في حقل التجارب الإيجابية - 3

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٢/يونيو/٢٠١٦ ٠٧:٣٥ ص
في حقل التجارب الإيجابية - 3

محمد بن سيف الرحبي

كان قدراً جميلاً أن نمضي إلى الذرى نستقصي ارتفاعاتها جبلاً إثر آخر، صاعدين نحو قمم كلما قلنا هذا منتهاها قادتنا إلى أعلى منها..

لم أصعد جبل شمس سابقا.. لكن هذه المرة تخطيته نحو جبل السراة، جبل يشمخ بين ثلاث محافظات، من محافظة جنوب الباطنة هكذا تبدو ولاية الرستاق ليست ببعيدة، وبجواره من زاوية أخرى ولاية عبري وامتدادات «الظاهرة»، بينما صعدنا إليه عبر ولاية الحمراء في «الداخلية».

كان مقصدنا استراحة شروق الشمس..

لكن الشمس كانت على وشك المغيب، حينها بدأت السماء في رسم صورة بالغة البهاء.. للمرة الأولى أشعر أنها أصبحت قريبة، بقمرها ونجومها، كما هو شأن همم الرجال الذين وصلوا إلى هذه الأعالي فغرسوا أشجار الرمان والجوز وغيرهما من الفواكه التي تبتغي سكنى الشوامخ، كأنما تسعى للقرب من النجوم لتسامرها ببهاء ثمارها.
وهناك رأيت ما معنى أن يكون المرء «ذا عزيمة» من خلال صاحبها الشيخ ناصر الحاتمي، حيث تحوّل المكان النائي إلى نقطة ضوء تشعّ بإيجابية الرجل وهو يتحدث بتفاؤل عن الممكن، تاركا المستحيل مجرد تحديات يريد عبورها حيث الاجتياز يحتاج إلى صبر، وهو يمتلكه بما أوتي من قوة الصخر الذي يفتته ليضعه لمسة جمالية على هذا البناء، أو ذاك.
لم نشعر أن ثمة شيئاً يمكن أن يثنيه عمّا يريده وهو يبسط حياة مدنية تتحدى شظف العيش وقسوة المكان، نرى تفاؤله في اخضرار شجرة «علعلان» تبقى على شموخها حتى وهي تتحول إلى أغصان يابسة عشرات السنين، ونلمسه في جماليات غرف الاستراحة يوشّيها بلمسات جمالية حتى أني قلت له إنك تبني بروح الفنان لا بيد المقاول.
يشير بيده إلى حواف المكان، أودية في العمق الغائر، ومنازل قليلة فوق سفوح مقابلة، وأشجار تتفيأ برودة المكان متخذة من الجبال حصنا، ومن محبة أهلها سكنا ودفئا.

لماذا لا يبقى هذا المكان عامرا بالسياح من المواطنين صيفا، كما هم الأوروبيون شتاء؟!

كانت صعوبة الطريق هاجسا، لأن الدروب ليست سالكة كما ينبغي، لعدة كيلومترات، فاقترحنا عليه سفلتتها باستثمار منه في الطريق، إنما خشينا عليه من مضي السنوات وهو يحاول.. حيث من يملك القرار في ذلك؟!

وكان أمر توفير المياه مقلقاً، فحمولة الماء إلى تلك الأمكنة مكلفة، وتقوم الحكومة حاليا بتوفير ناقلات توفر شريان الحياة إلى مجموعة البيوت هناك، لكن بحساب التكاليف يحيلنا إلى سياسة الحكومة في استئجار مبان لمؤسساتها سنة بعد سنة، متخلية عن الشروع في البناء بسرعة توفّر الاستنزاف المستدام!
كانت أفكار الحاتمي تنمو في منتجعه الجبلي، يفكر في أمر الماء والطريق والسياحة.. وفي أحلامه التي وعدنا أنها ستكون على أرض الواقع في كثير من جوانبها.. صدقناه لأنه مواطن لا يكفّ عن التفاؤل، والعمل على ما يحلم به.