الانتقال من الديون إلى مِلكية المساهمين في الصين

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٤/يونيو/٢٠١٦ ٢٣:٥٨ م
الانتقال من الديون إلى مِلكية المساهمين في الصين

أندرو شنج

موجة عارمة من التعليقات مؤخرا تحذرنا من الارتفاع الهائل في ديون الصين، والتي قفزت من 148% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007 إلى 249% في نهاية الربع الثالث من عام 2015. ويشير كثيرون في قلق إلى أن ديون الصين أصبحت الآن مشابهة لديون الاتحاد الأوروبي (270% من الناتج المحلي الإجمالي) والولايات المتحدة (248% من الناتج المحلي الإجمالي). ترى هل هم محقون في الشعور بالقلق؟
ربما كانوا محقين إلى حد ما. ولكن برغم أن مخاوف المراقبين ليست بلا أساس بالكامل، فمن المبكر للغاية أن ندق ناقوس المخاطر الجهازية. فكما يذكر تقرير حديث صادر عن بنك إتش إس بي سي، تشير الأسباب وراء التراكم السريع لديون الصين، والتي تتركز في قطاعات الشركات والحكومات المحلية، إلى أن الموقف لا يقترب حتى من ذلك القدر من الخطورة الذي يتصوره كثيرون.
بادئ ذي بدء، تتمتع الصين بمعدل ادخار مرتفع للغاية ــ فوق 45% على مدار العقد الماضي، وهو معدل أعلى كثيرا من نظيره في الاقتصادات المتقدمة ــ وهو ما من شأنه أن يمكنها من تحمل مستويات أعلى من الدين. علاوة على ذلك، يظل النظام المصرفي في الصين القناة الرئيسية لنشر مدخرات قطاع الأسر، هذا يعني أن هذه المدخرات تمول استثمار الشركات من خلال الإقراض المصرفي، وليس التمويل عن طريق ملكية المساهمين (والذي يمثل نحو 5% فقط من صافي الاستثمار). والواقع أن التسارع الحاد في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ترجع جزئيا إلى نقص نمو سوق رأس المال النسبي في الصين.
وبمجرد وضع هذه العوامل في الحسبان، فإن مستويات ديون الصين الإجمالية لا تبدو مرتفعة إلى حد غير عادي. وفي حين ربما يمثل الدين مشكلة للشركات الصينية التي تعاني من القدرة الفائضة وانخفاض الإنتاجية، فإن الشركات في القطاعات والمناطق الإنتاجية السريعة النمو لا تعاني من متاعب تُذكَر. وبشكل أكثر عموما، حققت الصين تقدما ملموسا في الآونة الأخيرة في تعزيز إنتاجية العمل، وتشجيع الإبداع التكنولوجي، وتحسين جودة الخدمات في المناطق الحضرية الرئيسية، برغم القمع المالي الشديد وعدم كفاية فرص الوصول إلى التمويل من قِبَل الشركات الخاصة الصغيرة والمتوسطة الحجم.
بطبيعة الحال، لا تزال ديون الصين تتجه نحو الارتفاع ــ وهو الاتجاه الذي إذا استمر بلا ضابط أو رابط فقد يشكل تهديدا متصاعدا للاستقرار المالي والاقتصادي. ولكن بنية الميزانية العمومية الوطنية في الصين تشير إلى أن الحيز المتاح لتخفيف المخاطر التي قد تجلبها الديون المتزايدة الارتفاع لا يزال كبيرا.
بفضل ارتفاع معدل الادخار في الصين، كانت نسبة القروض إلى الودائع في النظام المصرفي الصيني 74% في نهاية عام 2015، مع 17.5% في هيئة احتياطيات إلزامية لدى البنك المركزي. وكانت نسبة كفاية رأس المال عند مستوى مرتفع بلغ 13.2%. ولأن صافي موقف الإقراض الخارجي الصيني يصل إلى 1.8 تريليون دولار أميركي، أو نحو 17.2% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن البنك المركزي لديه القدر الكافي من السيولة لخفض متطلبات الاحتياطي الإلزامي للبنوك من دون اللجوء إلى سياسة نقدية غير تقليدية.
علاوة على ذلك، بعد أكثر من ثلاثة عقود من نمو الدخل السريع، تراكمت لدى الصين ثروة (أو صافي أصول) في كل القطاعات تقريبا. وبكل المقاييس، كان مستوى استدانة قطاع الأسر في الصين منخفضا للغاية، وكانت نسبة الديون إلى الودائع 47.6%. وحتى مستوى الاستدانة في قطاع الشركات ليس مرتفعا إلى المستوى الذي توحي به العديد من التقارير. كانت ودائع الأسر تمثل 40.1% من إجمالي الودائع المصرفية التي تبلغ 146.5 تريليون يوان (22.5 تريليون دولار أميركي) في نهاية مارس 2016، في حين شكلت الشركات غير المالية 32.1% وكانت حصة ودائع الحكومة 17.1%. وكانت نسبة الديون إلى الودائع المجمعة لقطاع الشركات غير المالية والقطاع الحكومي 97.6%، أي أن إجمالي ودائع هذه القطاعات تجاوز ديونها المستحقة للنظام المصرفي بما يعادل 1.7 تريليون يوان صيني.
بالإضافة إلى هذا، تشير تقديرات الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية إلى أن الحكومة المركزية والحكومات المحلية لديها صافي أصول متراكمة يبلغ نحو 146% من الناتج المحلي الإجمالي، في هيئة أصول عقارية غالبا. باختصار، في حين تواجه الصين مشكلة مع عدم فعالية تخصيص رأس المال، فإنها ليست قريبة حتى من الانزلاق إلى أزمة سيولة أو عدم القدرة على سداد ديونها.
ورغم هذا، لا تحتاج الصين إلى معالجة أعباء ديونها المحلية. ويتمثل أحد الخيارات في رفع معدل التضخم. ولكن الدول المتقدمة تعلمت بالطريقة الصعبة في السنوات الأخيرة مدى صعوبة هذا النهج، مع فشل سياساتها النقدية غير التقليدية الهائلة في التغلب على القوى الانكماشية. وفي حين يواجه قسم كبير من العالم انخفاض معدلات التضخم، بل وحتى احتمال الانحدار الصريح في مستوى الأسعار، فإن أعباء الدين الحقيقية كانت في ازدياد.
يتمثل خيار ثان في إصدار المزيد من حقوق الملكية. الواقع أن النظام المصرفي ليس القناة المناسبة لتخصيص الموارد لصالح النمو المرتفع، والقطاعات عالية المخاطر، والتي يجب أن تحتفظ بملكية المساهمين باعتبارها رأسمال المخاطرة. ولكن كارثة الأسهم الممتازة في العام الماضي ــ عندما تسبب انحدار الأسعار الشديد في دفع الحكومة إلى تعليق التداول في أكثر من نصف أسهم الشركات الممتازة ــ أكدت على مدى صعوبة بناء سوق أسهم قوية عندما تظل ثقافة الاستثمار والنظام الضريبي ميالة نحو الديون..
زميل متميز لدى معهد آسيا العالمي في جامعة هونج كونج، وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لشؤون التمويل المستدام.