أفيقوا ياعرب قبل فوات الآوان

مقالات رأي و تحليلات السبت ١١/يونيو/٢٠١٦ ٢٠:٥٠ م
أفيقوا ياعرب قبل فوات الآوان

احمد المرشد

ربما لا أبالغ إذا قلت أن رمضان هذا العالم هو الأصعب علي العرب، علي الأقل الشعوب، فلا فوانيس عدن تضئ، ولا مآذن دمشق تكبر، ومتاجر بغداد أغلقت، والقدس كما نعرفها منذ أكثر من نصف قرن لا تزال أسيرة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.. هذا عن حالنا العربي الذي لا يسر عدو أوحبيب، فهو حال مائل ندعو الله أن يعدله ويضبط كفته لمصلحتنا نحن العرب مرة أخري، ولعل رمضان هذا يكون بداية لشعوبنا وحكوماتنا لكي تنهض وتنفض الكسل والتراب عن كاهلها وتتحد الشعوب والحكومات العربية لتعيد لنا القدس دمشق وبغداد وصنعاء وطرابلس ليبيا، فقد أصبحنا نعيش في زيف، وضيعنا مقولات عربية خالدة مثل :"بلح الشام وعنب اليمن"، فلم يعد هناك شاما لنأكل بلحه، ولا يمنا نستطيب بطعم عنبه.
فيا أيها الوجع والألم ارحل، لقد تاه أطفالنا في مسار الحياة، في عالم يتقاتل علي أرضنا، ونال منها ما فوقها وما تحتها، ياأيها الوجع والألم ارحل بعيدا عنا، وكفاك ما استوليت عليه منا، اترك لنا تراب الأرض وما فوقها..إننا مشردين في تيه الحياة بلا أمل.. هذا ما يقوله أطفال العالم العربي حاليا، أطفال ما عادوا يعيشون في أراضيهم التي ولدوا عليها، بل بعضهم يولد الآن في عالم الغربة، عالم خيام الإيواء تحت المطر وتحت الشمس بلا جدر أو جدران، عالم بلا مأوي، فأطفال عالمنا العربي ما عادوا يعيشون طفولتهم ويشعرون بها، وكل ما قرأوه عن تاريخهم وأمجادهم القديمة زائف في نظرهم، والحقيقة الماثلة أمامهم أن بلاد العرب، التي كانت أوطانهم لم تعد اوطانهم، صاروا يشعرون أن أراضيهم ابتعدت عنهم ولم تعد ملكهم في هذا الزمان الذي نعيشه الآن أو زمانهم القادم، فأراضيهم قد احتلت، ليس من مستعمر أجنبي كما كان في سابق الآوان، ولكن احتلها بني وطنهم، ما بين مدعي الإسلام أو الوطنية الجديدة، فأصبحت أوطانهم مجزأة ما بين بقعة لداعش، وأخري لهذا الفصيل، وأخري لذاك المعارض الذي لا نعلم من أين جاء، وما هي كنيته أو تاريخه.
أصبح الوطن العربي مستباحا اليوم في أعين الأطفال، فلا حرية ولا أرض ولا علوم ولا مدارس، لم تعد للأطفال ألعاب يلهون بها، حتي جاءهم رمضان بلا تكبير أو آذان، فمر هلاله سريعا بلا احتفالات صاخبة اعتادوها صغارا أو عندما كانوا صغارا، فأطفال اليوم شابوا قبل الآوان، ما عاد لرؤية هلال رمضان فرحة لديهم، وسؤالهم :" أين الهلال؟ وبأي أرض أو زمان؟". فلم تعد هناك فوانيس تبهجهم ولا مصابيح تنير له دروبهم، ولا دكاكين يشترون منها حلوياتهم. وإذا تحدثنا عن دمشق وسوق الحميدية، فقد اختفي جماله وزال بريقه ولم يعد يسعد ناظريه، فكل ما تبقي في دمش وسوريا أشلاء جثث وعظام ودمار، ولم تعد هناك حوانيت يتحاكون في جمال وروعة معروضاتها ومنتجاتها.
حالنا هذا ليس عربيا فقط، وإن كان بداخلنا أقل وطأة، فرمضان في زماننا الذي مضي كنا نفخر فيه بالأواني الجديدة التي نستقبل الشهر المبارك بها، فرحة بقدوم الشهر وكنا نتباهي بنوعية الأواني ونغيرها كل أسبوع بأنواع أخري جديدة، فقد تناسينا هذا الاحتفال رغم بساطته، وتناسينا أيضا مشاهد أخري ارتبطت في إذهاننا بالشهر المبارك..
لقد اختلف حالنا وتبدل، كنا نتباهي بالجلسة الواحدة، جميع أفراد الأسرة، سفرة واحدة، كانت العادات تقربنا وتسعدنا، حتي هذه العادات تغيرت، كنا نفرح بقدوم الشهر المبارك، برؤية الهلال واحتفاله الخاص الذي لن ننساه ما حيينا، وفي عالمنا الحالي، نري كثيرا من العائلات لا تأكل طعاما من صنع الزوجات والبنات، فكان "الديلفري" بالأمر المباشر من المطاعم والفنادق، طعام يزيد عن حاجتنا، طعام بلا طعم فلا تذوق فيه،ولكن ثمة ميزة في هذا وهي كثرة الجمعيات الخيرية التي تجمع بقايا هذه الولائم وتعيد توزيعها علي الفقراء والمساكين.
وبمناسبة رمضان، فقد رأيت في مصر انتشار ما يسمونه هناك بـ"الموائد الرمضانية" وهي لم تعد قاصرة علي الفقراء والمساكين فقط، فهي تجمع كل هؤلاء ومعهم عابر سبيل،إنسان تأخر في عمله ولم يلحق الإفطار مع أسرته، وأخر يريد مشاركة الفقراء أكلهم وطعامهم وفرحتهم البسيطة، وربما أضاف هذا العابر بعضا مما رزقه الله علي صنوف المائدة من أطعمة ومشروبات، ولعل هذا ما تتميز به مصر والمصريون في رمضان، وإن كانت المائدة ليست أسرية، فهي تعتبر ما انضم إليها عضوا في الأسرة الجديدة.
لقد تحدثت في البداية عن وطننا العربي الذي لم يعد وطننا، بل وطن الغريب والمتأسلم والمعارض المأجور، وأصبح جزءا منه بسيطا للغاية وطنا لحكوماته أو أنظمته التي آلت علي نفسها خراب هذه الأوطان وتخريبها ولم تفعل شيئا لانقاذه.. فأين بلح الشام وسوريا مقسمة علي نفسها، تتقاسم ترسيم حدودها ومستقبلها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فكل قوي تجمع تحت إبطها مجموعة من السوريين، موسكو تسمي بعض القوي معارضة مستأنسة فتجذبها لجناحها وكذلك النظام ذاته، وواشنطن تجذب مجموعة أخري، ثم يدعو الطرفان – موسكو وواشنطن – كل هؤلاء تحت مظلة الأمم المتحدة للمشارك في مفاوضات لا طائل منها، مفاوضات طويلة الأجل، مفاوضات بلا جدول أعمال أو نتيجة مرجوة، فتزداد أزمة السوريين، شعبا وأطفالا، وخشيتنا أن يأتينا رمضان المقبل ونحن في هذه الدوامة،
وأمامنا وأمام أطفال سوريا في الشتات، تحذير المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دي ميستورا من تعرض الكثير من المدنيين السوريين لخطر المجاعة في حال لم تسمح دمشق والفصائل المقاتلة المعارضة بوصول المزيد من القوافل الإنسانية التي تنقل المساعدات، فيما نقل عن تقارير موثقة أن الأطفال في مدن سورية كثيرة بدأوا يعانون من سوء تغذية حاد، وهم مهددون بالموت إذا لم تتمكن الأمم المتحدة من الوصول إليهم. وتقدر الأمم المتحدة عدد السوريين الذين يعيشون في مناطق محاصرة بأكثر من 400 ألف شخص معظمهم في مناطق تحاصرها قوات النظام، بالإضافة إلى ذلك يعيش أكثر من 4 ملايين شخص في مناطق يصعب الوصول إليها وتقع عموما بالقرب من مناطق القتال وحواجز التفتيش.
أما عنب اليمن، فحدث ولا حرج، كتبنا وكتب غيرنا كثيرا، فاليمن لم يعد سعيدا، وكيف له أن يكون سعيدا، وقد بدد حكامه ثرواته ونعيمه في حروب شتي، مرة مع القاعدة،وأخري مع حوثيين، حتي تلاقت رغبة نظام علي عبد الله صالح مع أعدائه القدامي في تدمير شعبه والقضاء علي مستقبله، ليضيع أطفاله ويشتتون، وليمر عليهم رمضان بلا رؤية أو احتفالات، بلا فوانيس ، بلا تهانئ بقدوم الشهر الفضيل، أطفال اليمن سيكبرون العام القادم وهم لا يعلمون – ولا نحن أيضا – هل سيكون هناك يمن، أم يمنين، أو ثلاثة، كله في علم الغيب، فالقادة أو ما يفترض أنهم قادة وكان عليهم حكم شعوبهم والتصرف بعقل وحكمة، وضعوا متاريس علي عقولهم لكي لا تعمل ولتظل غائبة عن الوعي، حتي غابت بلدانهم عن الوعي.
وربما نذكر بحقيقة مرة، فقد طبع المتمردون الحوثيون في اليمن مائة مليار ريال دون غطاء من العملات الأجنبية في مغامرة لا يقدم عليها سوي أناس لا يعرفون ربنا، مغامرة لم يقدم عليها أي إنسان في دولة غير عربية. لم يأبه الحوثيون ومعهم جنود علي عبد الله صالح بمصلحة ومستقبل اليمن، فعاثوا فسادا هناك ليقترب هذا البلد – الذي كان سعيدا – من حافة الانهيار الاقتصادي بسبب الحرب والصراعات العسكرية والسياسية التي يمر بها اليمن والتي خلقت تشوهات في الجانب الاقتصادي٬ وانعكست سلبا على مستوى معيشة المواطنين٬ إضافة إلى انخفاض الإيرادات.
لم يسع المقام لنتحدث عن العراق الذي يعيش الفوضي في كل صورها، وليبيا التي ضاعت للأسف ويحاول إرهابيوها تشديد الخناق علي مصر لإرهاقها أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وأخيرا فلسطين التي قال عنها المرشح الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب إنه سيعترف بالمستوطنات اليهودية غير الشرعية ولن يعترض على إنشائها فوق الأراضي الفلسطينية، ويكفي أن هذا المرشح تجرأ علي الحق وأبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو بأنه لن يوافق علي أي حل للقضية الفلسطينية إلا إذا وافقت عليه تل أبيب.

بعد كل هذا، هل نفرح بشهر رمضان؟؟ كيف؟؟

كاتب ومحلل سياسي بحريني
amurshed2030@gmail.com