آلاف الفارين من سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا واليمن وغيرها يشتاقون لقضاء رمضان في أوطانهم ووسط أهلهم وأصدقائهم يطهون الأكلات الشهيرة بهذا الشهر الكريم والشهية ويستمعون لصوت الأذان والقرآن ويستمتعون بجلسات السمر العائلية التي يتبادلون فيها الحديث والذكريات والضحكات إلى غير ذلك من المظاهر الرمضانية التي تظل محفورة في الذاكرة والتي يحرص كل منا على تكرارها والاستمتاع بها كل عام .. لكن الوضع الآن أصبح مقلوبا فهناك مئات الآلاف يعيشون في مخيمات متواضعة جدا وشبه موجودة في العراء ويقدم لهم طعام لا يصلح للأكل بعد صوم شاق ليوم طويل فمنذ مدة واللاجئون يشتكون من الطعام الذي يقدمه لهم موردون تعاقدت معهم سلطات تلك البلاد ولكن ليس هناك من يستمع لشكواهم.
لقد اضطر اللاجئون لترك بيوتهم هربا من الظروف التي وضعتهم فيها الممارسات السياسية الخاطئة لبعض الحكام سواء الصراع على السلطة وبالتالي قيام الحروب وانتشار الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار أو التقصير في جهود التنمية مما أودى بالبلاد لهاوية الفقر فلو وجد هؤلاء المهاجرين الأمان والاستقرار والرخاء في بلادهم ما هجروها .. ومما لاشك فيه أنهم يحلمون باليوم الذي يعودون فيه لأوطانهم مرة أخرى.
المؤسف أن المفوضية الأوروبية هددت مؤخرا بوقف العلاقات التجارية والمساعدات التنموية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للدول الأفريقية والدول الفقيرة الأخرى ما لم تتصدى هذه الدول لعمليات الهجرة إلى أوروبا متناسية أن هذه الهجرة غير شرعية أي أنها خارج سيطرة الحكومات الفقيرة والمتصارعة.
لابد أن يتبنى المجتمع الدولي حلولا مستدامة لمشكلة الهجرة غير الشرعية وكبح جماح تدفق اللاجئين بعيدا عن معاقبة الشعوب الفقيرة الراضية بتواجدها داخل بلادها .. فإذا كانت الدنيا هانت على من يترك وطنه وحالة اليأس دفعته للتضحية بحياته في رحلة محفوفة بالمخاطر ليستقر في النهاية في مخيم لا يمت للجنة الأوروبية بصلة فإن من يظل في بلده من حقه الحصول على المزيد من المساعدات حتى لا يقوده تفكيره لتقليد من هاجر من بلده.. وعلى الدول الأوروبية أن تشدد الرقابة على حدودها لمنع دخول أي شخص غير مرغوب فيه.
أما الحل الناجع فيكمن في استئصال المشكلة من جذورها وإخماد الصراعات والحروب التي تدفع أهلها للفرار من نار النزاع ولينظر المسئولون في هذه الدول لحال شعوبهم فهم يدعون أن الصراع من أجل المواطنين ولكن الحقيقة أنهم يبحثون عن مصالحهم الشخصية فقط بدليل أن الشعوب تفر هربا من جحيم الحرب غير آبهة بما ستلاقيه من تحديات ومخاطر تحدق بهم خلال الرحلة تاركة الجمل بما حمل لحكوماتها.
* * *
آخر كلام
لا يجب أن تقول كل ما تعرف .. ولكن يجب أن تعرف كل ما تقول.