القرارات الاقتصادية الغبية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٢/يونيو/٢٠١٦ ٠٧:٥٢ ص
القرارات الاقتصادية الغبية

كانت الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 30 أغسطس 2013 على وشك شن ضربات جوية على سوريا والتي قتل فيها أكثر من ألف مدني بعد هجوم بغاز السارين، ولكن قبل ساعات قليلة من بدء الضربات قام الرئيس باراك أوباما بإلغائها مما فاجأ حلفاء أمريكا. وعوضاً عن ذلك قام الدبلوماسيون الأمريكيون بإبرام صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتولى روسيا بموجبها المسؤولية عن إزالة الأسلحة الكيماوية من سوريا واستمرت الحرب الأهلية السورية بدون أن تتورط الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر. وإن موقف أوباما يتلاءم مع شعاره الشهير المتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية وهو «لا تقم بعمل أشياء غبية». إن من الواضح أن هذا الإعلان يلمح لقرار سلفه الذي يفتقر للحكمة بالتدخل في العراق ولكن الأمر الأكثر جوهرية الآن هو إن هذا الموقف يعبر عن الطريقة التي ينظر فيها أوباما لميزان المخاطر فيما يختص بالخيارات السياسية الكبيرة. إن من الواضح أنه لا يولي اهتماماً بالمخاوف المتعلقة بالمصداقية لدرجة تبقي أيديه مقيده. إن ملائمة القرار النهائي أهم بالنسبة له من التوافق مع التصريحات السابقة. إن المحافظة على حرية الخيار في التعامل مع مشكلة ما هي أكثر أهمية من أن تبعث الرسالة الصحيحة مما يعني أنه لا يجب أن يكون هناك أي تشويش على القدرة على إصدار الإحكام إن هناك شيء واحد مشترك بين السياسة الأمنية والسياسة الاقتصادية وهو أن تلك السياسات تجبر الحكومات على الاختيار بين التقليل من الأضرار المباشرة وبين حماية المصداقية. إن المناقشات الاقتصادية عادة ما تضع أولئك الذين يؤكدون على أهمية إصدار الأحكام بدون قيود في جانب وأولئك الذين يعتبرون الثبات على الرأي كمعيار مهم للسياسة الجيدة.

لقد كانت الحلول الوسط واضحة في صيف سنة 2008 وذلك عندما بدأ تأثير الأزمة المالية العالمية فبعد أن قررت الحكومة الأمريكية إنقاذ البنك الاستثماري بير ستيرنس ومساندة وكالات تمويل الرهن العقاري فاني ماي وفريدي ماك، حصلت ضجة بالكونجرس جعلت إدارة جورج بوش الابن تتعهد بعدم ضخ أية أموال عامة في ليمان بروذرز هو بنك استثماري متعثر آخر وعندما اتضح أن لا يوجد مستثمر من القطاع الخاص مستعد لإن يستحوذ على ليمان، فإن الخزانة الأمريكية كانت تفتقد للموارد الضرورية لمنع حصول كارثة ولقد حصلت تلك الكارثة في 15 سبتمبر. لقد حصلت حلول وسط مماثلة مراراً وتكراراً خلال أزمة اليورو فكل حلقات تلك الأزمة الرئيسية تقريباً كانت تنطوي على خيار التمسك بالمبادئ الأولى أو إيجاد طريقة لإصلاح أزمة تتوسع بسرعة ولكن شعار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل لم يكن مشابها لأوباما فبالنسبة لها فإنه يمكن تبرير العمل غير التقليدي فقط في حالة وجود تهديد وجودي لاستقرار منطقة اليورو. لقد تم استخدام ما يطلق عليه عقيدة الحل الأخير من أجل تأجيل القرارات أو رفض الحلول المبكرة. إن إحدى المدارس الفكرية والتي تمثلها الحكومة الأمريكية تعتبر الخطر الأخلاقي سبباً مشروعاً ولكنها تعتقد أنه لا يجب المبالغة بشأنه لقد قال وزير الخزانة السابق تيم جايثنر «إن مراكز الإطفاء لا تتسبب بالحرائق». إن ألمانيا هي الرمز الأكثر أهمية لوجهة النظر الأخرى وهي أن تسترشد الخيارات السياسية بالعواقب طويلة المدى لأي قرار وإن التوقع المتعلق بالتأمين يجب أن لا يتسبب بالتهور. إن وجود مثل تلك الخلافات في التوجه ليس مفاجئاً فالحلول الوسط هي حلول حقيقية وصناع السياسات قد يختلفون بالرأي حسب تجاربهم وتفضيلهم الزمني. إن المدرسة الفكرية الألمانية على سبيل المثال تؤكد على القواعد الدائمة للعبة المتعلقة بنظم السياسات وعادة ما تتجاهل التكلفة قصيرة المدى للقرارات. ربما السبب الآخر الأكثر عمقاً هو السلطة فخلال سبع عقود كانت الحكومة الأمريكية هي رجل الإطفاء النهائي للنظام العالمي وخلال تلك الفترة تعاملت مع أزمات كبيرة في العالم وتعلمت أن تقدر حرية التصرف أكثر من تطابق السياسات واستمراريتها.

أستاذ في كلية هيرتي للإدارة في برلين، ويشغل منصب المفوض العام في الاستراتيجية الفرنسية