اختلاف المواقف ليس تغريدا خارج السرب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٨/يونيو/٢٠١٦ ٠٥:١١ ص
اختلاف المواقف ليس تغريدا خارج السرب

فريد أحمد حسن

يمكن للأفراد أن يتقبلوا آراء ومواقف بعضهم البعض لو كانوا يؤمنون بما يعرف ب"ثقافة الاختلاف" والتي تعني كما عبر عنها بعض الكتاب "احترام كل وجهة نظر ورأي واختيار مخالف لآرائنا وأفكارنا واختياراتنا ، وسماعه ومناقشته في أجواء يسود فيها الاحترام والهدوء وسعة الصدر؛ وذلك بإفساح المجال لصاحبها للتعبير عنها وشرحها ؛ فالاختلاف رحمة وهو سبب أساسي لازدهار المجتمعات ، أما الخلاف فهو جوهر تحجّرها وتخلّفها" .
وإذا كان اختلاف الأفراد أمرا طبيعيا ولا مفر من تقبل كل فرد للآراء المختلفة عن آرائه ومواقفه والزوايا التي ينظر منها إلى مختلف القضايا ، وهو ما يوجب عليه الإيمان ب"ثقافة الاختلاف" ، فإن الأكيد هو أن الدول عليها أن تتحلى أيضا بهذه الثقافة فتؤمن بأنه كما أن من حقها أن تعتقد بأمور معينة ويكون لها مواقف معينة وتنظر إلى كل قضية من زاوية معينة فإن للدول الأخرى أيضا حق أن يكون لها مواقف وآراء مختلفة عن غيرها ولا بد أن تجد الاحترام من قبل الجميع ، فثقافة الاختلاف تحتم على الدول مثلما تحتم على الأفراد أن تتقبل غيرها ولا تحرمها من أن يكون لها ما يجعلها تتميز عنها وتختلف ، خصوصا وأن الدول تظل مرتبطة باتفاقيات ومعاهدات لا تستطيع الإفلات منها ولا تستطيع تغيير مواقفها والتضحية بمصالحها لمجرد أن يقال إنها لم تخرج عن الإجماع أو وقفت الموقف المتوقع منها أن تقفه في قضية معينة ، في مرحلة معينة . فمواقف الدول وقناعاتها لا يمكن أن تتغير من أجل العيون والخواطر ولا يمكن أن تحكمها المجاملات .
لا يوجد دولة في العالم لا تسعى لمصالحها ، ولا توجد دولة يمكنها أن تفرط في تلك المصالح لأي سبب طالما أنها لا تتناقض مع المبادئ العامة والأخلاق وطالما أنها تعلم جيدا أن التمسك بها يخدم شعبها ويحقق جانبا من أهدافها ويعينها على الإسهام في الحياة والحضارة من منطلق قناعاتها .
باعث الحديث في هذا الأمر هو ما صار البعض يتحدث فيه عن مواقف سلطنة عمان التي يعتبرها بعيدة عن مواقف مجلس التعاون الذي تنتمي إليه ، ويتحدث أيضا عن مواقف دول أخرى تنتمي لمنظومة مجلس التعاون ، فهذا البعض يعتقد أن الانتماء لمجلس التعاون يعني أن تكون كل القرارات والمواقف واحدة ويعني أنه لا يحق لأي دولة من دول المجلس أن يكون لها موقفا مغايرا ، وهذا أمر يستوجب تصحيحه ، حيث انتماء دول الخليج العربي الستة لمجلس التعاون لا يعني حرمانها من حقها في اتخاذ مواقف خاصة بها تعبر عن قناعاتها هي دون غيرها ، كما أن هذه المواقف المختلفة لا تعني تمردها على مجلس التعاون أو تغريدها خارج السرب .
بالعودة إلى النظام الأساسي للمجلس الذي تأسس قبل نحو أربعة عقود يتبين أن الوحدة فيما بين الدول الخليجية الست غاية ، وطالما أن هذه الغاية لم تتحقق بعد فإن الطبيعي هو أن تكون مواقف هذه الدول مختلفة إزاء كثير من القضايا ، بل أنه حتى في حالة الوحدة يمكن لكل دولة أن يكون لها مواقف وآراء مختلفة ، وهذا هو الأمر الطبيعي .
دول مجلس التعاون ليست حديثة ولكنها ممتدة في التاريخ ، وبالتالي فإن كل دولة منها تظل محكومة بأمور تختلف عن تلك التي تحكم الدول الأخرى المنتمية للمجلس ، ولهذا فإن من الطبيعي أن يكون لها مواقف وآراء مختلفة إزاء كثير من القضايا .
هذا أمر صار ينبغي توضيحه للعامة ولغيرهم من الذين يعتقدون أن اختلاف المواقف بين دول المجلس في قضايا معينة يعني وجود خلاف فيما بينها ، فعندما تتخذ سلطنة عمان على سبيل المثال موقفا من الحرب وتقرر عدم المشاركة في حرب اليمن أو سوريا أو العراق أو ليبيا أو لبنان أو غيرها من الحروب فهذا لا يعني أنها تقف ضد دول مجلس التعاون ، تماما مثلما أنه لا يعني أن دول مجلس التعاون تقف ضد السلطنة . كل ما هناك هو أن سلطنة عمان اتخذت القرار الذي يعبر عنها ويرضيها وتجد أنه هو الصواب ، وكل ما هناك هو أن الدول الأخرى بمجلس التعاون رأت أن هذا القرار يخص السلطنة فاحترمته ، فلم يتأثر المجلس ولم تتأثر علاقة السلطنة به ولا علاقة دول المجلس بالسلطنة . وعلى هذا يمكن قياس مختلف المواقف للسلطنة ولكل دولة من دول مجلس التعاون ، خصوصا وأنها كلها مهتمة بهذا الكيان وحريصة على استمراره ، فمجلس التعاون أساسه الأمن ولا يوجد موقف لأي دولة من دوله يؤثر على أمن دول المجلس الأخرى أو على المنظومة بأكملها .
من حق سلطنة عمان وقطر والبحرين والسعودية والكويت والإمارات أن يكون لكل منها رأيها وموقفها إزاء كل قضية وكل تطور تشهده المنطقة وكل جديد ، متوقع أو غير متوقع ، فهذه من الأمور التي يتيحها هذا النوع من المجالس التي هي للتعاون وإن كانت تأمل أن تصل إلى مرحلة الوحدة ذات يوم ، فاختلاف المواقف لا يعني وجود خلاف فيما بينها وإنما يعني اختلافا في تقدير الأمور وتأكيدا للمصالح .
الحقيقة التي ينبغي التأكيد عليها هي أنه لا يوجد لأي دولة من دول مجلس التعاون من الناحية العملية موقفا يمكن أن يؤدي إلى زعزعة هذه المنظومة ، وبالتالي فإن من الصعب القول إن هذه الدولة أو تلك تغرد خارج السرب .

· كاتب بحريني