سؤ التغذية يهدد أطفال بوروندي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٢/يونيو/٢٠١٦ ٠١:٠٩ ص

إعداد إيلاين لوثي

مع ارتفاع حالات الدخول إلى المستشفى بسبب سوء التغذية في هذه المنطقة الهشة من بوروندي، أصبح من الضروري أن نقوم بشيء ما، ولذا لجأ المجتمع لكادر من أمهات النور‘
تقول آناستازي سينزوباكويرا، وهي تتمشى مع ابنها الصغير أمام مستشفى كيروندو: "لقد ارتفعت الأسعار هنا". ابنها اسمه جوزيف، وعمره 5 سنوات، وهو يعاني من سوء التغذية الحاد الوخيم. وتضيف: "كان ثمن كيلو الأرز 1,200 فرنك بوروندي العام الفائت والآن أصبح ثمنه 1,500 فرنك. والأمر ذاته ينطبق على البطاطا الحلوة، فلقد كان ثمنها 1000 فرنك في السابق، والآن أصبح ثمنها 1,800".
آناستازي أرملة، وهي تبيع الفحم في السوق المحلي في غاسورا، في محافظة كيروندو، التي تبعد بضع كيلومترات عن الحدود مع رواندا. وتقول بصوت منخفض: "يأكل الأطفال عادة مرة واحدة في اليوم، وقت المساء. وإن لم أتمكن من بيع شيء ذلك اليوم، فببساطة لا نأكل شيئا يومها".
وهذه ثالث مرة يدخل فيها جوزيف إلى المستشفى بسبب سوء التغذية الحاد الوخيم، وفي هذه المرة ستستغرق عملية تعافيه حوالي أسبوعين.
حالة جوزيف ليست فريدة من نوعها، فهناك 16 طفلا آخر يعانون من المرض الشديد، ويعالجون في قسم السيطرة العلاجي المكتظ بالمرضى.
وتجد أسرة كأسرة آنستازي صعوبة أكبر في توفير الطعام لأبنائها. فارتفاع أسعار الغذاء يرتبط باندلاع الأزمة السياسية في بوروندي. ولكن حتى قبل بداية الأزمة، كان يعيش 4 من كل 5 من سكان بوروندي بأقل من 1.25$ في اليوم، ويعاني 58% من الأطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية.
وتعد محافظة كيروندو هشة بشكل خاص، فهي تشهد أعلى معدلات الوفيات في البلاد. فمواسم الحصاد السيء المتتالية تركت السكان معرضين لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. كما زادت حالات الهجرة المتكررة وانعدام الاستقرار السياسي الوضع سوءا.
يشهد مدير جناح التغذية في مستشفى كيروندو، ديوجراتياس آيوبيبويرا، آثار الوضع بشكل مباشر، ويلاحظ الارتفاع في حالات الإدخال. ويقول: "لم يعد الناس يأتون إلى المراكز الصحية بشكل منتظم بسبب الهجرة، وهناك مشكلة حقيقية في ارتفاع مستويات الفقر وانعدام الإمكانيات المالية".
تصل معدلات الوفيات في الجناح إلى 16.6%، مما يعني أن طفلا من كل 6 أطفال يصلون إلى مستشفى كيروندو بسبب سوء التغذية الحاد الوخيم يفارق الحياة. ويقول السيد آيوبيبويرا: "هذه الأرقام عالية جدا، وبدأت ترتفع أكثر مع اندلاع الأزمة".
وفي هذا السياق الهش، يصبح ضمان وجود إمدادات منتظمة من الأدوية اللازمة لإنقاذ الأرواح أمرا ضروريا. ولكن وبسبب شح الأموال المتوفرة في موازنة الصحة في الدولة، وانخفاض المساعدات الثنائية في بوروندي، أصبح توفير هذه الإمدادات أكثر صعوبة. ففي مركز صحي في ماريمبو، نفذ المخزون من الأغذية العلاجية الجاهزة للاستخدام ثلاثة أشهر فقط – وفي ذلك الوقت كان على العاملين في مجال الصحة أن يعيدوا المئات من أمهات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية إلى المنزل، ليدبروا أنفسهم بما لديهم. تعمل اليونيسف بشكل وثيق مع الجهات المانحة والشركاء من أجل الاستجابة للوضع المتدهور بشكل سريع.
التصدي لسوء التغذية لا يعني فقط إنقاذ أرواح الأطفال الذين يعانون من المرض الشديد – ولكنه يضمن أيضا إلمام المجتمعات بكيفية حماية أطفالها من المرض في المقام الأول. ولذا تعمل اليونيسف مع شركائها على حشد الموارد المجتمعية للتصدي لسوء التغذية. يستخدم الشركاء نموذجا يعرفا ’بالانحراف الإيجابي‘، والذي يعتمد على إحداث تغيير في السلوك من طرف أفراد المجتمع المحلي للمساعدة في حل المشكلات.
وهنا في كيروندو، تنظم أم متطوعة من’ أمهات النور‘ دورة تدريبية في منزلها تستمر اثني عشر يوما لفائدة الأهالي اللآخرين. وتنظم أمهات النور جلسات لتوضيح كيفية إعداد الوجبات الصحية المكونة من المنتجات المحلية معقولة الكلفة، كالفاصولياء والأرز والخضروات. كما يتم تدريبهم على إجراء الفحص للكشف عن سوء التغذية باستخدام أدوات بسيطة كالميزان وشريط القياس لتسجيل محيط العضد، وبذلك تستطيع الأمهات تتبع التحسن في حالة أبنائهن.
تقول ماري كلود ديسيليه، مديرة التغذية في مكتب اليونيسف في بوروندي: "يعد الإشراك المجتمعي مفتاحا أساسيا للتصدي لسوء التغذية". وتضيف: "فتمكين المجتمعات المحلية بالمعرفة حول الممارسات البسيطة ومعقولة الكلفة يبني المرونة والقدرة على التحمل، ويجعل المجتمعات أقدر على التعامل مع الصدمات، بما فيها ارتفاع أسعار الطعام".
كما يتعلم الأهالي الذين يحضرون هذه الجلسات ممارسات رئيسية أخرى، بما فيها غسل اليدين بالصابون والمباعدة بين الأحمال.
تدير سونيا جلسات في ساحة منزلها الطيني المتواضع في ماريمبو. ولديها مكان لغسل اليدين ورف صحون لضمان النظافة في المنزل، وفي الخلف لديها حديقة مطبخ زرعت فيها ثلاثة أنواع مختلفة من الخضروات. ويمكن لسونيا أن تحصد ما ينمو في هذه الحديقة وتطهو وجبات مغذية ومتوازنة تتضمن الفيتامينات والمعادن الأساسية للأطفال.
وتستخدم سونيا معرفتها لتعليم الممارسات الأساسية للأهالي الآخرين، وتقول: "أعلمهم أهمية الرضاعة الطبيعية، وكيفية إعداد الوجبات المتوازنة التي تمزج بين مجموعات الغذاء الأساسية، والتنظيم الأسري، والنظافة العامة، وكيفية إنشاء حديقة مطبخ. كما نعلم الأمهات كيفية تحفيز المواليد الجدد – وأهمية اللعب معهم. يحتاج الأطفال للتحفيز والنمو النفس – اجتماعي".
جاكلين تواشيميه هي واحدة من طلاب سونيا السابقين، وكانت تُحضِر معها ابنها، تثونيس، ذو العامين، لجلسات سونيا.
تقول مسترجعة: "لم تكن شهيته مفتوحة، ربما لأنني لم أكن أعد الوجبات بشكل صحيح. كنت في الماضي أعد الوجبات بما توفر لدي، ولكنني أعرف الآن أن عليّ أن أضيف الخضروات للوجبات. كما أضيف بعض زيت الذرة ومسحوق الفول السوداني. وعندما يتوفر لنا بعض المال، أحاول شراء الأفوكادو أو الفواكه لأطعمها لأطفالي".
تقيس سونيا وزن ثيونيس على الميزان الموجود في ساحة منزلها الخلفية. ويبدو عليها الرضا عن الوزن الذي كسبه، وهي واثقة من أنه سيستمر في تلقي الوجبات المغذية في المنزل.
التقينا كذلك بمدياتريس موكانياميبوا، والتي كانت تفرم أوراق نبتة القطيفة التي جمعتها من حديقة مطبخها. وعلقت على التغيرات من حولها: "لقد أصبح هناك وعي بأهمية الوجبات المتوازنة والمنوعة. في الماضي كان الأهل يقدمون الفاصوليا لأبنائهم فقط – ولكنهم الآن يضيفون إليها الخضروات، الأمر الذي لم يكن من عاداتهم في السابق. ولكن بعد أن زرعنا حديقة وراء المطبخ، أدرك الناس أنها طريقة سهلة لزراعة الخضروات".
آلكساندر نيونغابو، مدير مشروع في منظمة كونسيرن إنترناشيونال، وهي أحد المنظمات الشريكة لليونيسف في محافظة كيروندو، وهو يؤكد أيضا على التقدم الذي حققته المجتمعات، ويقول: "يجب علينا الآن أن نمزج بين الانحراف الإيجابي والحماية الاجتماعية والأمن الغذائي ليصبح لدينا تدخل دائم حقا".
ففي الأوقات التي يلفها الغموض كهذه الأوقات، تعاني المجتمعات بشكل كبير. والمجتمعات نفسها هي التي تجلب التغيير الإيجابي. ومع وجود أمهات يتمتعن بالمرونة والتفاؤل، كآنستازي، والتزام أمهات النور، كسونيا وميدياتريس، سيحظى الأطفال بفرصة أفضل للنجاة والنمو.
في مستشفى كيروندو، تتمشى آنستازي مع جوزيف وطفلها الآخر، سيبومانا. فبعد 11 يوما من الإقامة في المستشفى وتلقي العلاج بالحليب العلاجي الذي وفرته اليونيسف، اختفت الوذمة التي كان يعاني منها. أصبح جوزيف الآن مفعما بالطاقة مجددا، وإن استمر في التحسن، فسيتم إخراجه من المستشفى خلال بضعة أيام.
ولكن ابتساماته لا تضمن عدم إدخاله للمستشفى مرة أخرى.
وتقول آنستازي وهي تتبسم: "سأعمل جاهدة لأضمن أن ينمو أطفالي بالشكل اللازم بالرغم من الصعوبات". وتضيف: "أحاول أن أكون إيجابية".

نقلا عن موقع اليونسيف