صداع الديون الضخمة في مرحلة ما بعد الأزمة الاقتصادية

مقالات رأي و تحليلات السبت ١١/يونيو/٢٠١٦ ٢٠:٣٠ م
صداع الديون الضخمة في مرحلة ما بعد الأزمة الاقتصادية

كارمن راينهارت

خلص اجتماع وزراء مالية مجموعة ال 20 ومحافظو البنوك المركزية في واشنطن العاصمة الأسبوع الماضي إلى نتائج غير مشجعة. ولا غرابة في الأمر لأن هناك تضاؤل فرص النمو العالمي وسط مجموعة متنوعة من المخاطر الناجمة عن كل من الدول المتقدمة والنامية.
وتناول المشاركون في الاجتماع - مرة أخرى - الحاجة إلى مزيد من التنسيق بين السياسات والمزيد من الحوافز المالية، والحاجة إلى مجموعة متنوعة من الإصلاحات الهيكلية. وأصبح هذا النقاش أكثر إلحاحا نظرا للاعتقاد السائد أن السياسة النقدية قد تفتقد قوة المقاومة، وأن التخفيضات التنافسية من شأنها أن تضر أكثر مما تنفع.
ولكن ما تزال أكبر الاقتصادات في العالم، بعد ما يقرب من ثماني سنوات على الأزمة المالية العالمية، مثقلة بمستويات عالية من الديون العامة والخاصة، ومن المحير أن إعادة الهيكلة الشاملة لا تحتل مكانا بارزا بين قائمة الخيارات السياسية. وبالنسبة للاقتصاد العالمي، فإن إعادة هيكلة الديون هي بمثابة الفيل البارز في الغرفة.
في المراحل الأولى من الأزمة المالية 2008-2009، كتبنا أنا وكينيث روجوف أن التعافي من الأزمات المالية الحادة يطول أمده، لأن العمل على استخلاص الديون المتراكمة خلال فترة الازدهار من قبل الشركات والأسر يستغرق وقتا طويلا. وفي الوقت نفسه البنوك غير قادرة أو مترددة في الدخول في قروض جديدة، وهي تواجه زيادة في القروض المتعثرة والميزانيات العمومية الضعيفة. التأخر في إصلاح الميزانيات العمومية من بين العوامل التي تعرقل الانتعاش الاقتصادي وتجعل الانتعاش بعد الأزمة يختلف بحدة عن طفرة الأعمال التجارية.
في دراسة قمنا بها من أجل المتابعة، وثقنا مسار نصيب الفرد من الدخل في أعقاب أسوأ 100 من الأزمات المالية منذ 1860. ووجدنا أن الأمر استغرق أكثر من سبع سنوات بقليل في المتوسط، بالنسبة للاقتصادات المتقدمة (كما هي محددة اليوم) ليصل إلى مستوى الدخل لما قبل الأزمة ؛ واستغرق الانتعاش المتوسط حوالي ست سنوات. وتراجع نصيب الفرد من الدخل من ذروته في بداية الأزمة إلى أدنى مستوياته في قاع الركود في المتوسط حوالي 9.6٪ لهذه المجموعة. وكانت انهيارات الإنتاج المرتبطة بأزمة الأسواق الناشئة أسوأ.
كيف يمكن وصف التجربة الحديثة لما بعد الأزمة مقارنة بنظيراتها التاريخية؟ أحدث التوقعات الاقتصادية العالمية لصندوق النقد الدولي، والذي ييسر تقييم هذا الأمر ويوفر توقعات نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (من بين العديد من المؤشرات الأخرى) إلى حدود 2021 لمعظم الاقتصادات في العالم،.
وعانت كل من فرنسا، ألمانيا، اليونان، ايسلندا، ايرلندا، ايطاليا، هولندا، البرتغال، اسبانيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة من الأزمات المالية الحادة. وكان لاثنين من الدول 11 (ألمانيا والولايات المتحدة) طريقا مختصرا للتعافي بالنسبة للتجربة التاريخية للاقتصادات المتقدمة. وتأتي أيرلندا والمملكة المتحدة في المرتبة الموالية للدول التي استطاعت تعويض الدخل المفقود
وإذا أخذنا توقعات صندوق النقد الدولي في ظاهرها، ومتوسط الوقت الذي يستغرقه الوصول إلى مستوى ما قبل الأزمة من الدخل لتضم 11 دولة ستكون المدة نحو تسع سنوات. وبحلول عام 2021، سوف يقف دخل الفرد اليوناني والإيطالي عند حوالي 14٪ و 9٪ على التوالي، وهو أدنى من مستواه عام 2007. وتحتل الأزمة اليونانية، التي لم تنته بعد، المركز العاشر من بين أسوأ 100 أزمة تاريخية.
وإذا وضعنا جانبا إعادة هيكلة الديون السيادية المشحونة والمثيرة للجدل، فإن شطب الديون الخاصة التي تراكمت خلال فترة الازدهار (في كثير من الأحيان في إطار مجموعة وردية جدا من الافتراضات حول الدخل المستقبلي للمقترضين والثروة) يعد جزءا لا يتجزأ من حل الأزمات المصرفية عبر التاريخ المعروف. وتشمل الاستثناءات البارزة منح القروض المصرفية خلال سنوات في أعقاب أزمة اليابان في أوائل التسسعينيات، والأزمة الأوروبية الحالية، والتي تقترب بسرعة من علامة العقد.
و يخضع التعافي الهزيل للعديد من الاقتصادات المتقدمة (حتى بالمقارنة مع أزمات خطيرة أخرى) إلى النهج السائد ب "التظاهر وتمديد" الدين. و ظلت البنوك الأوروبية منذ الأزمة منهمكة في شراء الديون الحكومية إلى حد كبير (تطبيقا لمخطط بونزي) بقروض ما قبل الأزمة خاصة.
وعلى خلفية صعوبة تسديد الديون الخاصة بالبيوت في الولايات المتحدة، استطاع المقترضون والبنوك التكيف مع انهيار فقاعة الإسكان والمضي قدما. في حين أن الحلقات السابقة، بدءا من الأزمات الاسكندنافية في التسعينياتفي وقت مبكر وصولا إلى الأزمة الآسيوية في الفترة 1997-1998، أنتجت وتيرة أسرع بكثير لتخفيض الديون. ونأمل أن نهج الصين في التعامل مع الديون الخاصة والداخلية لن يلتزم بالجدول الزمني الياباني المرتبط بمنطقة اليورو.
أستاذ النظام المالي الدولي في كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد.