جراسا ماشيل
يوفر الاٍبتكار التكنولوجي إمكانيات هائلة لأفريقيا. ولهذا انضممت لاجتماع قادة أفريقيا الشهر الفائت في إطار المنتدى الاقتصادي العالمي في كيغالي عاصمة رواندا. وقد كان هدفنا مناقشة كيف يمكن للاقتصاد الرقمي تعزيز هذا النوع من التغيير الجذري الذي تحتاجه القارة.وفي الوقت نفسه كان علينا التفكير في بعض الأدوات القديمة التي خلفها أجدادنا - أي كيفية التخطيط على المدى الطويل والعمل المشترك. وهذه الأدوات هي شكل من أشكال التكنولوجيا التي نحن الآن في حاجة لاستخدامها حتى تتمكن الأجيال القادمة من التقدم.ويشكل تغير المناخ الاٍختبار الحاسم حول ما إذا كنا نستطيع استخدام التقنيات القديمة والجديدة معا لحماية مستقبل أطفالنا.
كما يجب على الأفارقة اتخاذ إجراءات جريئة لمكافحة خطر الاحتباس الحراري، عن طريق الحد من انبعاثات الغازات والتكيف مع تغير المناخ. فإذا فشلنا في إحراز تقدم في هذه المجالات الآن، ستٌلقي الأجيال القادمة اللوم على كسلنا باعتباره مكلفا، وغير عادل، وغير أخلاقي.فأفريقيا هي واحدة من أكثر المناطق عرضة للتغير المناخي. ومع ذلك، فهي تمثل 2.3٪ فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. ويعود ذلك جزئيا لكون ثلثي الأفارقة - 621 مليون شخصا – يعيشون بدون كهرباء.ولمواجهة هذا التحدي المزدوج لتغير المناخ وهذا العجز في الطاقة، تحتاج البلدان الأفريقية إلى الاعتماد على نفسها والتضامن مع بعضها البعض. كما يجب على الدول المتقدمة - والمساهمين في ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية - أن يوفوا بالوعود التي قطعوها على أنفسهم في محادثات المناخ COP21في باريس في ديسمبر الماضي.
كما يجب أن نعود إلى وسائل التكنولوجيا القديمة والتي تتمثل في التفكير على المدى البعيد والعمل معا، لكن التكنولوجيا الجديدة أمر ضروري حتى تنجح أفريقيا في معالجة تغير المناخ. أيضا هناك حاجة ماسة لوسائل تقنية حيوية وزراعية جديدة للتعامل مع الأمراض والأوبئة والجفاف.
ويمكن للتكنولوجيا الجديدة مساعدة أفريقيا لتجاوز الاعتماد على الوقود الأحفوري وبلوغ مستقبل خال من الكربون. اٍن لدى القارة فرصة كبيرة لتطوير استراتيجيات جديدة لطاقة منخفضة الكربون والتي من شأنها دعم النمو الذي سيستفيد منه الجميع، والحد من الفقر بشكل أسرع. ونبين كيف يمكن أن يتم ذلك في التقرير المرحلي لأفريقيا لعام 2015، "سلطة كوكب الناس: الاستيلاء على طاقة أفريقيا وفرص المناخ".
وستحل مصادر الطاقة المتجددة محل الوقود الأحفوري تدريجيا، إذ لا يمكن حدوث ذلك بين عشية وضحاها. فأفريقيا تحتاج إلى سياسة طاقية حكيمة وديناميكية. والأهم من ذلك كله، فهي تحتاج الآن إلى المزيد من الطاقة: أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ككل، باستثناء جنوب أفريقيا، تولد حاليا طاقة كهربائية أقل من أسبانيا.
وذلك راجع لواقع التعليم في أفريقيا باعتباره نتيجة لأزمة الطاقة في القارة. لقد عملت في التعليم معظم حياتي، كنت مدرسا ووزير التربية والتعليم في موزامبيق. وقد علمتني التجربة أن المدارس في البلاد هي مفتاح النجاح والاٍزدهار. ولكن في العديد من البلدان الأفريقية، نجد أن 80٪ من المدارس الاٍبتدائية لا تتوفر على الكهرباء، وذلك يحط من جودة التعليم.
اٍن نقص الكهرباء يسبب أيضا خسائر في الأرواح. معظم الأفارقة يعتمدون في الطبخ على المواد التقليدية، وهي تتكون من الخشب والفحم. وما ينتج عن ذلك من تلوث الهواء المنزلي يساهم في حوالي 600 ألف وفاة سنويا. لكن اٍذا توفرت لهم مواقد الطبخ العالية الجودة سيصبحون في أمان أكثر، كما سيساعد ذلك على تخليص الملايين من الفتيات والنساء من جمع الحطب، وسيولد فوائد بيئية واسعة النطاق.
اٍن الخطوات التي ينبغي على قادة أفريقيا اتخاذها واضحة. يجب أن تعطى الأسبقية للمصلحة الوطنية ذات المدى الطويل وليس للأهداف السياسية القصيرة الأجل، أو المصالح الخاصة، أو المحسوبية السياسية. كما يتعين على القادة الأفارقة القضاء على الفساد، وخلق إدارة أكثر شفافية تعمل على تعزيز القوانين، وزيادة الإنفاق العام على البنية التحتية للطاقة- مع الأسف بعض الإدارات عبارة عن مراكز الفساد وعدم الكفاءة. كما أنها تحتاج اٍلى توجيه 21 بليون دولار التي أنفقت في أفريقيا على دعم المشارع الخاسرة واستهلاك الكهرباء - التي تفيد الأغنياء فقط - نحو دعم الاتصال واستثمارات الطاقة المتجددة التي توفر الطاقة للفقراء.
وهناك أيضا مسار واضح للعمل بالنسبة لقادة الدول الكبرى التي ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون. اٍنهم بحاجة اٍلى وضع سعر مناسب على انبعاثاتهم عن طريق فرض ضرائب عليها، بدلا من الاستمرار في دعمها من خلال اٍنفاق المليارات على استكشاف الوقود الأحفوري. يجب على دول مجموعة العشرين وضع جدول زمني للتخلص التدريجي من هذه الإعانات.
وزيرة التعليم السابقة في موزمبيق، ومؤسِّسة صندوق جراسا ماشيل،