مسقط – محمد محمود البشتاوي
بعدَ أن أصبحت ليبيا على عتبات التحول إلى «جماهيريات» بدلاً من «جماهيرية العقيد»، لاح في الأفق اتفاقٌ سياسيٌّ وقع في الصخيرات المغربية، لتشكيل حكومة وحدة وطنية، بضغطٍ إقليمي ودولي، يبدو أنه لتوحيد الجهود في مكافحة الإرهاب، بيدَ أن الاتفاق سرعان ما ووجهَ بالانقسام، فرفضهُ فريقٌ من الليبيين؛ إذ قال رئيس المؤتمر العام في طرابلس نوري بوسهمين، ورئيس مجلس النواب المنحل في طبرق عقيلة صالح: «إن الموقعين لا يمثلون إلا أنفسهم».
وفي سياق التصدعات الليبية؛ أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، يوم أمس الأحد عن تأجيل إعلان التشكيلة الوزارية لـ48 ساعة، لاستكمال الترتيبات الخاصة بها ومنح التوافق والتمثيل العادل لكافة المكونات، وهو تأجيل يؤشر على استمرار وجود خلافات بين الفرقاء الليبيين.
خطرٌ يتجاوزُ الفرقاء الليبيين
التحديات والعقبات أمام «الصخيرات» لا تتوقف عند رأي المعارضين السياسيين له، بل ثمةَ خطرٌ داهمٌ يتجاوزُ الفرقاء الليبيين، يتمثلُ في صعود تنظيم «داعش»، الذي أخذَ في ترسيخِ «جغرافيا بديلةٌ» له في أعقاب الهزائم التي منيَ بها في سوريا والعراق، فكانت ليبيا، والصومال، وأفغانستان، خيارات التنظيم لإشغال مناوئيهِ في ساحاتٍ جديدة، ولتخفيف الضغط على التنظيم الأم في العراق.
يؤكد الرأي السابق الأكاديمي المغربي الدكتور إدريس لكريني، الذي أشار في حديثه لـ «الشبيبة»، إلى أن «الضربات ضد الجماعات المسلحة في سوريا والعراق دفعت بها لتغيير وجهتها نحو ليبيا، مستغلة بذلك الارتباكات الأمنية القائمة بالبلاد وتردد مختلف الفرقاء في ترجمة بنود اتفاق الصخيرات ميدانيا»، موضحاً أن بعض التقارير تتحدث عن أن الجماعات المتطرفة «تجري تدريبات لأعضائها على مستوى قيادة الطائرات بما يوحي بإمكانية استخدامها في عمليات إرهابية في مناطق مختلفة داخل ليبيا وخارجها».
وفي ضوء هذه التطورات، ينوه الأكاديمي المصري الدكتور خيري عمر أن مؤشرات التدخل الأجنبي في ليبيا تزداد، وذلك «ليس لتهدئة حدة الانقسامات بين حكومات ليبيا، ولكن لشن حملات جوية ضد «تنظيم داعش» والحركات الإرهابية المصنفة وفق قرار مجلس الأمن (2213)، وأيضاً للبحث عن موطئ قدم لقوات الانتشار السريع الأفريقية (أفريكا كوم)، وهي تداعيات تفتح آفاق التدهور الأمني والسياسي في ليبيا».
المحلل السياسي يوسف تسوري، رئيس تحرير الأخبار في قناة «فرانس 24» الفرنسية، يرى في حديثهِ لـ «الشبيبة» أن توافق الأطراف الليبية، وتأجيل حسم خلافاتها، المفتاح لقطع الطرق أمام تنظيم داعش، وإعادة إرساء مؤسسات الدولة، مشيراً إلى أن تنظيم داعش يتمدد يوما بعد آخر داخل التراب الليبي.
وحول موقف الولايات المتحدة من تطورات الوضع، قال مصدر مسؤول في الخارجية الأمريكية في تصريح خاص بـ «الشبيبة»: إن واشنطن «ما تزال تشعر بقلق بالغ إزاء التهديد المتزايد من المتطرفين الذين يمارسون العنف والجماعات المنحازة لداعش في ليبيا».
وأشار المصدر إلى أن «أفضل وسيلة لمواجهة الإرهابيين الذين يعملون في ليبيا هو مساعدة الليبيين في الاستمرار ببناء توافق وطني، وما يحتاجون إليه لمحاربة هذه الجماعات»، موضحا أن الولايات المتحدة تلتزم «بتقديم الدعم السياسي الكامل لحكومة الوحدة الوطنية وكذلك الدعم التقني والاقتصادي والأمني والمساعدة في مكافحة الإرهاب. والولايات المتحدة مستعدة لمساعدة مجلس الرئاسة وجميع الليبيين لتنفيذ الاتفاق السياسي الليبي».
من جانبه؛ جدد وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني، يوم أمس الأحد، موقف حكومة بلاده من الأزمة في ليبيا، وقال إننا سنعمل مع المجتمع الدولي على «تحقيق الاستقرار تدريجيا في ليبيا»، واصفا ذلك بـ «الحل الوحيد» لتجاوز الأزمة الليبية. وقال جينتيلوني في تصريحات صحفية: إن إيطاليا ستساهم «في استقرار ليبيا»، وستقوم بدور المنسق بين البلدان المعنية من أجل مد يد العون إلى الحكومة الليبية، في إشارة إلى حكومة الوفاق الوطني بقيادة رئيس الوزراء المقترح فائز السراج.
دلالات تفجير «زليتن»
ينطلق د. خيري عمر من التفجير الأخير الذي ضرب به تنظيم «داعش» مدينة «زليتن» (غرب ليبيا)، واصفاً هذا الحدث في تصريح خاص بـ «الشبيبة» بـالتطور المهم في الأزمة السياسية «ليس فقط بسبب شدته العنيفة، ولكن بسبب دخول أطراف جديدة للصراع في المنطقة الغربية، مما يثير الكثير من الجدل حول طبيعة واتجاهات الأطراف الفاعلة في السياسة الليبية».
ويتابع أستاذ العلوم السياسية في جامعة «صقريا» التركية أن دخول تنظيم داعش «إلى قلب ومحور العمل السياسي يضع ليبيا بين خيارين؛ أولوية مكافحة الإرهاب أو دعم العملية السياسية».
ويتزامن هذا التفجير العنيف مع تدشين عملية سياسية معقدة وتشهد نزاعات وصراعات، يصعب التنبؤ بمساراتها، بحسب الأكاديمي المصري، حيث «أدت الخلافات حول اتفاق السياسي الصخيرات الليبي إلى ظهور ثلاث حكومات تتنازع حول الشرعية السياسية، وهنا يمكن قراءة أحداث «زليتن» كمؤشر على تمدد ونفوذ أطراف لم يشملها الاتفاق السياسي وتعمل في ذات الوقت، على فرض واقع سياسي يتناقض مع العملية السياسية».
ويستطرد الباحث السابق في مركز البحوث والدراسات الليبية أن «الدلالة الأكثر أهمية، تتمثل في أن تفجير «زليتن» جاء في سياق تزايد تهديد «داعش» لمنطقة «الهلال النفطي» في «راس لانوف»، مما يشير لتزايد قدرات ونفوذ «تنظيم داعش وتطلعه للسيطرة على المنطقة الوسطى والثروات الرئيسية في ليبيا، وفي حال نجاح توجهاته، سوف تواجه الحكومات المتنازعة و»بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا» حالة من التفكك نتيجة التقسيم الفعلي للدولة».
خارطة داعش في ليبيا
وفي سياق هذه التطورات؛ يشير الباحث المصري إلى أن ما حدث في «زليتن» المجاوزة لمدينة «مصراتة» يشكل تهديداً لأهم قوة مركزية في ليبيا، و»تكمن خطورة هذه النقلة النوعية بسبب الانقسامات بين القوى السياسية داخل «مصراتة» بسبب اختلاف المواقف بشأن «الاتفاق السياسي»، وهذه الحالة صارت على قدر من الأهمية، ليس فقط بسبب أن «مصراتة» تمثل قلب ثورة «فبراير» ولكنها ترجع إلى تنامي الانقسامات على مستوى الكيانات والمؤسسات الليبية؛ سواء القبلية الجهوية أو الحزبية أو العسكرية، حيث تشكل هذه الانقسامات المناخ الملائم لظهور قوى وأطراف أخرى تتوافر لها القدرة على الإطاحة بالتوازنات الهشة في المؤسسات الليبية».
مع انحسار داعش في مدن شرق بنغازي، فإن التنظيم تمدد على جانبي مدينة سرت الليبية، بحسب د.خيري عمر الذي قرأ المشهد للشبيبة في ضوء تجاذبات القوى السياسية والجماعات المسلحة الأخرى، حيث يشير في تحليلهِ إلى أن تمدد «داعش» على جانبي مدينة «سرت» يُعبر عن إضمحلال وتراجع التأثير السياسي لـ «خليفة حفتر» والفريق المؤيد له، فمن وجهة أولى حدثت انقسامات بين القبائل في شرق ليبيا حول الخيار ما بين دعم «حفتر» أو دعم التوجهات القبلية في مجلس النواب، وهذه الجزئية شكلت خلفية التقارب بين رئيس مجلس النواب (عقيلة صالح) ورئيس المؤتمر الوطني (نوري بوسهمين)، وإعلان هذا التقارب رغم الضغوط الإقليمية على مجلس النواب»، ومن وجهة ثانية، ظهرت مؤشرات الانقسام حول المستقبل السياسي لـ»حفتر» في خلافات حكومة الوفاق الوطني حول موقع «حفتر في الجيش الليبي، مما يمثل الوجه الآخر لهيمنة» تحالف القوى الوطنية» (محمود جبريل) على الحكومة، وهنا يساهم الجدل داخل الحكومة على تطبيق المادة (8) من الاتفاق السياسي بإضعاف الدور السياسي لـ»حفتر»، فهذه المادة صارت نافذة وتقضي بشغور كل المناصب العسكرية كخطوة لإعادة بناء الجيش وأجهزة الأمن».
أما الوجهة الثالثة، كان انحسار «داعش» في مدن شرق «بنغازي» هو انعكاس لتزيد نفوذ المجموعات السلفية الجهادية في «درنة»، وليس بسبب الميليشات القبلية أو «الجيشي الليبي»، مما يؤدي لتغيير الخريطة السياسية في شرق ليبيا.
ورغم دلالات التهديد الواضحة في حادث «زليتن» تنامى الصراع فيما بين الحكومات الليبية، وبينما أعلنت «حكومة الإنقاذ الوطني» (طرابلس) حالة «النفير العام»، سارعت حكومة «الوفاق الوطني» بالدخول إلى ليبيا عبر مطار مصراتة» لغرض إثبات وجودها داخل البلاد، وذلك دون ظهور محاولات لتقليل حدة الصراع أو إعادة النظر في الاتفاق السياسي.
سقوط ورقة النفط
المحلل السياسي يوسف تسوري يؤكد أن تمدد تنظيم داعش في ليبيا باتَ واضحاً، لاسيما سيطرته على وسط الشريط الساحلي الغني بموارده النفطية، مشيراً إلى أن هذا التنظيم يستغل الضعف الكبير وأحيانا غياب مؤسسات الدولة. كما أنه يتمدد في ظل الخلافات القائمة بين الأطراف الليبية التي تحملُ مواقف متباينة حيال مستقبل البلاد؛ إذ أنه و»رغم توقيع اتفاق الصخيرات إلا أن بعض الأصوات من هذا الطرف أو ذاك تعالت لتنتقد الاتفاق وتطالب بمراجعته ما يعكس أن دخوله حيز التنفيذ لن يكون بالأمر السهل».
وبحسب تسوري فإن «تجارب النزاعات والخلافات أظهرت في الماضي أن التأخر في تطبيق أي اتفاق يضعف بشكل كبير نجاحه. فعلى الأطراف الليبية أن تسارع ببلورته على أرض الواقع وإن تطلب الأمر تأجيل الحسم في الخلافات العالقة والانطلاق باستثمار نقاط التقارب بينها؛ لأن التوافق بين الأطراف الليبية هو السبيل الأفضل لقطع الطريق أمام تنظيم داعش في أفق إعادة إرساء مؤسسات الدولة».
وحول ما تعنيه تطورات الوضع الليبي من منظور أوروبي، يشير رئيس تحرير الأخبار في قناة «فرانس 24»، إلى أن «دول الضفة الشمالية للمتوسط اي الدول الأوروبية فلها حاليا الكثير من المشاكل الداخلية تجعلها لا تفكر كثيرا ضمن أولوياتها فيما يجري على المستوى الدولي. فهذه الدول لم تخرج بعد من أزماتها الاقتصادية. وهمها الأساسي حاليا الحد من ارتفاع نسب البطالة ومعانقة نسب النمو للخروج من دائرة الركود».
ويستطردُ قائلا: «الوضع الاقتصادي وتداعياته الاجتماعية يبقى الشاغل الأساسي للسياسيين الأوروبيين الذين يسعون في نهاية المطاف للظفر بأصوات هذا الناخب الأوروبي أو ذاك، في وقت تستعد فيه الكثير من الدول الأوروبية لخوض انتخابات حاسمة كما هو الأمر بالنسبة لفرنسا. والتورط في أزمة خارجية في هذا الوقت قد يكون خسارة للسياسيين أمام الرأي العام الأوروبي الذي يضع ملفاتها الداخلية على رأس الأولويات خاصة وأن إطلاق عمليات عسكرية في ليبيا سيكون أمرا مكلفا. كما أن ورقته النفط التي كانت تشكل طموحا للبعض ضمن الملف الليبي لم تعود ذات قيمة عالية بالنظر للتراجع الكبير لأسعار النفط في الوقت الراهن».
محاولات لرأب الصدع
وفي العودة إلى د. إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية، فإن «الحالة في ليبيا وصلت إلى مرحلة خطيرة من التأزم والاضطراب؛ بفعل تباين مواقف الفرقاء الليبيين وتسرب السلاح إلى مختلف الفصائل؛ وغياب مؤسسات متينة للدولة»، مشيراً في حديث لـ «الشبيبة» أن اتفاق الصخيرات جاء بعد محاولات عدّة لرأب الصدع، وتحت إشراف أممي، وهو» اتفاق ينطوي على أهمية كبرى؛ بالنظر إلى المقتضيات التي تضمنها والتي تحرص على الوحدة الليبية وبناء المؤسسات وتجاوز حالة الانتظار، وكذلك بالنظر إلى الحضور الوازن للفصائل المتصارعة التي تمثل مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية الليبية، علاوة على الترحيب الداخلي والدولي بالمبادرة التي تشكل في مجملها بداية جيدة تعبد الطريق لمبادرات أخرى يفترض أن تدعم الحوار الداخلي وتسمح بتجاوز الخلافات القائمة».
ويحذر الباحث المغربي ومدير «مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات» ، أن بروز أصوات رافضة لمقتضيات اتفاق الصخيرات في الوقت الحالي «يمكن أن يعيد الأمور إلى نقطة الصفر ويدخل البلاد والمنطقة في متاهات تدخل أجني يعصف بأمن المنطقة برمتها»، معتبراً أن «رهان الاستقرار في ليبيا في ضوء هذه المتغيرات؛ هو رهان داخلي بالدرجة الأولى، من حيث إخراج البلاد من دوامة العنف والعنف المضاد وتجاوز الإكراهات الاجتماعية وبناء المؤسسات واستثمار الإمكانيات المتاحة خدمة لتنمية المواطن الليبي الذي كابد الكثير من المعاناة على امتداد أكثر من خمس سنوات، لكن تحقيق هذا الرهان أضحى إقليميا كذلك، بعد تمركز العديد من الجماعات الإرهابية على الأراضي الليبية، وتمددها، وعدم ترددها في تهديد أمن المنطقة».
ويربط لكريني استقرار المنطقة المغاربية، وكسب رهان بناء مغرب كبير قادر على مواجهة التحديات في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية، بتحقيق الاستقرار في ليبيا، البلد المغاربي الذي باستقراره سيوفر محيطا آمنا لدول الضفة الشمالية من المتوسط التي أصبحت تعاني من تزايد حدّة الهجرة السرية نحوها، وتدهور الأوضاع في عدد من البلدان الإفريقية ودول الحراك، وهشاشة الحماية الأمنية للحدود الليبية برّا وبحرا والتي أضحت محجّا مفضلا لعدد من الراغبين فا الهجرة السرية نحو الضفة الشمالية للمتوسط.
من سوريا والعراق إلى ليبيا
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة نشر دراسة اطلعت عليها «الشبيبة»، حملت عنوان «داعش وذرائع تدخل عسكري غربي في ليبيا»، أشار إلى أنه في الآونة الأخيرة، ازدادت احتمالات إعداد التنظيم إمكانيات للانتقال إلى ليبيا، «في حال جرى طرده من سوريا والعراق، بفعل الهجمات التي يتعرّض لها من قوات التحالف في هذين البلدين، ومن ضمن ذلك خروج عدد من قيادات التنظيم، وخصوصاً التي تنحدر من أصول شمال إفريقية باتجاه ليبيا، تحضيراً لاحتمالية انتقاله إليها».
وترى الدراسة أن ليبيا تتوفر فيها «شروطٌ عديدة تجعل منها بيئة مثالية لعمل التنظيم، مثل اتساع المساحة الجغرافية، وغياب حكومة مركزية قوية قادرة على السيطرة على الأراضي الليبية، وتوفر ثروات نفطية كبيرة، أصبح التنظيم يوليها اهتماماً كبيراً، بعد تجربته في سوريا والعراق، بوصفها تمثّل موردَ دخل كبيراً، يحتاج إليه التنظيم، لدفع رواتب منتسبيه وتمويل نشاطاته».
وأشارت دراسة «المركز العربي» إلى تكاثر التقارير الإعلامية الغربية في الآونة الأخيرة، «التي تسبق، عادةً، اتخاذ قرارات سياسية بتدخّل عسكري خارجي، وذلك لإعداد الرأي العام، لتقبّل هذه القرارات «وتثقيفه» حول أسباب اتخاذها. وتتحدّث هذه التقارير التي تستند، في معظمها، إلى معلومات استخباراتية أو تصريحات مجهولة المصدر، عن مخاطر تمدّد تنظيم داعش في ليبيا، وسيطرته على حقول النفط فيها. وفي هذا السياق، نشرت تقارير عديدة، تتناول محاولات التنظيم التقدّم باتجاه المثلث النفطي على الساحل الليبي، وتكثيف هجماته على المواقع النفطية في ميناءَي السدرة ورأس لانوف اللذيْن يعدّان المنشآت النفطية الأكبر في ليبيا».
«إبراز مخاطر الفوضى الليبية على الغرب، وتمدّد تنظيم داعش، وسيطرته على موارد الطاقة في ليبيا، لم يعد يقتصر على وسائل الإعلام وتقارير مجهولة المصدر، بل أخذ المسؤولون الغربيون يتناولونها بكثرة في الآونة الأخيرة. وكان آخر هؤلاء مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، التي، وإن كانت نفَت حصول «تدخّل على الأرض» من القوى الغربية في ليبيا، فهي لم تَنف حصول تدخّل عسكري، على غرار ما يحصل في سوريا والعراق، يشتمل على قصف جوي وعمليات للقوات الخاصة»، بحسب دراسة «المركز العربي».
وتخلص الدراسة في خاتمتها إلى أنه و»حتى الآن، لم يتّضح شكل التدخل الغربي في ليبيا، والذي يبدو أنّه أصبح مسألة وقت فقط. لكن، وبغضّ النظر عن شكله وحجمه (تدخّل بري محدود، أو غطاء جوي لقوى محلية، أو عمليات خاصة محدودة)، فإنّ احتمالات نجاحه لا تبدو أكبر ممّا هي عليه حتى الآن في سوريا والعراق. بل سيبدو التدخّل بمنزلة جانبٍ آخر لصراعٍ متعدد الأوجه، يجري بين قوى عديدة في ساحة واحدة، خدمةً لأجندات مختلفة. أمّا انعكاساته ليبيًا، فسوف تظهر على شكل مزيد من الانقسام الداخلي، ومزيد من الفوضى، ومزيد من الدمار. وقد أثبتت التجربة أنّ محاربة الإرهاب في ظلّ الفوضى وغياب الدولة غير ممكنة، من دون وحدة المجتمع المحلي في مواجهته، فهو القادر على ذلك. ويقاوم الناس إرهاب القوى العدمية المتطرفة، إذا كان البديل الأفضل مطروحاً بوضوح».