السلام الهش فى موزمبيق

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٨/يونيو/٢٠١٦ ٠٥:١٢ ص

سينيكا تارفاينين

في مستوطنة ماتسيكينا الريفية جنوبي موزمبيق، تثير أسئلة الصحفيين حول الحضور المقبل لحزب المعارضة المسلح "رينامو" على الساحة السياسية، حالة من الارتياب والشكوك.
بعد رحلة عبر طرق صخرية وعرة، يجلس لويس إيناسيو مانهيكا - وهو من قدامى المحاربين في حزب رينامو وشارك في الحرب الأهلية التي امتدت بين عامي 1992-1977، ضد الحزب الحاكم "فريليمو" - في الفناء العشبي لكوخه.
يختار مانهيكا 42/ عاما/ الذي يعمل قاطع أخشاب، كلماته بعناية عند الحديث عن الوضع في المنطقة التى يسيطر عليها حزب فريميلو الحاكم نافيا ان تعرضه للتمييز.
لكنه يعترف بالقلق إزاء التقارير الواردة من وسط وشمال البلاد التي تتحدث عن تصاعد العنف بين رينامو والجيش.
ويضيف "كنا نظن أن هناك مصالحة. لكننا نعيش في خوف من حرب جديدة".
وتعكس التوترات في ماتسيكينا، الواقعة على بعد نحو 80 كيلومترا إلى الغرب من العاصمة مابوتو، الشرخ السياسي العميق الذي لا يزال يقوض جهود التنمية في موزمبيق بعد 24 عاما على الحرب الأهلية.
وقامت عناصر رينامو بتفخيخ مركبات، ومهاجمة مراكز للشرطة، والإشتباك مع الجيش، منذ اندلاع الصراع في وقت مبكر من العام الفائت.
وتم الإبلاغ عن انتهاكات ضد المدنيين من كلا الجانبين. ووثقت هيومن رايتس ووتش عمليات قتل في الشمال من قبل الجيش، الذي أحرق أيضا قرى يشتبه في أنها تؤوي مقاتلي رينامو، مما أجبر نحو 10 آلاف شخص إلى الفرار إلى مالاوي المجاورة.
وبحسب تقارير فقد تم اكتشاف أكثر من 100 جثة، معظمها في ملابس مدنية، في مقبرة جماعية بمنطقة جورنجوسا وسط البلاد.
لكن أرقام الخسائر العسكرية والمدنية غير معروفة. وبحسب تقدير مبني على تقارير إعلامية فإن الارقام تدور حول 1000 ضحية منذ اكتوبر الفائت.
وطلب حزب رينامو الآن من الجيش وقف التحرك نحو معقله في جورنجوسا ، حيث مقر زعيمه ألفونسو دالاكاما، فيما يستعد الخصمان للدخول في محادثات سلام.
ويثور قلق من أن يؤدي العنف في نهاية المطاف إلى إعاقة نقل الفحم - وهو أحد أهم صادرات البلاد الواقعة في جنوب القارة الإفريقية - وكذلك إعاقة نقل احتياطيات الغاز الهائلة التي لا تزال غير مستغلة.
ويقول المحلل السياسي خوسيه خايمي ماكواين من جامعة إدواردو موندلين "ليس هناك من سبيل أمام الحكومة سوى التفاوض مع رينامو".
وتعود جذور العداء بين الجانبين إلى فترة الحرب الأهلية. كان رينامو مدعوما من أنظمة الأقلية البيضاء فيما كان يعرف آنذاك بروديسيا (زيمبابوي حاليا) وجنوب أفريقيا، في حين تلقى النظام الماركسي في البداية لفريليمو الدعم من الاتحاد السوفيتي وكوبا.
وأزهقت الحرب بين الجانبين أرواح حوالي مليون شخص وشردت الملايين.
ومع توقيع اتفاق سلام عام 1992 أصبحت رينامو حزب المعارضة الرئيسي في موزمبيق، ولكن بعد عقدين من الزمن، بدأ دالاكاما تمردا على مستوى محدود، متهما فريليمو باستبعاد المعارضة من مؤسسات السلطة والاقتصاد.
وكان من المفترض أن تؤدي انتخابات عام 2014 إلى استعادة السلام في موزمبيق ، لكن حزب رينامو قال إن حزب فريليمو فاز عن طريق التزوير.
ويطالب رينامو حاليا بحكم ست محافظات في وسط وشمالي البلاد حيث يدعي أنه حصل على الأغلبية، في ما يعتبر منتقدون المطلب محاولة للسيطرة على الموارد المعدنية للبلاد.
يقول المتحدث باسم حزب رينامو، أنطونيو موشانجا، إن الحزب يريد ايضا دمج قواته في الجيش والشرطة والمخابرات، بما في ذلك المناصب القيادية.
وينظر إلى الرئيس فيليبي نيوسي بأنه على استعداد للتفاوض. لكن محللين يقولون إنه يواجه مقاومة من رموز نظام سلفه المتشدد، أرماندو جويبوزا. ويقول ماكواين "هناك اعتقاد واسع الانتشار بأن الرئيس لايمارس عمله المنوط به".
في الوقت ذاته يجني رينامو دعما متزايدا من الأشخاص غير الراضين عن أداء الحكومة، بحسب ما يقول مراقب غربي.
وبوجوده في السلطة منذ الاستقلال عن البرتغال عام 1975، سمح حزب فريليمو لمسؤوليه باستخدام مواقعهم لتأمين صفقات تجارية، وفقا للنقاد.
وتركزت التنمية في الجنوب، حيث تقع العاصمة مابوتو. ويواجه الاقتصاد حاليا أزمة كبرى، وسط التهديد بأن تبتلع الديون الحكومية الغامضة البالغة حوالي ملياري دولار أمريكي، طفرة الغاز في المستقبل.
ويعيش ما يقرب من 55 في المئة من سكان موزمبيق البالغ عددهم 26 مليون نسمة في حالة فقر، وفقا لبيانات البنك الدولي. ولم يستجب المتحدث الرسمي باسم الحكومة وفريليمو لطلبات الحصول على تعليق على ذلك.
وبمرور الوقت تطور الصراع ليشمل عمليات القتل بالاستهداف المباشر.
ويقول موشانجا إنه تم اغتيال مسؤولين بمستويات عدة في رينامو، من قبل فرق الموت التابعة لوحدات الشرطة الخاصة. ووثقت رابطة حقوق الإنسان في موزمبيق 83 حالة إعدام باحكام سريعة لم تتوفر لها اجراءات المحاكمة العادلة الكاملة، منذ يناير الفائت في أربعة اقاليم يحظى فيها رينامو بالدعم.
ويقال إن دالاكاما نفسه نجا من ثلاث محاولات اغتيال من قبل مجهولين، مما دفعه إلى الاختباء في منطقة ساتونجيرا بجورنجوسا. كذلك اتهم رينامو باختطاف وقتل أعضاء فريليمو.
واستهدفت عمليات القتل الأخرى محامين وأكاديميين وصحفيين، وكان بعضهم ينظر إليه على أنه من منتقدي الحكومة. وأطلقت النيران على المحلل السياسي ماكواين وأصيب في ساقيه بعد بضعة أيام على لقائه مع وكالة الأنباء الألمانية
وأعرب موشانجا عن ثقته بأن المفاوضات ستمضي قدما من أجل وضع حد لحالة انعدام الأمن المتزايدة.
ينظر المحارب القديم مانهيكا إلى يديه ، وهو يتذكر السنوات التي قضاها في الحرب الأهلية. ويقول: "لقد ضاع شبابي ولم أتمكن من الدراسة. وفقدت اهتمامي بالسياسة".