الفنان العماني وشركات الإنتاج.. بين سندان الفن ومطرقة الدعم المالي

مزاج الأحد ٠٥/يونيو/٢٠١٦ ٠١:١٩ ص
الفنان العماني وشركات الإنتاج.. بين سندان الفن ومطرقة الدعم المالي

مسقط سعيد الهنداسي

الفنان العماني وشركة الإنتاج الفنية الخاصة بتسجيل وإنتاج الأعمال الغنائية هو موضوع حديثنا اليوم في هذا التحقيق الصحفي الذي سنسلط فيه الضوء على حكاية الكثير من الفنانين العمانيين الذين يملكون الحس الفني والموهبة الجديرة بالظهور والانتشار، فهل هناك حلقة مفقودة بين الاثنين ومن عليه المبادرة أولا الفنان الموهوب أم شركة الانتاج، وهل سوق الفن في السلطنة يساعد هذه الشركات على تحمل تكاليف صناعة فنان عماني؟
كل هذه الأسئلة وغيرها حاولنا طرحها على اصحاب شركات الانتاج والفنانين الشباب.

بداية رائعة
البداية كانت مع صاحب مؤسسة الذكريات للإنتاج الفني الشيخ حمد بن عبدالله بن صخر العامري الذي بدأ حديثه عن تجربته الفنية مع شركات الإنتاج قائلا: إن التجربة مع مؤسسة الذكريات ولدت ببداية التسعينيات ومؤسسها والدي المرحوم عبدالله بن صخر العامري، فكانت باكورة إصداراتها شريط كاسيت للفنان القدير عبدالله الشرقاوي عنوانه ( بعد النظر)، واستمرت عجلة التطور وكانت بتلك الفترة غزارة في الإنتاج، حيث أنتجت مؤسسة الذكريات مجموعة لا بأس بها من أشرطة الكاسيت لمجموعة من الفنانين على سبيل المثال الفنان المرحوم سالم اليعقوبي والفنان ومبارك العسيري والفنان سالم على سعيد والفنانة زكية و الفنان أمجد حبريش والفنان محسن الفقيه والفنان سالم العريمي والفنان المرحوم أحمد راضي وغيرهم. كذلك إكتشقت العديد من المواهب الفنية وهم الآن نجوم ساطعة في سماء الأغنية العمانية ويشار لهم بالبنان.

تجربة جميلة وشاقة
ويواصل الشيخ حمد العامري حديثه: التجربة طويلة وجميلة وبنفس الوقت شاقة رغم أن هناك بعض التحديات إلا أنها شيقة وأهم ما يميزها ( الموسيقى ) المعبر الرئيسي عن ما تكنه النفس من مشاعر، وبمواكبة التطور بالأجهزة أيضا هناك تطور بالأعمال التي قد نفذتها حيث أن من يستمع إلى الأعمال التي قد أنتجتها حديثا سيتلذذ حتما الإبداع و الحرفية العالية والصورة الموسيقية المختلفة، أيضا من ناحية التطور في هذا المجال أضفنا إلى الأستوديو الصوتي للمؤسسة أستوديو مرئي وقمنا بتصوير عدد كبير من الأعمال لمؤسسات حكومية وخاصة.

تحديات ومصاعب
وعن التحديات يضيف العامري قائلا: هناك تحديات كبيرة ومن الصعب حصرها بنقاط بسيطة ولكن بهذه العجالة سأذكر بعض منها أو بصورة أدق سأذكر أهمها: إنتشار مؤسسات الإنتاج الوهمية التي لا مقر لها والأغرب من ذلك أن بعض الجهات الحكومية والخاصة تسند لها أعمال، وبعض الجهات الحكومية والخاصة وكذلك الفنانين يذهبون خارج البلد لتنفيذ أعمالهم سعيا وراء الجودة ـ حسب معتقدهم ـ بالرغم من أنهم لو فكروا فيها بدقة وشمولية ونفذوا أعمالهم داخل البلد لحصدوا الجودة ووفروا الجهد والوقت والمال، كما ان بعض الجهات الحكومية والخاصة تسند أعمالها الفنية للأفراد وأقصد هنا للملحنين أو الكتاب أو المطربين لتنفيذ تلك الأعمال وهنا ضاعت الاحترافية مما يفترض بأن تسند لجهة معتمدة من قبل جهة رسمية حكومية لها كيانها القانوني في البلد والتي بدورها تقوم بتشغيل كل الطاقم الفني من شاعر وملحن وموزع ومطرب وعازف وهذا ما هو معمول به خارج البلد، كما يغفل بعض المسؤولين في الجهات الحكومية اللوائح والقانونية الشرائية حيث من الملاحظ إسناد أعمال فنية لأشخاص هم ينتمون لنفس الجهة، وهذا يتنافى مع تلك اللوائح.

شراكة حقيقية
وحول إمكانية إيجاد شراكة حقيقية بين الفنان وشركات الإنتاج والجهات الحكومية يضيف الشيخ حمد العامري قائلا: هذا السؤال عميق جداً وأتصور من الصعب جداً تحقيقه أو الإجابة عليه في هذا الوقت بالذات لأنه لا توجد مظلة واحدة تجمع الفنان ومؤسسات الإنتاج، ولكن باعتقادي عندما تكون هناك نقابة أو جمعية للفنان العماني تكون على ثوابت وأسس صحيحة وقوية وقتها يمكن ان يُجاب هذا السؤال، أما غير ذلك فمن الصعب جداً وليس مستحيل أن يتم تسويق الفنان العماني خارجيا إلا إذا أجتهد وعمل لنفسه بعلاقاته ومعارفه الخارجية. وهناك أمثلة واقعية ولله الحمد تكللت جهودهم بالنجاح وادعوا الله لهم التوفيق والاستمرارية.

دعم داخلي أولا
وعن أهمية الدعم للفنان قال العامري :أتصور انه يجب أن يتم دعم الفنان داخليا قبل دعمه خارجيا بتكثيف مشاركته بالمسابقات والفعاليات المحلية وإظهاره بالصورة اللائقة المشرفة للبلد وتثقيفه وتوجيهه ليخلق لنفسه شخصية ينفرد بها عن أقرانه. كذلك إعطائه الأجر الجيد الذي يستحقه أسوة بالذين نستضيفهم لمشاركتنا احتفالاتنا. ولا يفوتني هنا أن أتطرق إلى نقطة مهمة وهي أنه حان الوقت لمشاركة القطاع الخاص للترويج عن البلد من الناحية السياحية ليتحمل جزء من المهمة من خلال الاحتفالات والمهرجانات الغنائية التنشيطية السياحية لكونها أحد ركائز الترويج السياحي للبلد على أن تذلل كل التحديات من أنظمة وقوانين وذلك بالتنسيق وبدعم من وزارة السياحة الموقرة.

كما التقينا بالملحن وصاحب مؤسسة "أوال" للإنتاج الفني عمار آل ابراهيم الذي تحدث عن بداياته الإنتاجية حتى تم تأسيس شركته الخاصة قائلا: بدأت مع شركة "أوال" منذ عام 2002 والبداية استوديو بسيط وكان الهدف من شركة إنتاج هو تنفيذ وانتاج أعمال فنية لنا كشباب نحب هذا الفن، وتبقى الشركة بالنسبة لي كواجهة مع الجهات الاخرى لإنتاج أعمال فنية بطريقة قانونية وسليمة وهناك الكثير من شركات الإنتاج وهي غير معروفة.

معاناة بالفعل
وحول الصعوبات التي واجهت الشركة في البدايات تحديدا يشير عمار آل ابراهيم: أبرزها هي الإجراءات الخاصة بالإشهار والتي هي معاناة بحد ذاتها ويجب عليك ان تتواصل مع اكثر من جهة حكومية حتى تنتهي من هذه الإجراءات ويجب أن يكون لديك سجل تجاري، ثانيا هناك رسوم سنوية يتم دفعها لوزارة التراث مقداره 100 ريال والمشكلة ليس في هذا المبلغ البسيط بل تكمن الإشكالية انك في حالة تأخرك يوم واحد فقط عن تاريخ الانتهاء يتم إلغاء النشاط بالكامل وتقوم بإعادة إجراءات الإشهار من جديد وتدفع 500 ريال فلماذا لا يتم وضع غرامة عن التأخير ولا يكون العقاب بإلغاء النشاط بالكامل، كما انك عندما تقوم بتنفيذ أعمال فنية مع جهات حكومية يتم إعطاءك مبالغ على دفعات متأخرة وأنت هنا بحاجة لإنتاج العمل وتكون مرتبط مع جهات وأفراد حتى تقوم بتسليم العمل في الموعد المحدد وعندما تسلمه تبقى لك مبالغ متأخرة لا تستلمها بمجرد الانتهاء من العمل رسميا وهنا أنت تكون بين نارين إما ان تنفذ العمل من مالك الخاص وتتحمل تبعاته او تتوقف عن العمل بشكل تام.

الربح مطلب
وحول عتب الفنانين من شركات الإنتاج وعدم دعمها ومساندتها للفنان الشاب يعلق عمار آل ابراهيم على هذا العتب بقوله: بالنسبة لي كشركة إنتاج عندما افتتحت الشركة كان الهدف من ذلك الربح وليس الخسارة لاننا في هذا الوقت عندما أنتج عمل لفنان ما المردود المالي للشركة من هذا الفنان، ولكن بالإمكان مساعدة الفنان الشاب من خلال التخفيض له في سعر الأستوديو وأشياء أخرى ولكن لا أنتج له عملا مجانيا، وحاليا كل فنان ينفذ عمل يقوم بتنزيله عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولا يمر على شركات الإنتاج.

شراكة ممكنة
وحول إمكانية إيجاد شراكة بين الفنان العماني وشركات الإنتاج والجهات الحكومية المعنية بالفن والأغنية العمانية ينهي عمار آل ابراهيم حديثه: هذا الامر ممكن تحقيقه عندما يصبح لشركات الإنتاج مدخول وربح من هذه الشراكة، وفي النهاية الشركة تنتظر عائد مادي، والخطوة الأولى تأتي من الفنان ويجب أن يسعى ويمول نفسه لعمل أغنية متكاملة من تسجيل وتسويق وتصوير ليبدأ بالانتشار ويجب على الفنان في كل عام ان يقدم عملا غنائيا على الأقل ولا يبتعد عن الساحة حتى يكون لديه استمرارية وخاصة للجيل الجديد، كما يجب ان تكون هناك جهة حاضنة لشركات الإنتاج بعيدا عن وزارة التراث والثقافة لان كل ما يربطها معها هي الرسوم السنوية لا أكثر.

حلم صعب
بدوره تحدث الملحن وصاحب مؤسسة نوتة للإنتاج الفني كامل البلوشي عن تجربته مع شركات الإنتاج والتي كانت عبارة عن حلم صعب تحقيقه في بداية الامر، يضيف البلوشي: بين كل فترة وأخرى أراجع حساباتي إلى أن جاءت اللحظة التي اجتمعت فيها مع اعز صديقين لي شخصيا وهما هيثم البلوشي وعاصم الرئيسي وأصبحت اشعر بوجود سند لي وداعم حقيقي وأخذت منهم الحماس والدافعية وبدأنا بالخطوات الأولى من اجل ظهور الشركة الفنية وأسميناها "نوته" تيمنا وعشقا بالفن والغناء وبالنوتة الموسيقية التي تصاحب كل عمل غنائي مدروس وبصورة احترافية راقية.

المادة والدعم
وحول الصعوبات التي تواجهه كفنان بالدرجة الأولى وبعد ذلك أصبح يملك شركة إنتاج فني يواصل كامل البلوشي حديثه: بالنسبة للصعوبات يأتي الدعم المادي في الدرجة الأولى لأنك منذ ان تتخذ قرارا بان يكون لك شركة إنتاج فني فهي خطوة جريئة وكبيرة في الوقت نفسه ويجب أن يكون لديك رأس مال جيد لأنك بحاجة الى استوديو متكامل وأجهزة متخصصة للعمل الفني.

كاريزما خاصة
ويختتم كامل البلوشي حديثه حول الطريقة التي يمكن من خلالها إيجاد شراكة حقيقية بين الفنان الموهوب وشركات الإنتاج الخاصة والجهات الحكمية المعنية بالفنون من أجل إنتاج عمل غنائي وصناعة فنان مستقبلا وتسويقه خارجيا: من وجهة نظري يجب اختيار الفنان الذي يملك كاريزما خاصة ويحمل صفات الفنان الحقيقي ويملك ثقافة فنية كما يجب اختيار الأغنية بكافة عناصرها من كلمات والحان وتوزيع.

حجر عثرة
من جهته قال الشاعر الغنائي جمعه الحديدي: من خلال تجربتي مع الفنانين العمانيين في مجال النص الغنائي وترددي كثيرا على بعض شركات الإنتاج في أوقات تسجيل هذه الأعمال لمست اهتماما ملفتا وتعاونا غير محدود من قبل تلك الشركات ومنها شركة الذكريات. بيد أن قلة الدعم وندرة الأعمال أجده يقف حجر عثرة أمام هذا الشركات للقيام بدورها المنشود، وكما تعلمون أن كلفة إنتاج الأعمال الغنائية ليست بالشيء القليل، كما ان هذه الشركات هي شركات ربحيه، وتدفع الكثير من الأموال ومن هذا المنطلق فهي لا بد أن تستغل كل المتاح من أجل الحصول على الإرباح.

إعطاء أولوية
وحول تفعيل دور شركات الإنتاج يضيف الحديدي: على الجهات الحكومية أن تعطي هذه الشركات الأولوية لها في إنتاج أعمالها سواء منها الوطنية أو الدعائية والتطويرية. وحث الشركات على انتهاج نفس هذا النهج وخاصة أن لدى بعض شركات الإنتاج مجال التصوير والتسجيل معا ولديها علاقات خارجية ممتازة في سبيل إخراج هذه الأعمال بأفضل الطرق الحديثة.
ثانيا مساندة الفنانين ماديا من أجل تسجيل أعمالهم في هذه الشركات لزيادة إنتاجها وبالتالي ربحيتها واستمراريتها.

شركات متعاونة
رئيس فرقة الشمال الحماسية ومؤسس الجمعية العمانية للفنون الشعبية محمد الغيثي تطرق أولا في حديثه عن شركات الإنتاج وقلتها في السلطنة قائلا: لدينا في السلطنة شركات قليله وبصراحه متعاونين معنا كفنانين واصحاب فرق حماسية لابعد الحدود، كما أنهم يقوموا بتسويق الأعمال الخاصة بنا وهم ايضا يعانون اليوم من التقنيات الحديثة عبر مواقع التواصل التي جعلت من شركات الإنتاج تخسر مبالغ طائلة بعد ان أصبح بإمكان الفنان القيام بالترويج والتوزيع لأعماله عبر مواقع التواصل وبشكل مجاني وبسهولة.

تسويق شخصي
ويضيف الغيثي : في عمان تشعر ان كل الفنانين يسوقون لأنفسهم بجهودهم لشخصية مع أن إمكانياتهم بسيطة، كما ان لعمان إرث ثقافي كبير وإلى الآن لم يستغل هذا الإرث بالشكل المناسب. وهنا يشير الغيثي الى قضية أخرى وهي استغلال فنانين من خارج عمان للفنون العمانية ونسبها لهم فيقول: في الوقت نفسه هناك أناس استغلت هذا الإرث من كلمات وألحان وسجلتها باسمها واشتهرت بها من خلال أعمال معروفة لفنانين معروفين للاسف الشديد وأهل البلد لم يستفيدوا منها، ومع كل التقدير لشركات الإنتاج نتمنى ان يكون هناك احتضان أكثر واهتمام أكبر بالفنان العماني وتسويقه داخليا وتقديم كل الدعم له.

-----------------------------------------------

غياب الشركات الداعمة
مسلم كيهود مطرب شاب في مركز عمان للموسيقى التقليدية التابع لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم بديوان البلاط السلطاني بدا حديثه بسؤال حول وجود شركات الإنتاج من الأساس في دعمها للفنان الشاب وخاصة في بداية طريقه الفني فقال: هل هناك شركات إنتاج في عمان تتبنى الفنانين الموهوبين الشباب أصحاب الأصوات و الإمكانيات الجيدة؟ للاسف لا توجد شركات إنتاج تأخذ بأيدي الفنانين لإبرازهم في الخارج، ويضيف كيهود: الفنان العماني حاليا كل ما وصل إليه من شهره وتسجيلات أغاني سواء بالموسيقى المباشرة أو الكيبورد فهو من اجتهاده الشخصي وعلى الجهات الحكومية النظر والاهتمام بالفنان العماني وان تجد له كل الوسائل المتاحة لإبرازه في الساحة الفنية على مستوى الخليج والوطن العربي.