محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
يبدأ شهر رمضان اليوم، بمزاج مختلف، لكنه معتاد، مزاج محروم من الشاي والقهوة، والأحاديث الضاحكة التي نخلط فيها مقبلات وبهارات نرى أنها غير صالحة للاستخدام الآدمي.. ونحن صيام، مع أنها بذات الحساسية في غيره، إنما نفترض أن شهر الصوم، وحده دون كل الشهور، امتحان لمثاليتنا.. وقدرتنا على الصبر!
يقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون».. هذا الصبر، والمصابرة، والتقوى، منهج رباني لتحقيق الفلاح، في الدنيا والآخرة.
ولا أمضي في الجانب الديني أكثر من ذلك، كون هناك من هو أعرف مني، إنما أقترب من ممارسات حياتية نظنها مرتبطة بشهر واحد فقط، رغم أهميتها في تكوين شخصيتنا الإنسانية، لا الإسلامية، حيث لا تعارض بين أن يكون المرء إنساناً ومسلماً، فالمبادئ ذاتها، إن انتهجناها فلا يعني أننا نحقق بها تديننا، قدر ما نحتكم بها إلى الصراط المستقيم، أو درب النجاح في الحياتين، أولى فانية، وأخرى خالدة.
في صلاة الفجر كان المشهد يوحي بأنها صلاة الجمعة، لشدة الزحام، ذلك ليس سيئاً تماماً، ذلك يعني أن رمضان شهر العبادة، نطلق فيه النوم حتى شروق الشمس، من أجل أن نقف بين يدي الخالق متقربين إليه، متخلين عن الدنيا، وانشغالاتها، وتوافهها، ما وسعنا إلى ذلك سبيلاً.
في كل صلاة يتكرر المشهد، رائع، رغم أنه لا يبقى حتى نهاية الشهر، ولا يستمر بقية أيام السنة، إنما حسن أن نضيء أرواحنا بطاقة إيمانية تعيننا ولو قليلاً على لجم اندفاعاتنا المادية، ورفع الحصار عن أرواحنا، لتنهل من معين الإيمان، مهما بدا الزاد واهنا، والمحصلة أضعف من أن تفي حق المعبود، وشكره على نعمه.
علينا أن نجد الجديد في شهر يفترض ألا يكون استثنائياً فقط فيما يتعلق بمزاجنا اليومي المرتبط بالمنبهات وبقية العادات الغذائية، وساعات العمل الأقل، فوضع الذات أمام المحك الروحي غاية مهمة، فانشغالات المادية طغت على كثير من القيم الروحية حيث تغيب القناعة والرضا والتفكير الإيجابي، وغيرها، لتحل مكانها مجموعة من الأطر التي زحفت نحو سياجات حياتنا لتتساقط أمام مغريات فتت حتى علاقاتنا الاجتماعية، وأطاحت بمشاعرنا كثيراً أمام سطوة التعليب، حتى رسائل تهانينا بقدوم الشهر الفضيل لم نكتبها، ومعظم الرسائل التي تصلنا بالتهاني لم نقرأها!
حاجتنا الأكبر هي العودة إلى أنفسنا، أرواحنا، ذواتنا، إيماننا الداخلي، لنكتشف أي قدرة وهبنا الله عليها حين نتخفف من ماديات تثقل حركتنا، فهمنا للحياة، بعيداً عن عربات التسوق وفواتير الحياة وحسابات الظروف.
أشعر بأن الحياة تحتاج إلى فهم بسيط، لتبدو بسيطة، أن تنظر إلى من هم فوقك علماً، ومن دونك مالا، وأن توقن بأن الجديد يمكن للإنسان أن يصنعه، بإيمان داخلي، لا بمجرد أن يعلن ثبوت رؤية هلال شهر رمضان.. ولا ينتهي حينما يهل هلال.. العيد.