على بن راشد المطاعني
تابعت كغيري التفاعلات التي تشهدها الساحة المحلية حول اسعار المشتقات النفطية و غيرها مما يثار حول اي متغيرات تعيد صياغة سلوكنا الاستهلاكي الغير رشيد ، وهي تطورات و متغيرات فرضتها الظروف الاقتصادية الراهنة التي يعيشها العالم ليس نحن فحسب، و هالني حالة الهياج والتشنج التي تنتاب مواقع التواصل الاجتماعي ، وجلد الذات وبعضها اتسمت بسواداوية بشكل مبالغ فيه ، حيث يزج البعض بالكثير من الأمور في غير موضعها ويكيل الاتهامات بدون ادلة وتجني على الناس بأشد الأوصاف و أقسى النعوت للأسف ، في المقابل اطلعنا على بعض الردود العقلانية التي فندت بعض الافتراءات و تصدت لبعض المتشنجين بالحجة و المعلومة الدقيقة ،في معالجة فطرية بدات تتشكل في المجتمع في الدعوة الى تحكيم العقل في التناول و عدم الانجرار لما يطرحه البعض من مغالطات .
فهذه الحالة التفاعلية صحية بشكل عام نحن في مجتمع منفتح يحترم فيه الرأي و يقدر ابداءه بدون تهكم او خروج عن اللباقة، مما يدفع ذلك الى تهيئة المجتمع لمراحل و ظروف قد تكون أشد من ذلك، فكل هذه الافرازات بكل تداعياتها و اخطاءها ربما تسهم في إيجاد اجيال أكثر وعيا و مقدرة في التعامل مع الظروف الوطنية الطارئة، مما يدفعنا الى ان ننظر لها بايجابية عالية مادامت كلها تأتي ضمن قاعدة الحوار ، بدون اي تجاوزات أو خروج على القانون، فرب ضارة نافعة كما يقال، بل و علينا أن نستفيد من الحراك الاجتماعي في اطلاع المجتمع على امكانيات و التزامات الدولة لكي يقدر و يقررللامور بواقعية اكثر و مسؤولية اكبر في الطرح و المناقشة بعيدا عن التهكم و التجني على الآخرين.
فبلاشك أن النقاش و الحوار يثري المجتمع و يجعله أكثر حيوية و قدرة على التفاعل وأن ما نراه الان على انه سلبيات في التعاطي مع الازمات، قد يكون مدخلا يكشف جوانب اخرى تسهم في زيادة الوعي المجتمعي، وتجعل اصحاب الشطحات في مجتمعنا يعودون الى الرشد والصواب في كيفية التصدي لنقاشات تهم الشأن العام، ويجد الفرد من يصوب له اتجاه و يصحح له معلوماته الخاطئة، بل و يقوم له سلوكه .
فهذه التفاعلات أيضا لها من الايجابيات ما يمكن أن يعزز الوعي بأهمية الموارد الطبيعية مثل النفط و مشتقاته الذي ظلت الدولة تدعمه أكثر من 45 عاما بدون أن ندرك جميعا ماهيته قيمته الحقيقية كما هي في بلدان العالم التي تئن من ارتفاع مثل هذه السلع، فالوعي بالشي جزء لا يتجزاء من معرفة قيمته و ترشيده فاليوم بالطبع أصبحت هناك سلوكيات إيجابية في التعامل مع المشتقات النفطية كالبنزين و كيفية استخدامه ،و هذا ثمرة من ثمار تحرير أسعاره،بل أصبحنا نحسب تحركاتنا بكم نصرف من الوقود وهذه درجة عالية من الوعي، لن نصل إليها لولا لم تفرض علينا معطيات جديدة في تقدير قيمة الأشياء بتكلفتها و تسعيرتها في العالم.
ان ابرز الايجابيات التي احدثتها الهزات السعرية في المشتقات النفطية وغيرها ، هي خلق حالة من المسؤولية الاجتماعية للفرد تجاه المجتمع دفعته الى ان يتحسب للغد في كل خطواته وان يفترض ان القادم سيكون أقسى، لذا فعليه بكل بساطة ان يتهيأ لمثل هذه الظروف في كل نواح ومجالات الحياة، وعليه ان يسهم بزيادة الوعي المجتمعي عبر اعداد اجيال قادرة على تحمل شظف العيش و قسوة الحياة.
لا اريد ان اكون متشائما ، لكن حتى نكون قادرين على اجتياز الازمات ، فعلينا افتراض الاسوأ، مما يعني علينا ان نتعامل مع قاعدة جديدة بان سنوات العسل قد ولت الغير رجعة و علينا أن نتحمل المسؤولية في مواجهة تبعات الظروف الاقتصادية التي نعيشها مع دول العالم، وأن الدولة الرفاهية في طريقها للزوال، وان نتعلم من تجارب شعوب اخرى اخذت المبادرة وعاشت في ظروف اقصى بكثير مما نمر به، مما جعلها تصنع الفارق عبر اسس اقتصادية تكللت بنجاح بفضل اعتمادها على جميع مكوناتها وليس الحكومة فقط.
ومن المكاسب التي فرضتها الحالة الحالية تتجلى في أن المجتمع أصبح يعي الاثر القانوني والاجتماعي جراء إثارة الفوضى، وبات على علم بأن هناك عقوبات رادعة على التجمهر و العبث و الإشاعة و تضليل بالبيانات والاستخدام الخاطيء لوسائل الإعلام الاكترونية، وغيرها وفق التعديلات في قانون الجزاء العماني التي سدت فراغا في هذا الجانب و أحكمت القبضة على كل من يثير المواجع بغرض الفوضى، و لايأخذ القنوات المعروفة و المتاحة في توصيل مطالبه أو التعبير بطرق لائقة عن وجه نظره ورؤيته.
فالتطورات التي حدثت في البلاد و في محيطنا العربي والعالمي في السنوات الماضية نبهت الدولة على مخاطر الفوضى ، و عملت على الاستعداد لحالات الشغب عبر منظومة أمنية من خلال إنشاء مراكز متكاملة للمهام الخاصة في المحافظات لمواكبة تطور المجتمع و الحد من الفوضى التي قد يثيرها البعض بهدف الأضرار بالأمن الاجتماعي، فهذه المنظومة جاءت بعد ما تكشفت بعض الجوانب التي يجب أن تغطيها المنظومة الأمنية.
لكن يجب ان نؤمن بان هذه الحالة من التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي و ما يثار فيها ليست قصرا على السلطنة ، و انما في كل دول العالم تشهد مثل الحالات و اكثر في التعاطي مع الشان العام ، و تزداد التجاذبات سلبا و ايجابا ، و هوما يجعلنا لا نتوجس كثيرا من هذا الحراك الذي اصبح سمة عامة في ابقاع العالم دون استثناء على اساس بان العامة اصبحت لديهم وسائل للتعبير خاصة بهم بدون اي رقابة او تحكم في مضمونها ، لذا من الطبيعي ان تنفث الزبد الذي سرعان ما يذهب جفاء .
في المقابل الدول و الحكومات لابد ان تسمع و تصغي ما تشهده الساحة المحلية من حراك في المجتمع ، و يكون لديها نفسا كبيرا في استيعاب هذه المتغيرات ، التي هي طبيعية ان تكون في مثل الظروف و تستفيد منها في تطوير خدماتها و تجويدها و دراسة هذه المتغيرات و كيفية التعامل معها.
بل ان الدولة عليها ان تزيد من الجرعات الاعلامية التي تعزز المواطنة و توضح ما يتوفر من مكاسب وكيفية الحفاظ عليها ، في اطار التوازن في ادارة الراي العام ، و الحد من تاثيرات السلبية لما يثار و ايضاح الحقيقة للفرد و المجتمع .
بالطبع حالة الشد و الجذب في المجتمع سوف تتطور سلبا و ايجابا و لكن يجب أن ندرك بأن القوانين المنظمة و الحريات المتاحة تكفل حرية الرأي عبر الممارسة الواعية ، وعلى الفرد و المجتمع ان يدركا حدود حريته بدون أن يلحق الضرر بالغير أو ينتهك القوانين.
نأمل بأن لا ننزعج من هذه التفاعلات والتباينات على اختلافها ووقعها، بل علينا ان ننظر لها بالإيجابية التي تعزز من الوعي و تجعلنا جميعا نسهم في صياغة منظومة العمل الوطني القائم على التفاعل والتفاني و تضافر الجهود .