مبادرة عن المفقودين

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٩/يوليو/٢٠١٩ ١٩:٤١ م
مبادرة عن المفقودين

في أحد مقاهي بيروت، كان اللقاء بالمحامية والمديرة التنفيذية لمنظمة بنورا غازي لتخبرني مطولاً عن رحلة «نو فوتو زون». ومنذ وصولها، تدرك على الفور شغفها بالعمل الذي تقوم به إذ تبدأ الحديث من دون أن تتوقف وتفهم كيف أن هذه الشابة استثمرت وجعها بشيء يعود بالفائدة على الآخرين.

فلمن لا يعرفون نورا غازي، هي زوجة الناشط والمبرمج الفلسطيني السوري باسل خرطبيل صفدي الذي اعتُقل عام 2012 ليُعدم عام 2015 إلا أن خبر وفاته لم يُعرف إلا لاحقاً.

وتخبرنا نورا أن هذه المبادرة «هي حلم قديم جداً بيني وبين باسل وهي قرار جريء جداً غيّر مسار حياتي» لتضيف «هي منظمة تستهدف عائلات المفقودين والمعتقلين في سوريا ولبنان». ولا عجب أن أرادت نورا التركيز على هذا الموضوع هي المحامية المتخصصة بحقوق الإنسان الدولية والتي طالما انخرطت في العمل مع المنظمات دفاعاً عن حقوق المعتقلين. وعن بلورة الفكرة، تكشف لنا «بدأنا بالتفكير بنشر الوعي لكن بطريقة يفهمها الناس. لم نشأ استهداف الناشطين والأشخاص الذين يعرفون كما تفعل أغلب المنظمات للأسف ولا تنظيم حملة مناصرة تستهدف دائماً الرأي العام الذين يؤيدنا. أردنا شيئاً مختلفاً. وباسل أسماها «نو فوتو زون» لأن السجون أو المخطوفين هم غير مرئيين لا يمكننا الذهاب وتصويرهم».
لكن الفكرة لم تتطور على أرض الواقع إلا بعد انتقال نورا إلى لبنان لأسباب أمنية. وهكذا، محاطة بفريق عمل من المتخصصين بالقانون وبالحملات والمواقع الالكترونية وبشراكات مع عدد من المنظمات الدولية، نجحت نورا في إطلاق «نو فوتو زون» وبرامجها.
توفر المنظمة الدعم القانوني للمعتقلين أنفسهم وعائلاتهم وعائلات المختفين قسراً. وتخبرنا أن تقريباً كل اللاجئين المتواجدين في لبنان هم عائلات مفقودين. إلا أن المشكلة الأكبر هي أنها لا تعرف كيفية التفتيش عن المفقود ناهيك عن الآثار القانونية التي تعانيها العائلات مثل حصر الإرث والوصاية على الأطفال أو إذا أرادت الزوجة الزواج مرة أخرى.
كما تقدّم «نو فوتو زون» التوعية القانونية. وهنا تشرح لنا نورا «نعمل مع العائلات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي» شارحةً «على الأرض، نختار موضوعاً أو أكثر بناءً على طلب العائلات لنشرح لها كل ما تريد معرفته قانونياً مثل الإبلاغ عن المفقودين». وتطلعنا نورا أن حالياً المنظمة تستهدف منطقة البقاع حيث أكبر عدد من السوريين مشددة أنها تستهدف العائلات لا النساء فقط. وهنا تخبرنا «خلال ستة أشهر، عملنا مع 109 نساء ورجل واحد لأن أغلب المفقودين هم رجال ولم يتبقَ سوى النساء من عائلتهم».
أما في ما يتعلق بالمناصرة، فتختار المنظمة موضوعاً قانونياً وتعمل عليه لمدة طويلة. كما تقيم شراكات مع منظمات أخرى مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر حيث تشرح لنا نورا «نشجع العائلات ونعلمهم كيفية التسجيل والتواصل وكيفية اخبار قصتهم» أو مع منظمات أخرى تسجل عن حالات الاختفاء القسري في الأمم المتحدة...
وتشدد نورا «المميز عندنا في موضوع المناصرة وفي كل الموقع الالكتروني هو أنّ المنظمة ليست سياسية. نتكلم بالقانون والحقوق والإنسان. فنحن نستهدف أي معتقل أو مختفي مهما كان رأيه السياسي وعند أي جهة كانت. حتى الأخبار التي نشاركها، نكون حريصين جداً باللغة التي تُكتب بها. نتكلم عن الاعتقالات كما نتكلم عن الإفراجات..».
فبالنهاية، تسعى «نو فوتو زون» إلى نشر ثقافة اللاعنف لأن سوريا الآن بيئة مناسبة للانتقام والثأر، على حد قول نورا. وهي تشدد أنه من المهم خلال الحلقات النقاشية تسليط الضوء على معاناة جميع السوريين، مهما كانت منطقتهم أو انتمائاتهم أو طائفتهم، قائلة «أنا أتعاطف مع الأم التي مات ابنها في الجيش كما أتعاطف مع الأم التي مات ابنها في المعتقل. فبالنهاية، الأم أم مهما فعل ابنها. إذا كان لدي مشاعر إنسانية، لا يمكنني أن أقسّمها، فهذا يسري على الجميع».
توفّر «نو فوتو زون» عمل قانوني يحتاج إلى الكثير من المثابرة والتفاني يتركّز حالياً على لبنان فقط حيث هناك مشروع توسعيّ لافتتاح مركز في بيروت وفي الشمال أيضاً.
نورا التي لا تتوقف عن القول «أنا كنت محظوظة جداً ولا أستطيع مقارنة نفسي بباقي السوريات. هنّ مررن بأسوأ مما مررت به لأن الاهتمام الذي أخذه باسل لم يأخذه معتقل آخر أو أخذه 10 آخرين مثلاً لكن الباقين هم غير مرئيين» مصممة على تغيير الأمور بفضل «نو فوتو زون» قائلة «أنا أريد أن يراهم الجميع».

محررة موضوعات اجتماعية