باكستان: الجبهة الأمامية للصين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٦/يونيو/٢٠١٦ ٠٠:٢٢ ص
باكستان: الجبهة الأمامية للصين

براهما تشيلاني

الصين دولة كبيرة وقوية، لكن ليس لديها أصدقاء كثيرون. في الواقع، وبما أنها انضمت مؤخرا للولايات المتحدة لتطبيق عقوبات دولية جديدة على كوريا الشمالية، الدولة التي كانت تابعة لها، فقد بقى للصين حليف حقيقي واحد فقط: باكستان. ولكن نظرا لمدى استغلال الصين لجارتها الصغيرة - ناهيك عن الفوائد التي تجنيها من جيرانها الآخرين - يبدو أن القادة الصينيين راضون عن الوضع بشكل كبير.
وأعلن وزير الخارجية الصينى وانغ يى أن الصين وباكستان "صديقتان وقريبتان جدا،" وذلك بسبب الروابط الجغرافية. وصرحت الحكومة الصينية أيضا أن باكستان" تعتبر دولة صديقة لا غنى عنها في جميع الأحوال." وكثيرا ما يفتخر البَلدان "بالأخوة الحديدية التي تربطهما." وفي عام 2010، كتب رئيس الوزراء الباكستاني سيد يوسف رضا جيلاني في ذلك الوقت شعرا حول هذه العلاقة، واصفا إياها بأنها "أطول من الجبال وأعمق من المحيطات، وأقوى من الفولاذ، وأحلى من العسل".
لكن في الواقع، لدى الصين الغنية القليل من القواسم المشتركة مع باكستان التي تعتمد على المساعدات، بصرف النظر عن أن كلاهما دولتان غير مقتنعتان بالحدود القائمة مع البلدان المجاورة. لكنهما رغم ذلك، لهما مصلحة مشتركة في احتواء الهند. وبالتأكيد احتمال نشوب حرب على جبهتين سيٌقوي هذا الاٍهتمام ، ولاسيما إذا دخلت الهند في صراع مع أحد البلدين.
بالنسبة للصين، ما يحفزها على التعاون مع باكستان هو قدرتها على التعامل مع البلاد كزبون ، بدلا من شريك فعلي. في الواقع، تعامل الصين باكستان كحقل للتجارب ، تبيع لها أسلحة لا يستعملها الجيش الصيني ومفاعلات نووية قديمة أو غير مٌجربة. وتقوم باكستان حاليا بإنشاء مفاعلات AC-1000 - بناءا على نموذج اقتبسته الصين من التصاميم الفرنسية، لكنها لا تتوفر على منشأة عسكرية بعد - بالقرب من مدينة كراتشي الجنوبية.
لكن الصين لا تحتاج أن يكون "شقيقها" المفترض قويا ومستقرا. على العكس من ذلك، استفادت الصين من تصاعد التطرف الجهادي في باكستان، إذ استغلتها كذريعة مثالية لتعزيز مصالحها الإستراتيجية داخل حدود جارتها. بالفعل، نشرت الصين آلاف الجنود في الجزء الباكستاني من كشمير، وذلك بهدف تحويل باكستان إلى ممر بري إلى الخليج العربي والمحيط الهندي. وكما أوضح تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية صدر حديثا، من المحتمل أن تستضيف باكستان - "الزبون الرئيسي للصين بالنسبة للأسلحة التقليدية" - المركز البحري الصيني الذي يعزز قوتها في منطقة المحيط الهندي.
وهذا ليس كل شيء. فقد أسفرت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأولى لباكستان العام الفائت عن عقد اتفاق لبناء "ممر اقتصادي" بمبلغ 46 بليون دولار يمتد من منطقة شينجيانغ المضطربة في الصين اٍلى ميناء جوادر الذي قامت الصين ببنائه (وهي المسؤولة عن اٍدارته) في باكستان. ويتكون هذا الممر من سلسلة من مشاريع البنية الأساسية، وسيكون بمثابة حلقة وصل بين "طٌرق الحرير" البحرية والبرية التي تقوم الصين بإنشائها حاليا. وسوف تختصر طريق الصين إلى الشرق الأوسط بمسافة 12000 كيلومترا (7456 ميلا)، لكي تصل الصين إلى المحيط الهندي، حيث ستصبح قادرة على تحدي الحدود البحرية الخاصة بالهند.
كما وقع الرئيس شي عدة صفقات تخص مشاريع الطاقة الجديدة، بما في ذلك 1.4 بليون دولار خاص بمشروع بناء سد كاروت، أول مشروع يتم تمويله من قبل صندوق "طريق الحرير" في الصين الذي يبلغ مجمله 40 بليون دولار. وستكون جميع مشاريع الطاقة في ملكية الصين، مع التزام الحكومة الباكستانية بشراء الكهرباء من الصين بمعدل محدد مسبقا. وبهذا تعززت مكانة باكستان كشريك اقتصادي وأمني للصين، الشيء الذي يمنعها في النهاية من اقتداء ميانمار وسري لانكا أو اتباع مسار غير صيني.
ومن المؤكد أن هذه العلاقة تجلب فوائد ضخمة لباكستان. فقد قدمت الصين مساعدات هامة في بناء ترسانة من الأسلحة النووية في باكستان ، وذلك عن طريق الحد من احتمال فرض عقوبات أمريكية أو انتقام هندي. ولا تزال الصين تقدم المساعدة النووية السرية والصواريخ لباكستان، والتي تنعكس في نقل قاذفة لشاهين-3 مؤخرا ، وأيضا الصواريخ البالستية ذات قدرة نووية تصل إلى 2750 كيلومترا.
وبصراحة، تقدم الصين لباكستان الضمانات الأمنية والحماية السياسية، وخاصة التغطية الدبلوماسية في الأمم المتحدة. فعلى سبيل المثال، رفضت الصين مؤخرا قرار الأمم المتحدة لمناهضة مسعود أزهر، الرئيس الباكستاني للجماعة المتطرفة جيش محمد، والتي تدعمها الاستخبارات الباكستانية، والتي نفذت عدة هجمات إرهابية على أهداف هندية، بما في ذلك قاعدة باثانكوت الجوية في مطلع هذا العام. وقال سرتاج عزيز، مستشار السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الباكستاني الشهر الفائت إن الصين ساعدت باكستان لمنع محاولة الهند، التي تدعمها الولايات المتحدة، من الحصول على عضوية مجموعة المٌزودين النوويين، وهي جمعية لمراقبة الصادرات.
واعترافا بالجميل، منحت باكستان الصين الحقوق الحصرية لتشغيل ميناء جوادر على مدى السنوات الأربعين المقبلة. كما أنشأت فرقة من الجيش تتكون من 13.000 من القوات الجديدة لحماية الممر الاٍقتصادي الناشئ. وقد نشرت عددا من قوات الشرطة لحماية المواطنين الصينيين ومواقع البناء من المسلحين القَبَليين والمقاتلين الإسلاميين.
لكن هذا لا يعني أن الصين تعتمد كليا على قوات الأمن الباكستانية. فقد تمركزت القوات الصينية الخاصة في الجزء الباكستاني من كشمير لسنوات، بدعوى حماية المشاريع الإستراتيجية الجارية هناك، وهذا ينم عن عدم ثقتها في الترتيبات الأمنية الباكستانية - وتشير إلى أن الصين ستواصل توسيع وجودها العسكري في باكستان.
غير أن السلوك الباكستاني يشير أنها الآن سعيدة باتفاقياتها مع الصين - وهو شعور يَتعزز، ربما عن غير وعي، من خلال مليارات الدولارات من المساعدات التي تتلقاها سنويا من الولايات المتحدة. كما تواصل الصين شق طريقها نحو الاقتصاد والسياسة الباكستانية ، وهذا الشعور بالرضا ربما سيتلاشى مستقبلا. ولكن عند حدوث ذلك، سيكون قد فات الأوان لتغيير المسار.

أستاذ الدراسات الاستراتيجية في نيودلهي لأبحاث السياسات