هرولة ألمانيا نحو الغاز الروسي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٨/يونيو/٢٠١٦ ٢٠:٢٦ م
هرولة ألمانيا نحو الغاز الروسي

يوراي ميسيك

إذا توفرت الظروف المناسبة، فقد يتحول أي منا إلى أحمق ساذج ــ وسوف تكون هذه هي الحال إذا رحب الاتحاد الأوروبي بمشروع نورد ستريم 2 لمضاعفة كمية الغاز الطبيعي القادمة من روسيا عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا. وفقا للشركات الأوروبية الخمس المشاركة في المشروع (كل منها بحصة 10%)، فإن شراكتها مع شركة جازبروم الروسية (التي تملك نسبة الخمسين في المائة المتبقية) مجرد مبادرة أعمال تجارية. ولكن الحقيقية هي أن الأمر أشد خطورة من ذلك.
قبل عشر سنوات، عندما أُعلِن عن أولى صفقات خط أنابيب نورد ستريم، شَبَّه وزير خارجية بولندا راديك سيكورسكي آنذاك المشروع بحلف مولوتوف-ريبينتروب عام 1939 (معاهدة عدم الاعتداء بين ألمانيا بقيادة هتلر والاتحاد السوفييتي بقيادة ستالين). وبعد موافقة الاتحاد الأوروبي على الصفقة، اتُّهِم سيكورسكي بالمغالاة المفرطة.
واليوم، في أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، والتخريب المستمر لسيادة أوكرانيا، لا تبدو كلمات سيكورسكي غريبة إلى هذا الحد. الواقع أن جازبروم أصبحت اليوم أداة لتمرير سياسة الكرملين (ومصدرا للدخل) أكثر من أي وقت مضى، مع استخدام إمداداتها من الغاز بشكل متكرر كأداة ابتزاز سياسية، وخاصة لإخضاع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة مثل أوكرانيا.
تتلخص الحجة لصالح خط أنابيب نورد ستريم 2 في أنه سوف يلبي الطلب المتزايد من قِبَل الاتحاد الأوروبي على الغاز. بيد أن قدرة خطوط الأنابيب القائمة حاليا بين الاتحاد الأوروبي وروسيا قادرة بالفعل على تغطية ضِعف الطلب الأوروبي الحالي. ووفقا لبيانات جازبروم ذاتها، صَدَّرَت روسيا في عام 2015 ما يزيد قليلا على 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى أوروبا الغربية ــ وهذا أقل كثيرا من نصف القدرة القائمة.
ولا يبرر استهلاك الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي بناء خط أنابيب آخر بسعة 55 مليار متر مكعب. ففي عام 2014، انخفض الاستهلاك بنسبة 23% إلى 387 مليار متر مكعب، بعد الذروة التي بلغها عام 2010 بنحو 502 مليار متر مكعب، لكي يصل إلى أدنى مستوياته منذ عام 1995. والواقع أن نسبة القدرة إلى الاستخدام لنورد ستريم كانت 43% فقط في عام 2013، ثم 65% في عام 2014، و71% في عام 2015.
يزعم البعض أن استهلاك أوروبا من الغاز سوف ينمو. حقا؟ الواقع أن سبع دول فقط في أوروبا الغربية (وألمانيا أكبرها) تمثل نحو 80% من إجمالي استهلاك الاتحاد الأوروبي من الغاز، وكلها تطبق برامج قوية في مجال كفاءة استخدام الطاقة والطاقة المتجددة. وما لم تقرر أوروبا إهدار الغاز الطبيعي الرخيص، فسوف يستمر انخفاض استهلاكها. ومن ناحية أخرى، تكفي مضاعفة قدرة نورد ستريم إلى 110 مليار متر مكعب من الناحية النظرية لتمكين أوروبا من استيراد كل الغاز الروسي عبر خط أنابيب نورد ستريم وحده.
وهنا بطبيعة الحال يكمن الخطر إذا تم بناء نورد ستريم 2. ففي غضون فترة زمنية قصيرة للغاية، يكاد يكون من المؤكد أن خطوط أنابيب برذرهوود ويامال ــ التي تربط روسيا بأوكرانيا وبولندا على التوالي ــ سوف تبدأ في الانهيار من حيث الجدوى الاقتصادية. وفي غياب رسوم العبور التي هي صميم أعمال هذه الشركات، فإن الافتقار إلى الصيانة سرعان ما يؤدي إلى التآكل الخطير. وسوف تُجَرَّد بولندا وسلوفاكيا وبيلاروسيا وأوكرانيا ــ والتي يبلغ مجموع سكانها 100 ملليون نسمة ــ من مصدر مهم للدخل، وهو ما من شأنه أن يُضعِف هذه البلدان اقتصاديا ويجعلها أكثر عُرضة لضغوط الكرملين.
والفائز الحقيقي الوحيد هو روسيا، التي سوف تضمن المزيد من الأموال الأوروبية لفترة أطول من الزمن. وسوف تتسبب الاستثمارات الغربية الجديدة في خطوط الأنابيب الجديدة في إلزام نظام الطاقة في أوروبا بالتمسك بالغاز الطبيعي الروسي، وربما تثبيط التحول إلى الكفاءة في استخدام الطاقة.
سوف تحمل الدعاية الروسية ودعاية الشركات الرأي العام الألماني على الاعتقاد بأن نورد ستريم 2 يشكل حاجزا وقائيا من نوع ما في مجال الطاقة، يعزل ألمانيا عن المتاعب التي تشهدها جاراتها في الشرق، حتى برغم أنها قد تكون من زميلاتها في الاتحاد الأوروبي. ولكن نورد ستريم 2 من شأنه أن يجعل وقوع هذه المتاعب حتميا. ذلك أن أوكرانيا الفقيرة تصبح ضحية أسهل للعدوان الروسي مقارنة بحالها اليوم. وسوف تزداد قبضة الكرملين على بيلاروسيا إحكاما إذا أغلقت يامال أعمالها.
وعلاوة على ذلك، لن يكون الألمان وغيرهم من الأوروبيين بمنأى عن العواقب. فمن خلال الالتزام بشراء كميات من الغاز الروسي أكثر من اللازم، ولفترة أطول، يساعد الاتحاد الأوروبي في تمويل بناء القدرات العسكرية الروسية، والتي تمثل تهديدا مباشرا للسلام في أوروبا.
وفقا لمؤشر العسكرة العالمي التابع لمركز بون الدولي للتحويل، تُعَد روسيا بين الدول الأكثر عسكرة في العالم. ففي الربع الأول من عام 2016، أنفقت روسيا نحو 37% من الميزانية الفيدرالية الروسية على القوات العسكرية والأمنية في البلاد ــ وكانت الغالبية العظمى من هذا الإنفاق ممولة من خلال بيع النفط والغاز للأوروبيين.
نحن الأوروبيون إذن الذين نمول حروب روسيا في أوكرانيا وسوريا، واحتلالها العسكري لشبه جزيرة القرم، وأوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا، وترانسنيستريا، والطلعات الاستفزازية التي تنفذها الطائرات العسكرية الروسية في البلطيق وأماكن أخرى. وكلما أحرقنا المزيد من الغاز الروسي، كلما وضعنا بين يدي فلاديمير بوتن المزيد من المال لتمويل التحديث العسكري و"الحرب الهجين"، عندما تعزز روسيا قواتها التقليدية بقوات غير نظامية وأسلحة سيبرانية.
يتعين على ألمانيا وقادتها أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانوا جادين بشأن السلام. وإذا كانوا جادين، فمن الأهمية بمكان أن يتوقفوا عن تمويل جيوش روسيا.
ولكن هل يتعامل الألمان بجدية مع الاتحاد الأوروبي، الذي ضمن لهم سبعة عقود من السلام في المنطقة التي كانت سابقا الجزء الأكثر عنفا في العالم؟ هل هم جادون بشأن مكافحة تغير المناخ والدفاع عن مستقبل الكوكب؟ إذا كان الأمر كذلك، فيتعين عليهم بكل تأكيد أن يحرقوا قدرا أقل، وليس أكثر، من الغاز الطبيعي.
إن نورد ستريم يخالف كل ما تقول الحكومة الألمانية إنها تحترمه كقيمة: بقاء الاتحاد الأوروبي، والسلام في أوروبا، والبيئة. ويُحسِن الساسة الألمان صُنعا إذا تذكروا كلمات حاكم آخر للكرملين. فيشاع أن لينين قال ذات يوم: "سوف يبيعنا الرأسماليون الحبل الذي سوف نشنقهم به".

مستشار المناخ والطاقة لدى رابطة السياسة الخارجية السلوفاكية.