ينزلق البنك الدولي بهدوء إلى التفاهة بعدما أخذ دافعوا الرسوم يتجهون بشكل متزايد نحو مقرضين آخرين. ولضمان استمرارية البنك الدولي ينبغي على إدارته مراجعة وتبسيط عملية ومكنز مات الموافقة على القروض وإبراز خصائصه الإيجابية الفريدة التي تميزه عن المنافسين الآخرين.
في الماضي حصل البنك على ما يكفي من المداخيل ساعدته على الاكتفاء الذاتي. اليوم سرعان ما أصبح يعتمد على الرعاية الاجتماعية. وقد منحت الدول الغنية مساهمات دورية أدت إلى رفع حجم القروض للبلدان الفقيرة، لكن من المحتمل أنها لن تعرف زيادة مستقبلا، وبعضها قد يتوقف بسبب تقديم معونات الجهات المانحة لبرامج اللاجئين.
المشكلة ليست أن الاقتصادات الناشئة لا ترغب في قروض هي في حاجى ماسة إليها لإنجاز البنية التحتية والاستثمارات الأخرى، بل تكمن في كون البنك بطيء جدا في عملية معالجة القروض، الشيء الذي دفع الزبائن كثيرا لاعتبار البنك بمثابة الملاذ الأخير.
في البداية، وضع البنك بشكل فريد للعب دور «البديل» في نظام المعونات الدولية، وليساعد على ضمان تدفق الأموال باعتبار أن معظم البلدان تحتاج إليها. وتمنح الحكومات الكثير من المعونات لكن أغلبها يذهب إلى البلدان المتلقية التي لديها ارتباطات أو علاقات خاصة. هذه «المساعدات الثنائية» تخضع لأهواء واتجاهات مانحي المعونة، في بعض الأحيان تتدفق المعونات فقط لدعم قطاعات محددة أو لدعم مقاربات معينة. والنتيجة هي أن بعض البلدان تحصل على المزيد من المساعدات أكثر مما هي في حاجة إليها، في حين أن بلدان أخرى لا تحصل على ما يكفي. وحسب الوزارة البريطانية للتنمية الدولية، خمسة من 30 دولة فقط تستحق أكبر حصص المعونة وهي قريبة من المستوى المناسب.
المبدأ الثاني للبنك الدولي يكمن في الحاجة إلى المعونات «لمواجهة التقلبات الدورية». في الوقت الحاضر عندما تصاب الدول الغنية في العالم بالزكام، تواجه البلدان الفقيرة العدوى بصفة مزدوجة: تنخفض الأرباح التجارية وتتوقف المساعدات والاستثمارات من الدول الغنية. ويؤدي توقف المشاريع أو السياسات إلى التراجع الاقتصادي، مستشفيات لم يكتمل بناؤها، نقص غير متوقع في الإمدادات الطبية وتوقف بناء الجسور. وفي الوقت الذي يقوم فيه البنك بتقييم ممارساته الإدارة والمالية، ينبغي إيجاد مقاربة أكثر وعيا ونجاعة لمواجهة التقلبات الدورية.
ويتمثل المبدأ الثالث للبنك في قدرته على تبادل الخبرات وتطوير وتعزيز المعايير بين الحكومات التي تستفيد من القروض. ولكن في الواقع قد حاول البنك القيام بذلك على نحو فعال دون جدوى. وفي كثير من الأحيان يرفض المقترضون مشورة البنك التي يعتبرونها نظرية وأيديولوجية وبعيدة عن الممارسة والواقع. ويعلم المسؤولون المحليون عن التنفيذ أنه إذا كانت نصيحة البنك غير عملية، أو لا يمكن تحقيقها، أو إذا كانت معيبة بطريقة ما، فهم، وليس بعض التكنوقراط في واشنطن، الذين سيفقدون وظائفهم (أو الانتخابات المقبلة).
باختصار، تحتاج إدارة البنك الدولي والبلدان الأعضاء إلى العمل معا لخلق مؤسسة أسرع وأكثر استجابة، تستغل مزاياها الوحيدة لتحقيق التوازن بين تدفق المساعدات وتقديم الدعم لمواجهة التقلبات الدورية وتوجيه المشورة ذات مغزى. هذا النهج يمكن أن يعيد ثقة الزبائن الدافعين للرسوم واسترجاع قاعدة الموارد لضمان الاكتفاء الذاتي والوصول إلى العالمية، والاستمرار في لعب دور حيوي لتعزيز النمو الاقتصادي والحد من الفقر في البلدان النامية.
عميدة كلية بلافاتنيك للحكم
ومديرة برنامج الحوكمة الاقتصادية
العالمية بجامعة أكسفورد