تراخي الألتزام الدولي تجاه الأمراض

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٦/يونيو/٢٠١٦ ٢٣:٤٦ م
تراخي الألتزام الدولي تجاه الأمراض

آن آرتس

بازل - معظمنا يعرف عن ارتفاع ضغط الدم - على الأقل ذلك ما نعتقد. و نفهم أن ارتفاع ضغط الدم بشكل غير طبيعي يضعنا في خطر أكثر من النوبات القلبية والسكتة الدماغية. و نعرف أيضا أن هذا المرض مرتبط بالنظام الغذائي ونمط الحياة، ويمكن علاجه بالأدوية الملائمة. لكن يقول الكثيرون إن ارتفاع ضغط الدم هو في المقام الأول مشكلة "الدول الغنية"، مما يعني أن الناس الأكثر تضررا منه يستفيدون من المعرفة والعلاج المناسب. وهذا ليس صحيحا على الإطلاق.
ويصيب ارتفاع ضغط الدم بشكل مذهل مليار شخص في جميع أنحاء العالم، ويٌسبب ما يقرب من عشرة ملايين حالة وفاة سنويا - ما يعادل الأمراض المعدية مجتمعة. وعلاوة على ذلك، فإن معظم حالات مرض ارتفاع ضغط الدم تقع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل (LMICs)، حيث يٌصاب الناس بهذا المرض في سن مبكر ويٌعانون بشكل أسوأ مما عليه الحال في البلدان ذات الدخل المرتفع. الناس عرضة للوفاة من مضاعفات ارتفاع ضغط الدم في غانا، ومنغوليا، وفيتنام أكثر منهم في بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن معدلات ارتفاع ضغط الدم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل هي بالفعل من أعلى المعدلات في العالم، ومن المحتمل استمرارها في الارتفاع بسرعة. وتعتبر أمراض القلب والأوعية الدموية - التي يٌسببها ارتفاع ضغط الدم عاملا خطيرا – وهو الآن أخطر مرض على الصعيد العالمي وهو السبب الرئيسي للوفاة في معظم البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
ومن السهل أن نستشف بعض أسباب انتشار ارتفاع ضغط الدم: زيادة متوسط العمر المتوقع يزيد من انتشار المرض في أوساط كبار السن، في حين تؤدي التنمية الاقتصادية والتمدن إلى انخفاض النشاط البدني وزيادة استهلاك الأغذية المصنعة، والكحول، والتبغ. ويبدو أن هناك أيضا عوامل أخرى لا تزال غير مفهومة تماما.
ما هو واضح هو أن الناس في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لا يدركون حقا أنهم مصابون بارتفاع ضغط الدم، نظرا لافتقار المرض للأعراض الواضحة. وحتى المصابون بارتفاع ضغط الدم قد لا يعرفون أنه مرتبط بالسكتة الدماغية وغيرها من الأمراض القلبية الوعائية. وهذا يجعل الخدمات الصحية أكثر صعوبة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي غالبا ما تتجلى في نقص الموارد، وتكون مجهزة فقط لتوفير الرعاية الحادة، ولمكافحة ارتفاع وفيات الأمهات والأطفال والأمراض المعدية – وليس لمعالجة ارتفاع ضغط الدم وغيرها من الأمراض غير المعدية.
ومع ذلك لم تتدخل الجهات المانحة الدولية لسد هذا الخصاص. وقد تم تخصيص أقل من 5٪ من مساعدات التنمية العالمية لمكافحة الأمراض غير المعدية في عام 2013.
في زيارتي الأخيرة إلى مستشفى في أكرا، غانا، رأيت عن كثب المعاناة والحزن الناجم عن ارتفاع ضغط الدم. عنابر المستشفى مملوءة بعشرات من المرضى الواهنين أو شباب في سن العمل الذين يتحملون المسؤولية عن أسر - يعانون من آثار السكتة الدماغية أو غيرها من مضاعفات ارتفاع ضغط الدم. وتوجد مشاهد مماثلة في جميع أنحاء البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
والنتيجة هي ليس فقط معاناة لا توصف للمرضى وأسرهم، ولكن أيضا تكاليف الرعاية الصحية المرتفعة وضعف الإنتاجية. وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن خسارة الناتج الاقتصادي الناتجة عن الأمراض غير المعدية، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم، ستبلغ ما يقرب من 7 تريليونات دولار بين 2011 و 2025.

ويكمن الحل لمعالجة هذه الأزمة في وضع آليات جديدة لتقديم الرعاية للمريض الذي ينبغي أن يكون محورا رئيسيا في العملية، ويمكن أن تكون المقاربة متكاملة ومندمجة على المدى الطويل في النظام الصحي والاقتصاد المحلي. الحل المحتمل بالنسبة لمؤسسة نوفارتيس (التي أرأسها) وشركائها، هو نقل المريض من المستشفيات – البعيدة والمزدحمة أحيانا– إلى المجتمع المحلي للحصول على الرعاية.
وابتداء من المنطقة الشرقية في غانا، يقوم برنامجنا المجتمعي لتحسين معالجة ارتفاع ضغط الدم (ComHIP) بتدريب الشركات المحلية والعاملين في مجال الرعاية الصحية لفحص ودعم مرضى ارتفاع ضغط الدم. وتستخدم أدوات الرعاية الصحية الرقمية لمساعدة الممرضات في صنع القرار؛ ولضمان اتصالات سلسة بين نقاط الفرز والعاملين في مجال الصحة المجتمعية والأطباء في مواقع الإحالة. كما يهدف البرنامج إلى تمكين المرضى من تحمل المزيد من المسؤولية في رعاية صحتهم.
والنموذج الجديد الثاني لمعالجة ارتفاع ضغط الدم، الذي عرضته مؤسسة نوفارتيس وشركاؤها في فيتنام، هو برنامج هوتشي مينه المجتمعي من أجل قلوب صحيحة، والذي يهدف إلى تحويل الفحص والعلاج للمجتمع من خلال المشاريع الاجتماعية. كما هو الحال مع ComHIP، تمكن التكنولوجيا الصحية الرقمية المرضى من الرعاية الذاتية وتوطيد الاتصال بين المريض والطاقم الطبي.
وما هو مطلوب الآن هو اختبار هذه الأساليب المبتكرة لتقديم الرعاية الصحية، وبناء دليل حول فعاليتها، واستخلاص الدروس من أجل مبادرات أخرى. ونأمل صقل هذه النماذج حتى نوفر التغطية على المستوى الوطني، ونعالج ليس ارتفاع ضغط الدم فقط ، ولكن أيضا الأمراض غير المعدية الأخرى. ونحن الآن بصدد التخطيط للعمل مع الشركاء المحليين والدوليين على التكيف مع النماذج الناجحة لتكون بمثابة أساس لبرامج في بلدان أخرى، مع التركيز على المناطق الحضرية.
وفي الشهر الفائت، ذكرنا اليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم أن هذا المرض يٌعد ، في الواقع، مشكلة يعاني منها العالم بأسره. ومثل أي مشكلة عالمية، فإنها تتطلب حلا عالميا. على وجه التحديد، على الجهات الدولية الفاعلة التعاون مع المجتمعات المحلية لبناء نماذج جديدة تٌطبق حتى في الأماكن الصعبة أو ذات الموارد القليلة. عند ذلك فقط يمكننا معالجة الأمراض غير المعدية بنجاح.

رئيسة مؤسسة نوفارتيس.