محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
التفكير في تحسين ظروف المعيشة تفرضه الرغبة الإنسانية الملحّة التي سارت مع الآدمي منذ أن كان يفتش عن طعامه بصيد الحيوانات أو بتذوق الأشجار، أيها يمكنها التأقلم مع مزاجه، ومعدته، حتى أن بعض الشعوب بقيت تتناول ما تعافه شعوب أخرى، من الكائنات الحية عبر تنوّع طرق حركتها.. أو النبات، في قاع البحر أو فوق قمة جبل.
ولم يكن لذلك المخلوق، ومن عاش معه عبر أحقاب عدّت سحيقة، مقاييس يضع عليها جودة ما يتناوله، سوى الذوق، وفي فترات الرخاء يطيب له أن يقطف الفواكه الطيبة، أما في فترات الشدة، وأسبابها متعددة، فليس له سوى العودة إلى أوراق الأشجار وجيف الحيوانات إذا لم يجد واحدة حيّة تعينه على البقاء حيا.
بمعنى واضح أن «معايير ضبط الجودة» لم يعرفها إلا وفق حساباته الخاصة، وما تراكم من خبرات في تاريخه الإنساني، وهو يكتشف ويستكشف، ويتعلم كيف يمضي بحياته إلى أقل ممكن من الخسائر، محسنا فرص بقائه حيّا بأية طريقة كانت، إنما عبر مرئياته وثقافته.
في عصرنا الحالي نواجه الشكل المؤسسي للحياة، فلا يوجد أمر تقريبا في حياتنا ليس له مؤسسة مختصة به، لضبطه، بقوانين ومحددات جمّة، تراقبنا، وبدورنا نعمل على مراقبة أدائها، فإذا لم تضبط جودة ما عهد به إليها، قمنا بضبط جودتها، ونصرخ أنها مؤسسة ضعيفة وفاشلة، ومع مرور الزمن، واعتيادنا الاعتماد على المؤسسات، نسينا قدراتنا الذاتية، في الفرز والتصحيح، كما يحلو للمشرفين على امتحانات المدارس هذه الأيام، فنطالب المؤسسة أن تفرز الأشياء عن بعضها لتقول لنا هذا طيب فكلوه، وهذا فاسد فاجتنبوه، وهذا مشتبه فيه فلا تخالطوه، بخاصة إن جاءنا من دول ينتشر فيها وباء معين، أو صعد على سطح الأخبار مرض لم تألفه أسماعنا من قبل.. وما أكثر مسمياته في السنوات الأخيرة.
لماذا أهملنا قدرتنا الذاتية على فرز الصالح من الطالح، ونتهم المؤسسات بأنها تلقمنا السموم والأغذية الفاسدة؟!
بنظرة ما يمكننا معرفة أن هذا الأرز فاسد أم أنه من النوع الجيّد الصالح لنأكله صحنا إثر آخر، ولا يصيبنا «إلا ما كتب الله لنا» حيث إننا أعملنا عقولنا وأذواقنا في اختيار نحن ندفع ثمنه مسبقا «بالدفع النقدي» ثم لاحقا «بالدفع من رصيد صحتنا»..
وإن كنّا نشكك في قدرة المؤسسات، وضبطياتها، وملاحقاتها، فعلينا واجب الثقة بأنفسنا، وما وهبها الله من حواس قادرة على تبيان «الخيط الأبيض من الخيط الأسود»، كما هي قادرة على «ضبط» مهم، وهو مواجهة النفس وهي تقبل على الطعام إقبال من يشعر به أنه الوجبة الأخيرة وستضربه المجاعة بعدها. ضبط أنفسنا في مراكز التسوق، نتخفف مما يضرب صحتنا في مقتل، ثم نقضي بقية العمر محاولين التخفيف من الوزن، ومن اندفاعات الأمراض المعروفة صوب أجسادنا.. واحدا يتبع سابقه. هي ذاتها القدرة على ضبط الأعصاب، وضبط المشاعر، وضبط القدرة على ظلم الآخر..