عزاف رمضان قدسية الشهر وجمالياته..!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٧/يونيو/٢٠١٦ ٠٠:٣٦ ص
عزاف رمضان 
قدسية الشهر وجمالياته..!

عزيزة الحبسية
azizaalhabsi87@gmail.com

يمتاز شهر رمضان في عمان بهوية حضارية وسلوكية جديرة بالمشاهدة، تترجمها منظومة متكاملة من العادات والتقاليد التي تعطي صورة لتقديس العمانيين لهذا الشهر، وتأهبهم لاستقباله بممارسات ذات طابع تعبدي وسلوكي واجتماعي واقتصادي أيضاً. رمضان كحالة باختصار هو تغيرات بالجملة في مؤشر الانفاق، الحالة المزاجية، السلوك الاجتماعي، الجدول الزمني اليومي للصائمين وغيرها من السلوكيات التى تطبع شهر رمضان في عمان، ما يوفر عموما فرصة للوقوف على نموذج شعب يجمع بين التمسك بالشعائر المقدسة، والانفتاح على تيارات الراهن بمختلف تلاوينه.
وفي بلد يعرف بوزن تقاليده الحضارية وتعدد معطياته الثقافية، فإن رمضانيات عمان تدفع إلى السطح بممارسات وطقوس خاصة تصل حاضر البلاد بماضيها، كما لا تخلو من ممارسات دخيلة كنتاج لتطور الحالة الاجتماعية وانفتاحها على الحاضر بافاق متعددة حولها.
تعلن حالة استنفار قصوى داخل البيوت العمانية استعدادا لأجواء الصيام أياما قبل حلول الشهر الفضيل، وتمتلأ الاسواق بما تفرضه موائد رمضان وطقوس الصيام في جو قائظ ليتهافت الناس على الأسواق لقضاء حوائج رمضان التي تعبق بروائح لا تخطئها الأنوف. ومما يلفت الانتباه في التوجه الاقتصادي للمواطن العماني في هذا الشهر، أن الإنفاق الزائد لا يكون حكرا على طبقة بعينها، ذلك لأن الشرائح الضعيفة والميسورة تبذل وسعها لتجهيز موائد الإفطار والعشاء والسحور، وتكون نتيجة هذا التهافت على شراء المواد الغذائية ندرة بعض هذه المواد وارتفاع الأسعار، برغم جهود المراقبة التي تقوم بها الجهات المعنية، من جهة واستنزاف لمدخرات البيوت المتواضعة من جهة أخرى.
وتستقبل المساجد روادها في الأوقات الخمسة مع حرص الصائمين على صلاة الجماعة لتسطع أنوار المساجد في صلاة العشاء والتراويح بحيث تضيق بالمصلين. وأصبح من المعتاد أن تتراص صفوف طويلة ومزدحمة داخل المساجد لأداء الشعيرة، ليتفرق الجمع بعدئذ بين من يعود الى بيته ليعيش أجواء أسرية خاصة، ومن يقصد المقاهي التي تنتقل ذروة نشاطها الى الليل في سهر ممتد الى وقت ما قبل السحور، تتوالد حول جلساتها حوارات السياسة والرياضة وأحوال المجتمع أو تحتدم على رقعتها مباريات لعب الورق.
رمضان في عمان يكتسي أيضاً حلة مظهرية متميزة تحاكي روحانياته، إنه موسم تتألق فيه الأزياء التقليدية التي باتت علامة هوية وأيقونة تحيل على البلد وأهله، اذ تتجلى الدشداشة العمانية التى يتمسك بها الكبار والصغار ويتزيا بها الاطفال الصغا رمن الصائمين بخاصة في صلوات التراويح كما تتحلى النساء بالعباءة في هذا الشهر لتظهر بألوانها وتصميماتها المتنوعة التي واكبت العصر وانفتحت على العالم، جامعة بين الأصالة والاحتشام من جهة، وروح الموضة العصرية من جهة ثانية لتضطر محلات الخياطة في هذا الشهر الفضيل إلى زيادة ساعات العمل لتلبية طلبات الزبائن.
وبقدر ما تظهر اشكال التدين والالتزام بروحانية رمضان في هذا الشهر بعمان وتكتظ المساجد بزوارها وتكبر وتزداد مشاريع الخير والعطاء الإنفاق على الاسر المحتاجة والإسراع الى صلة الرحم والإطعام من خلال موائد الرحمن، التي باتت تشرف عليها جمعيات أهلية، فإنه في المقابل تظهر تناقضات وممارسات سلوكية غريبة لدى شرائح تعيش الصوم في النهار إذ يتكاثر نشاط مقاهي الشيشة وتهيئ بعض المقاهي سهرات لمشاهدة البرامج الترفيهية المختلفة ومتابعة التقارير حتى ساعة متأخرة من وقت السحور.