محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
وصلتني رسالة «واتسابية» مطوّلة مشحونة بغضبة «عنتريّة» عن جشع التجّار واستغلالهم للمواطن حيث الأسعار الغالية والبضاعة الرديئة أو المغشوشة، وغيرها من الجمل الإنشائية الداعية إلى وقف مثل هذه الممارسات في حق المواطنين، كأنما المقيمون لا ينالهم شيئا من ذلك.
نسي صاحبي، حينما قام بنسخ الرسالة وإعادة إرسالها، أشياء عدّة، سأوردها في حكايته التالية:
حدثني صاحبي ذات مرة عن تجربته في محل بيع الهواتف وصيانتها.. طموح شبابي رائع، ويدار بأيد عمانية، إنما بقية الحكاية بها مفارقات طريفة، يأتي الزبون بهاتفه العاطل عن العمل (هنا لا يمكنني تغيير كلمة عاطل إلى باحث عن عمل) ويتمعن فيه موظف المحل ليقول له أن يأتي غدا أو بعد غد.. يقول صاحبي: لو أصلحناه خلال دقيقة فلن يقتنع بدفع عشرة ريالات، ولذلك نقول له «تعال باكر»، بينما كلفة التصليح لن تزيد عن ريال واحد، فقط أن تفهم اللعبة، فكيف بفكرة «حرارية» لتخليص الهواتف الغارقة في الماء، وحينها يكون صاحب الهاتف على استعداد لدفع عشرات الريالات لإنقاذ «الغريق» بما فيه من أرقام وصور وخسارة كبيرة، بخاصة إن كان جديداً ومن فئة ممتازة.
حينما وصل بحكايته إلى ماكينة قطع البطاقة/ الشريحة بحسب الأنواع الحديثة من الهواتف، توزعت موجة من الضحك على الجميع. يقول إن هناك نوعا صينيا بأقل من ريال، بينما يتم قطع الشريحة بريال، مجرد كبسة بسيطة، ويدفع الزبون ريالا كاملا، ووفق التفسير النفسي فإنه يكون على عجلة من أمره لتركيب الشريحة الجديدة، واستئناف هاتفه التواصل مع العالم، حيث يشعر المرء بفقد غريب إن خرج هاتفه عن الخدمتين: الاتصال والإنترنت.
يقول صاحبي إنه كان يكسب مئات الريالات خلال بضع ساعات من العمل، إنما كان ذلك في فترة ذهبية، حيث الهواتف تأتي قطعة واحدة وليست مجزأة كما هي الآن حيث يسهل تغييرها.
تذكرته.. ونحن ندفع لسياراتنا ما يقرره صاحب الورشة، والأصفار التي يطيب له وضعها، ولا نملك سوى نطق «كم آخر؟» ليمثّل علينا أنه يراعينا ويتعامل نفسيا معنا حيث صفعنا بالأسوأ فلا بأس أن يأتي الأقل منه سوءا.. تذكّرته، ونحن ندفع ما يحدده صاحب سيارة نقل الماء في وقت انقطاعات المياه وانكسارات أنابيبها المستمرة، وقد يتضاعف المبلغ عدة مرات، إنما ندفع..
هذا الاستغلال، نمارسه، إن أتحيت الفرصة لنا، من باب التجارة، أو الشطارة، أو ما يمكننا اختراع مبرره، إنما نجنّسه أحيانا لنقول «الآخر» يفعل بنا ذلك، بينما على أنفسنا نفعل ما هو أشد وطئا.
هل تعرفون ماذا أتمنى الآن؟.. ألا يقرأ صاحبي هذا المقال فأخسر صديقا جديدا، سيكف عن البوح لي، علما أن من يبوح أمام صحفي بحكاية كهذه فكأنما أفشى سرّه لبضعة آلاف..