هل نحن بحاجة إلى وزارة لتطوير التعليم؟ 8 من 9 ضرورة إيجاد نوع من "الغربلة" الجذرية للأسس والمنطلقات التي جرى تبنيها إلى الآن لتعليم اللغتين العربية والانجليزية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٩/يناير/٢٠١٦ ٠١:١٠ ص

مرتضى بن حسن بن علي
murtadha45@yahoo.com

لن يكتمل الحديث عن موضوع المناهج وطرائق تدريسها دون التطرق الى الضعف الذي يعانيه الكثيرون في مادة اللغة العربية من الطلبة الخريجين من التعليم العام، اضافة الى اهمية تعليم اللغة الانجليزية واسباب ذلك وبأحدث الاساليب المتوفرة.
على الرغم من ان مادة اللغة العربية تحظى بنصيب كبير في عدد من الحصص الدراسية اذا اخذنا بعين الاعتبار المواد العديدة التي تدرس مواضيعها ومضامينها باللغة العربية، مثل المواد المتعلقة بالدين والتاريخ والجغرافيا وغيرها من المواد، فان النتائج الملموسة لقدرات الكثيرين من الخريجين على القراءة والكتابة والتعبير والاستيعاب، وركاكة وضعهم في الصيغ اللغوية والاملائية، لافتة للنظر بشكل كبير، اذ تظل تلك القدرات بين الضعيفة الى اقل من المتوسطة، كما هو الحال في المواد الاخرى التي يجري تدريسها.
لا أظن أن اثنين يختلفان على ضرورة الاهتمام باللغة العربية وفنونها وادابها والتركيز عليها، ليس لكونها لغة القرآن الكريم والحديث الشريف فحسب، ولكن لكونها ايضا اللغة الوطنية واللغة الام التي ينمو من خلالها فكر الطفل وثقافته الاساسية، وتبقى المعيار الرئيسي لاستيعاب مخزونه الفكري والثقافي، كما انها تبقى – ايضا- لغة التعامل اليومي والتخاطب الحياتي.
قد يكون مناسبا جدا للوزارة المقترحة، في اعتقادي، اعطاء اهتمام خاص لهذا الموضوع ومعالجة القصور الموجود، ومعالجة هذه الظاهرة على مختلف المستويات والبحث الجاد عن كل الحلول الممكنة. وقد تكون هناك اسباب عديدة لهذه الظاهرة، منها الضعف في المعرفة العامة لدى الطلبة، او الضعف في تصميم المناهج الدراسية، او ان الكتب ينقصها عنصر التشويق والارتباط بواقع الطلبة، او الاعتماد على الطرق التقليدية في تدريس اللغة العربية، تلك التي تستهدف الحفظ والتكرار لقواعد النحو ثم الإعراب، باعتبارهما من ضوابط اللغة الاساسية نطقا وكتابة، وعدم تعويد الطلبة على اساليب التعبير والمخاطبة باعتبارهما وسيلتي التواصل والتفكير، وبوصفهما ايضا قاعدة اساسية لمهارات التذوق والابداع.
وعليه يبدو ان تعليم اللغة العربية يحتاج الى نوع من " الغربلة " الجذرية للاسسس والمنطلقات التي جرى تبنيها الى الان، سواء اكان ذلك على مستوى المناهج التعليمية، ام على مستوى طُرق التدريس، علما من أن بعض النظريات الحديثة تبتعد عن تعليم اللغات بوصفها علما وقواعد فحسب، وتتجه الى تعليم اللغات بوصفها مهارة واداة تواصل وطريقة تعبير وتذوق وممارسة يومية. كل ذلك يستوجب توسيع معارف الطالب وثقافته وخبراته العامة عن طريق المطالعة للكتب المختلفة ومنها الروايات العالمية الكلاسيكية المشهورة والصحف المتنوعة، ثم الطلب من الطالب تلخيص ما قرأه وابداء رأيه شفهيا وتحريريا، والاهتمام بالخطابة والمسرح المدرسي لتدريب الطلبة على ممارسة اللغة بطريقة سليمة.
اما بالنسبة للغة الانجليزية، فانها اصبحت ايضا مهمة جدا، واصبحت اللغة العالمية الاولى الاكثر انتشارا في العالم، كما اصبحت لغة العلوم والتكنولوجيا ولغة الاقتصاد والتجارة الالكترونية والطيران، واللغة الريئسية في التجمعات السياسية الدولية واللغة الرسمية لنحو 85% من المنظمات العالمية، ولغة التداول في المجال المصرفي والسياحي ولغة غالبية المراجع والمصطلحات والبحوث العلمية ولغة الشركات المتعددة الجنسيات والكمبيوتر حيث ان كما كبيرا من المادة الموجودة في الانترنيت هي باللغة الانجليزية، كما ان أعدادا متزايدة من الاشخاص في العالم يتعلمونها، اذ ان اغلب دول العالم ومنها الدول المتقدمة تدرس طلابها تلك اللغة، اضافة الى كل ذلك انها تساعدنا على التحاور مع الاخر والتعرف على ثقافته، وتكوين القدرة لدينا للرد على حملات التشويه التي نتعرض لها.
وطالما ان العرب ليسوا الان – مع الاسف الشديد- الرواد في مجال العلوم المختلفة، وطالما ان الاتجاه الحديث يسير نحو التعلم الذاتي، فيستحسن ان نسلح أبناءنا بسلاح يمكنهم من متابعة التعلم في جميع مجالات الحياة. وتزداد اهمية تعلم اللغة الانجليزية اذا علمنا ان معدلات نشر الكتاب العربي ما زالت شحيحة مع الاسف الشديد وان ما يطبع باللغة الانجليزية يساوي نحو 60% من مطبوعات الكتب في العالم اجمالا. وبحسب بعض الإحصائيات المتوفرة، لم يتجاوز معدل نشر الكتاب في العالم العربي ثلاثين عنوانا لكل مليون عربي مقابل المعدل العالمي العالمي الذي يبلغ 160 عنوانا لكل مليون، والعدد يزداد في الدول المتقدمة ليصل الى الالوف وقد يصل الى مئات الالوف من العناوين في مختلف المجالات.
والاهم من ذلك، وبحسب الارقام المنشورة، تتراوح اعداد النسخ المطبوعة في العالم العربي من عناوين الكتب، في المعدل بين الف وثلاثة الاف نسخة، بينما تبلغ في اوروبا وامريكا عشرات ومئات الالوف، الامر الذي يعكس مدى تدني صناعة الكتاب العربي ومدى تدني المعرفة عند العرب، علما ان اكثر الكتب العربية المطبوعة هي في مواضيع محددة معينة وتبقى في اكثريتها على الارفف المختلفة كجزء من الديكور المنزلي دون ان تقرأ، كما ان العناوين العربية من الكتب المطبوعة في اللغة العربية والتي تتعلق في العلوم البحتة والعلوم التطبيقية والفنون تبلغ نحو 8% فقط من مجموع الكتب المطبوعة وفي اكثريتها مترجمة من اللغة الانجليزية. كما ان الكتب التي تترجم الى اللغة العربية على امتداد العالم العربي تساوي عشرين في المائة من الكتب التي تترجم في دولة صغيرة واحدة مثل اليونان التي يقل عدد سكانها عن احد عشر مليون نسمة.
ويعد عدد الكتب التي ترجمت الى اللغة العربية من اللغات الاجنبية منذ زمن الخليفة العباسي المأمون والى وقتنا الحاضر، اقل من الكتب التي تترجم من اللغات الأجنبية الى اللغة الاسبانية في اسبانيا وحدها سنويا التي يقل عدد سكانها عن سبعة واربعين مليون نسمة.
وفي اعتقادي يستحسن ان نتوجه في سياساتنا التعليمية الجديدة الى تعليم اللغة الانجليزية من الروضة وباحدث الابتكارات العلمية المتوفرة لتعليم اللغات، قراءة وكتابة وتعبيرا دون التركيز كثيرا، في البداية على الاقل، على قواعد النحو. وفي اعتقادي ايضا انه من الصعوبة ان تستقيم اشياء عديدة في التعليم دون اتقان هذه اللغة.