مواجهة عالمية مع زيكا

مقالات رأي و تحليلات السبت ١١/يونيو/٢٠١٦ ٢٠:٥٠ م
مواجهة عالمية مع زيكا

بيتر سينجر

عندما تم منح ريو دي جانيرو حق تنظيم دورة الألعاب الأولمبية لسنة 2016 لم يكن فيروس زيكا قد وصل للبرازيل والآن وبعد إستثمار مليارات الدولارات في الإعداد للإلعاب فإن ولاية ريو دي جانيرو فيها ثاني أعلى عدد من الإصابات المشتبهة بعدوى فيروس زيكا فهل يتوجب علينا تأجيل دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لسنة 2016 أو نقلها لمكان آخر؟
إن هذا قرار صعب والحقائق لم تتضح بعد ولهذا السبب وقعت أنا و 223 عالم ومختص بالإخلاقيات البيولوجية وخبير بالصحة العامة على رسالة مفتوحة لمارجريت تشان مدير عام منظمة الصحة العالمية حيث طلبنا منها تشكيل مجموعة مستقلة من أجل تقديم النصح لكل من منظمة الصحة العالمية واللجنة الأولمبية الدولية بطريقة شفافة توفر الإدلة اللازمة من أجل تحقيق توازن بين الصحة العامة وتعطيل حدث رياضي دولي كبير.
إن فيروس زيكا ليس جديدا ولكن السلالة التي دخلت البرازيل سنة 2013 أكثر خطورة من أي بديل مختلف ولقد أكدت دراسة نشرت في الشهر الفائت في مجلة نيو إنجلاند جورنال اوف ميديسن الطبية بإنه عندما يصيب الفيروس إمرأة حامل فإنه قد يعيق تطور الدماغ في الجنين وهي حالة نادرة تعرف بإسم صغر الرأس وفي الحالات الشديدة فإنه من المستحيل على الطفل أن يعيش حياة مستقلة.
إن تفشي فيروس زيكا في البرازيل مرتبط بشكل مدمر بشكل من أشكال صغر الرأس والمعروف بإسم تسلسل تعطيل مخ الجنين وقبل إنتشار زيكا في البرازيل كان المرض محصورا بحفنة من الأجنة والتي تم تسجيل حالاتهم ولقد إكتشفت دراسة أجريت مؤخرا على 35 جنين يعانون من صغر الرأس في البرازيل بإن 11 منهم كانوا يعانون من تسلسل تعطيل مخ الجنين .
لقد بنيت الأبحاث الأخيرة التي تؤكد الرابط بين زيكا وصغر الرأس على دراسة تم نشرها قبل شهرين وتتعلق بإمرأة حامل في ريو دي جانيرو لديها أعراض تشبه عدوى زيكا علما أنه من بين الإشخاص الذين تأكد أنهم مصابون بالعدوى فإن ما نسبته 29% كانوا يحملون جنينا بتشوهات كبيرة ولم يكن لدى أي من النسوة اللاتي لم تتأكد إصابتهن بالعدوى أي جنين غير طبيعي .
بالنسبة للبالغين فإن زيكا يتسبب بحرارة عالية وطفح جلدي ولكن ما يزيد من الشعور بالقلق هو أنه يمكن أن يكون هناك إرتباط بمتلازمة جوليان –باري وهي عبارة عن خلل مدمر وفي بعض الأحيان يهدد الحياة ويمكن أن يتسبب بشلل لعدة أشهر أو حتى سنوات . إن خطر أن تتطور الحالة عند شخص بالغ مصاب بفيروس زيكا لتصبح متلازمة جوليان-باري ما يزال غير معروف .
لقد أعلنت منظمة الصحة العالمية زيكا "حالة طارئة للصحة العامة تثير مخاوف دولية" ونصحت النسوة الحوامل بعدم السفر للبرازيل ولكن كيف سيساعد البقاء في الوطن النسوة الحوامل لو قام آخرون بإحضار الفيروس معهم عندما يعودون من ريو ؟ إن من المتوقع أن يحضر نصف مليون شخص الألعاب الأولمبية مما يعني أنه من المرجح أن يحصل ذلك في عدة بلدان توجد فيها بعوضة آيديس آيجيبتي المسؤولة عن نقل الفيروس .
إن هناك حجتين ضد هذا السبب لتأجيل الألعاب الأولمبية أو نقلها . أولا ، إن خطر العدوى في الشتاء قليل حيث أن هناك أعداد أقل من البعوض كما إن البرازيل تستخدم القوات المسلحة من أجل رش المناطق التي يتوالد فيها البعوض ولكن وكما جادل امير اتارن وهو أستاذ القانون والصحة السكانية في جامعة أوتاوا مؤخرا في مجلة هارفرد بابلك هيلث رفيو والتي تعنى بالصحة العامة فإن إنتقال حمى الضنك وهو فيروس مرتبط بزيكا وينتقل عن طريق نفس النوع من البعوض يقل في شتاء ريو ولكنه لا يتوقف.
أما بالنسبة للرش فإن أتاران يشكك في فعاليته نظرا لإن ريو شهدت زيادة حادة ولا يمكن تفسيرها لحمى الضنك هذا العام . إن منطقة القرية الأولمبية والتي سوف تجري فيها الألعاب الأولمبية كان فيها حالات أكثر من حمى الضنك في الربع الأول من سنة 2016 مقارنة بكامل سنة 2015 .
إن الرد الثاني هو القول بإنه على أي حال فإن ملايين السياح يزورون ريو مما يعني إن إنتشار زيكا للبلدان الأخرى التي فيها بعوضة آيديس آيجبتي هو أمر حتمي ولن يكون هناك فرق لو كان أولئك الزوار الذين يحضرون زيكا معهم لبلدانهم في الألعاب الأولمبية أو لم يكونوا ولكن نتيجة لتفشي الفيروس في البرازيل فلقد تسارعت الأبحاث المتعلقة بزيكا وعليه فإن من المنطقي أن يحدونا الأمل بإيجاد لقاح أو عقاقير مضادة للفيروسات أو غيرها من الوسائل لمكافحة العدوى أو إنتشارها.
إذن متى تنتشر العدوى يعتبر أمرا حيويا فلو أقيمت الألعاب الأولمبية فإن الزوار سيتوافدون على البرازيل من العديد من الدول بشكل أكثر من المعتاد ولو أحضروا معهم زيكا لمناطق توجد فيها بعوضة آيديس آيجبتي وأنظمة رعاية صحية غير كافية- على سبيل المثال غرب أفريقيا أو جنوب آسيا- فإن ملايين الأشخاص سيصابون بالعدوى قبل أن يتم تطوير وسائل فعالة للوقاية أو العلاج.
لقد ذكرت منظمة الصحة الدولية بإن إلغاء الألعاب الأولمبية سوف " يؤثر سلبا على الإستثمار الكبير للرياضيين وغيرهم في الإعداد لما يجب أن يكون حدثا رائعا " ومما لا شك فيه أن هذا الكلام صحيح ولكن يجب أن نوازن ذلك مع مخاطر إنتشار فيروس خطير . إن الميثاق الأولمبي يؤكد أن المسؤولية الإجتماعية والإحترام للمبادىء العالمية الإخلاقية الأساسية تعتبر جوهر الحركة الأولمبية .
إن تجاهل مخاطر فيروس زيكا على البالغين والأطفال الذين لم يولدوا بعد يعتبر عملا غير مسؤول إجتماعيا وأخلاقيا وربما المخاطر قليلة لدرجة تبرر إقامة الألعاب الأولمبية (والتي بأي حال من الأحوال سوف يتم تأجيلها عوضا عن إلغاءها )ولكن ربما الوضع ليس كذلك وما لم يقم خبراء مؤهلون بعرض جميع الحقائق فإنه يتوجب على العالم أن يبقى بعيدا.

أستاذ في الإخلاقيات البيولوجيه من جامعة برنستون واستاذ فخري في جامعة ملبورن .