ديفيد اجناتيوس
ملاحظة مهمة قدمها واو جون المعلق في تلفزيون هونج كونج مؤخرا أنه رغم تصريحات دونالد ترامب المعادية لبكين إلا أنه سيكون في الواقع أفضل رئيس يعمل لصالح الصين. وبالفعل فتولي ترامب الرئاسة قد يفتح الطريق أمام الهيمنة الاستراتيجية للصين في آسيا وفي أماكن أخرى. وأشار جون الى أن أسلوب ترامب التجاري سيعني أن ترامب والرئيس الصيني شي جين بينج سيكونا هما اللاعبان الكبار، وربما يجلسان على طاولة في مار لاجو ليعقدا اتفاقات دون قلق حول قضايا مثل حقوق الإنسان، فالحزب الجمهوري يوجه اهتمامه الى الجانب العملي وترامب رجل أعمال يضع مصالحه التجارية فوق كل شيء آخر وفقا لجون.
بيد أن هناك طريق آخر أكثر عمقا وخطورة فيكون ترامب ورقة رابحة لتمكين الصعود الصيني، ومن الممكن أن تصب سياساته في صالح الجانب الصيني من خلال تقويض ركائز الدور الأمريكي في آسيا فيما يعزز صعود البديل الصيني.
وإذا بدأنا بتأثير رئاسة ترامب في العالم الإسلامي، فقد قالها بوضوح الرئيس التنفيذي لشركة عالمية في جنوب آسيا أن هناك 1.6 مليار مسلم في العالم، وأنهم لن ينسوا ما قاله ترامب عن حظر المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة، ومن ثم فقد توقع عزوف المسلمون وابتعادهم عن الولايات المتحدة التي يقودها ترامب، وليس العراقيين والسوريين فقط ولكن أيضا الماليزيين والاندونيسيين وغيرهم، وأطق تحذيرا أن المستفيد من إعادة ترتيب التوازن العالمي ستكون الصين.
ومؤخرا أشار الرئيس أوباما الى الضرر الذي يمكن أن يلحق بالأمن القومي الأمريكي بسبب تعليقات ترامب السيئة عن المسلمين وأن التعامل معهم يجب أن يكون بشكل مختلف عندما يتعلق الأمر بالدخول الى الولايات المتحدة. وقال أوباما في كلمة التخرج في جامعة روتجرز: مثل تلك المقولات لا تمثل فقط مجرد خيانة للقيم الأمريكية ولكن خيانة لهويتنا، ومن شأنها أن تنفر مجتمعات في الداخل وفي الخارج هم أهم شركائنا في مكافحة التطرف العنيف".
والواقع فسياسات ترامب "أمريكا في المقام الأول" تعزز الانجراف بعيدا عن الزعامة العالمية الأمريكية بطريقة يمكن أن تفيد الصين. والمثال الأكثر وضوحا هو انتقاص ترامب من اتفاق التجارة المعروف باسم الشراكة عبر المحيط الهادئ. وكما لاحظت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلا عن وجهات نظر رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونج، فإخفاق الولايات المتحدة في التصديق على الإتفاق سيترتب عليه الشئ الذي اشتكى منه منتقدو الاتفاقية التجارية وهو زيادة هيمنة الصين بالاضافة الى شروط سيئة للبضائع والخدمات الامريكية.
وكما وصف رئيس الوزراء النيوزيلندي جون كي الخطر بالنسبة للولايات المتحدة جراء انهيار الاتفاقية وفقا لما ذكره مكتب الممثل التجاري الأمريكي بأن تخلي واشنطن عن الدور القيادي في المنطقة سيترك مكانا يجب ملؤه، وفي النهاية فهذه الاقتصادات لن تقف مكتوفة الأيدي.
وقد بدأت الصين بالفعل إنشاء شبكة خاصة بها بهدف بسط النفوذ الاقتصادي والسياسي مع توقع تراجع قوة الولايات المتحدة. ومن المفارقات الغريبة أن هذه الخطط الصينية تذكرنا بالمؤسسات التي أنشأتها الولايات المتحدة بعد عام 1945 لبسط هيمنتها على العالم آنذاك. وقد اقترحت بكين بالفعل إنشاء البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ووفقا لدراسة معهد بروكينجز يمكن للبنك في غضون خمس سنوات أن يقدم قروضا بقيمة 20 مليار دولار سنويا للتنمية الإقليمية، أي ما يعادل تقريبا ما يقرضه البنك الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
كما أن الصين لديها نسختها الخاصة من خطة مارشال لتحل محل الرؤية الأمريكية المتداعية، وتقوم الخطة الصينية على مد شبكات النقل والبنية التحتية من الصين عن طريق البر الى موسكو حتى روتردام، وبحرا عبر جنوب شرق آسيا وعلى طول السواحل الأفريقية وفقا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
ولا يخلو الطموح العالمي للصين من قدر من الغطرسة، فقد جاء تقرير لسيمون دينفر مؤخرا في الواشنطن بوست ليسرد تفاصيل المدن الفارغة في غرب الصين والتي تم بناؤها في حماسة كبيرة تحسبا لطريق الحرير الجديد. غير أن الصين الكبيرة والغنية قد يكون لديها من الخطط ما ينفي عن مشاريعها احتمالات الخطأ ، وكما يقول فرانسيس فوكوياما الاستاذ بجامعة ستانفورد فخطط الصين التي وضعتها تحت عنوان " حزام واحد طريق واحد" تلبي توقعات المخططين الصينيين، ومن ثم فأوراسيا جميعها من إندونيسيا إلى بولندا ستشهد تحولا خلال الجيل القادم. وهذه الرؤية الصينية التي تتطلع إلى الخارج للتنمية والتجارة تخلق قوة الدفع الخاصة بها، لتصبح نقطة محورية للمقرضين من القطاع الخاص وأسواق الأسهم.
أما دعوة ترامب إلى "جعل أمريكا عظمى مرة أخرى" فهي دعوة غير متماسكة لأنها تنطوي على سياسات إنكفاء على الداخل مع الإكتفاء برد الفعل. والواقع أن ترامب يطبق السياسات التي تنهجها شركاته الخاصة ومن ثم يبدو حديثه في السياسة أقرب الى صفقة امتياز منه الى خطة استثمار حقيقي ونمو عام للبلاد. وربما يكون لدى ترامب تصورا لعظمة أمريكا بيد أن الفائز المرجح ستكون بكين.
كاتب مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست