باريس _ هدى الزين
المهندس الفرنسي كلود كوفيني هو مؤسس محمية الفراشات أو بيت الفراشات في جزيرة فرنسية يعيش فيها، ومن خلال افتتانه بالفراشات التي الهمت بسحرها والوانها الشعراء والكتاب، ومن أجل أن يحقق مغامرته العبثية التي وصفها اصدقائه بالجنونية ترك مهنته ليتفرغ لانشاء محمية للفراشات وجمعها من كل انحاء العالم في جزيرة تقع في غرب فرنسا.
فكرة المحمية جاءت لتؤكد العلاقة بين الفراشة والانسان منذ قديم الازمان، وعشق الانسان للفراشة بألوانها ورشاقتها وجمال طيرانها بين الزهور والاشجار والتي تؤكد حضورها في الحياة منذ خمسين مليون سنة، كما اظهرتها الاكتشافات المدنية للفراشات المتحجرة داخل الصخور القديمة والتي تقدر اعمارها بالاف السنين. بداية المشروع الحلم لم تكن سهلة عند المهندس كوفيني والتي لاقت فكرتها الاستهجان والسخرية من قبل الاصدقاء والعائلة، خصوصا وانه ضحى بعمله الأصلي كمهندس ديكور داخلي ناجح ليتفرغ لهذا المشروع برعاية ودعم من زوجته الشي الذي كان له الاثر الكبير في ولادة محميته الفريدة للفراشات والتي يرتادها اليوم الاف الزوار والباحثين والاطفال.
الاف الفراشات النادرة من انحاء العالم
واستورد كلود كوفيني الاف الفراشات النادرة من مختلف انحاء العالم وخاصة الفراشات التي تعيش في الغابات المدارية التي تكثر بها الامطار مثل البيرو واندونيسيا وفنزويلا وغابات الامازون التي تعتبر أكبر المناطق بتكاثر الفراشات من مختلف الانواع، حيث تعيش الفراشات في كل دول العالم ويقدر عدد انواعها بعشرين الف نوع ويتكاثر معظمها في الغابات المدارية.
وتجمع محمية الفراشات الفرنسية من 700 الى الف نوع من الفراشات الجميلة التي تمثل ستين صنفا في العالم وهناك فراشات نادرة، ومنها فراشات تعيش في النهار واخرى تطير بالليل.
ولان الفراشة حشرة جميلة وكائن ذو طبيعة بيولوجية معقدة ومخلوق بالغ الرقة فهي ليس لها قلب ولا اوردة ولا شرايين وارتعاشة الفراشة هي نبض القلب عند الكائنات الاخرى، لذلك حياتها قصيرة وعمرها حوالي اسبوع واحد أو اسبوعين، لذلك يضطر كلود كوفيني إلى استيراد يرقاتها وبويضاتها كل اسبوع وبشكل دائم من مدغشقر وتايلاند وكوستاريكا حيث تعلق اليرقات على أوراق الاشجار لتكمل فترة نموها التي تستغرق قراية الاسبوعين او اكثر.
واليوم تعتبر محمية جزيرة نوار مونتيه المكان المفضل للزوار من عشاق الفراشات ومركزا لدراسة انواع الفراشات وحياتها من قبل المتخصصين وكذلك تعتبر عامل جذب لهواة التصوير الفوتوغرافي الذين يلتقطون صورا ومشاهد غير مألوفة لمخلوقات جميلة تحلق بألوانها الزاهية في الحدائق وبين الزهور لتشكل لوحة متكاملة للجمال الطبيعي ومقدمة للانسان درسا في حب الطبيعة واكتشاف أسرارها وجمالها.
دراسة علمية
وكشف متحف الطبيعيات مؤخرا عن خمس دراسات علمية حول الفراشات ودورها في التنوع الحيوي والمخاطر المحدقة بها، انطلاقا من معلومات جمعها قرابة عشرة آلاف مواطن في إطار تجربة أطلقها المتحف عام 2006.
وقد طلب المتحف من هؤلاء المواطنين مدهم بانتظام بمعلومات عن خاصيات الفراشات التي تزور حدائقهم وعن سلوكياتها لدراستها بشكل دقيق من قبل باحثين متخصصين في مساهمة الحشرات في التنوع الحيوي.
وخلاصة هذه الجهود التي بذلها المواطنون الفرنسيون وصاغها الباحثون في خمس دراسات من أهمها ما يتعلق بالمخاطر المحدقة بالفراشات وبجهودها الرامية إلى التكيف مع بعض هذه المخاطر ومن أهمها التغيرات المناخية القصوى والاستفادة من هذه الاستنتاجات في فرنسا وخارج فرنسا لتطوير آلية الحفاظ على التنوع الحيوي ومساهمة المواطنين العاديين فيها وهذه الدراسات التي أرسلها عشرة آلاف مواطن إلى متحف الطبيعيات حول قرابة مليون ونصف مليون فراشة تمت مراقبتها في الحدائق طيلة عشر سنوات، واظهرت خطورة استخدام المبيدات الكيميائية في هذه الحدائق وفي الحقول المجاورة على حياة الفراشات.
ويدعم هذا الاستنتاج ما توصلت إليه دراسة أخرى أجريت على مستوى دول الاتحاد الأوروبي كلها وخلصت إلى أن الفراشات التي كانت ترتاد الحقول قبل عشرين عاما بشكل منتظم انخفض عددها إلى النصف اليوم.
كما ان النباتات الموجودة في الحدائق الفرنسية على امتداد فصول السنة التي تجلب إليها الفراشات حتى خارج فصلي الربيع والصيف، فإنها قد لا تصلح كلها حسب إحدى الدراسات الخمس لمساعدة الفراشات على التكاثر بشكل طبيعي، لأن يرقات الفراشات لا تجد غذاء كافيا في عدد من هذه النباتات وبالتالي فإنها تنفق قبل أن تصبح فراشات كاملة.
ومما شد انتباه دارسي المعلومات التي أرسلها المواطنون الفرنسيون عن سلوكيات فراشات حدائقهم طوال عشر سنوات أن الفراشة تسعى إلى مواجهة الظواهر المناخية القصوى من خلال الهجرة بحثا عن الغذاء حيث تنتقل من المغرب باتجاه الشمال عبر مضيق جبل طارق.
وهي تنتقل إلى المناطق الساحلية البرتغالية الواقعة على المحيط الأطلسي باتجاه إسبانيا ثم تواصل طريقها باتجاه مناطق فرنسا الواقعة على ضفاف المحيط الأطلسي الغربية، وتصل إلى جزر تابعة لبريطانيا العظمى.