بم نبرر هذا الغلاء؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٨/يونيو/٢٠١٦ ٠٦:٣٨ ص

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

نحن رعايا دول لا ضرائب فعلية فيها على الأرباح والدخل.. تتقاضى الحكومات رسوماً على خدماتها – نعم – ولكنها رسوم محدودة تساوي بين التاجر الشقي والملياردير، وبين الرابح والخسران، في حين تقاسم الدول المتقدمة تجارها أرباحهم بنسب تصل أحيانا إلى 50 % !

لا ضرائب إذن تقض مضاجع التجار.. فبم نبرر الغلاء؟

لسنا في مناطق قصيّة أو نائية، وأراضينا تنبسط في موقع استراتيجي يتوسط العالم ويسهل الوصول له من كافة أطرافه.. ما يعني نقلاً ميسرا للبضائع والمنتوجات ويعني أيضا: كلفة مقبولة للنقل.. فبم نبرر الغلاء؟
لاحظوا هنا أن بعض المنتجات محلية «ويُفترض» أن كلفتها أقل لغياب كلفة الشحن والتوصيل، ومع ذلك فهي تباع بسعر مماثل للمنتج المستورد أو بسعر أعلى في مفارقة تُثير الدهشة !

ومن النعم التي يرفل بها تجارنا أيضا الأيدي العاملة الرخيصة: فمتوسط الأجور في دول أوروبا وأمريكا لا يقل عن 8-9 دولارات في الساعة، وهي دول يماثل دخل الفرد فيها دخل الفرد في الخليج أو يقل عن ذلك، ورغم ذلك فلا حد أدنى للأجور في دولنا لا سيما على الأيدي العاملة الوافدة التي هي بمثابة العمود الفقري للعمل التجاري.

أضف لكل ذلك حقيقة أننا في دول تنعم بمساحات بكر شاسعة لا اكتظاظ فيها ولا تكدس، وهو ما يعني إيجارات مقبولة لكل من المحال والمخازن على حد سواء. ولا نبالغ إن قلنا إن تجار المواد الغذائية والاستهلاكية في دولنا ينفقون ربع إنفاق نظرائهم في الدول الأخرى على التشغيل والتسويق والتخزين. فبم نبرر كل هذا الغلاء؟
نعرف أن أسعار المحروقات قد رُفعت، ولكنها ما زالت أقل من سواها في الدول العربية والغربية.. فبم نبرر هذا الغلاء؟
لا تبرير له سوى الجشع.. والرغبة في مضاعفة هامش الربح.. والتضخم على حساب الناس..


في مطلع العشرينيات قاطع الشعب الأمريكي الشاي نظراً لارتفاع سعره، وكانت الولايات المتحدة حينها مستعمرة بريطانية، والكل يعرف ولع البريطانيين بالشاي وتقديرهم له. كابر تجار الشاي الإقطاعيون واتجه الشعب الأمريكي للقهوة كبديل مؤقت لحين كسر عنجهية التجار، ولكن، حدث ما هو غير متوقع وتغيرت ذائقة الناس فصاروا يؤثرون القهوة على الشاي وقلما تجد – وليومنا هذا – أمريكيا يفضل الشاي على القهوة !

في دولنا لا نملك خياراً يذكر، ولو فكرنا أن نقاطع فسنقاطع القهوة والأرز واللحوم وحتى منتجات الألبان !! فكل شيء أغلى من كلفته الحقيقية بكثير، والمستهلك لا يملك خيارا ولا يستطيع التوفير عندما يأتي الأمر للمنتجات الاستهلاكية والمعيشية. وهو يشهد تذبذب الأسعار ويرى العروض الوهمية ولكنه يقف مكتوف اليدين عاجزاً عن الاحتجاج. وهنا، هنا تحديدا، يأتي دور أجهزة الدول الرقابية التي يتحتم عليها أن تكبح جماح التجار وتروض طمعهم. فمعاقبة المستغلين والتشهير بهم ضرورة شرعية كما قال علماء الأزهر العام الماضي. ولا يمكن ترك الناس تحت رحمة هؤلاء الذين لا يرحمون الناس رغم علمهم بتواضع مداخيلهم وعسر حالهم خصوصا في أيام كهذه.