تشارلز بلو
بينما كنت أشاهد على شاشة التلفاز العنف الذي اندلع بين المحتجين المناهضين لدونالد ترامب في البوكيرك قبل أيام أحسست بغصة في الحلق، فقد جاء هذا العنف في أعقاب المشهد الهزلي في مؤتمر الحزب الديمقراطي في ولاية نيفادا والتهديدات بالموت ضد رئيس حزب الولاية هناك. بالطبع أتفهم حالة الإحباط والرغبة في التغيير، ولكن العنف ببساطة ليس الطريقة التي ستأتي بمثل هذا الحل، فما ان تنطلق شرارة العنف حتى تجف ينابيع السلطة الأخلاقية.
وأنا أفهم الخوف والغضب وحتى الحنق أن الأنظمة التي تحكم هذا الوطن والمواطنين الذين هم عماد تكوينه من الممكن أن يسمحوا، بل ويهتفون بحماس لصعود شخصية فوضوية مثل ترامب. وربما نشهد كل هذا التأثير السئ على المعنويات لأنه يثير تساؤلا جوهريا: كيف يمكن لأحد أن يدعم مرشحا قدم مثل هذه التأكيدات الشخصية والسياسية التي يطرحها ترامب؟
ورغما عن ذلك، فهناك الكثير من المؤيدين والداعمين له، وهناك أشخاص كثر يعتقدون أنه يعبر بصوت عال عن العديد من أفكارهم الخاصة، ومن ثم فترامب لم يأت بمشاعر جديدة ولكنه كشف عن بعض المخبوءات الموجودة بالفعل. فكيف يتسنى لهذا الرجل أن يصبح مرشحا للرئاسة عن حزب كبير؟ وكيف تكون هناك فرصة متاحة أمامه ليتولى المنصب الرئاسي؟ وماذا يمثل ذلك في نظرة الآخرين لنا؟
الواقع أن الإجابات على هذه الأسئلة تثير حالة من الذعر الفكري، بيد أنه لا مناص من الوقوف عندها بكل ما يصاحبها من قلق عميق، ذلك القلق الذي ينتاب شريحة كبيرة من الأمريكيين الذين كانوا هدفا لخطاب ترامب الخطير.
لقد أطلق كل من ترامب من جانب الجمهوريين وبيرني ساندرز من جانب الديمقراطيين حملات شعبية تنتقد النظام السياسي وتصفه بالتزوير وعدم النزاهة، وكان لتلك المشاعر صدى أكبر على اليسار، الذي لا يستطيع ساندرز أن يؤمن لنفسه ترشيحا مناسبا منه على عكس ترامب. ووفقا لنتائج دراسة لمركز بيو للأبحاث في تقرير نشره في شهر مارس فإن نسبة تعبير الديمقراطيون عن وجهة نظر ايجابية للإنتخابات الأولية قد انخفضت بنسبة22 نقطة مئوية (من 52 في المئة) في فبراير 2008، في حين أن النسبة نفسها لدى الجمهوريين تكاد لا تختلف كثيرا عما كانت عليه في 2000 أو 2008.
والواقع فأنصار ترامب هم المجموعة الوحيدة من المؤيدين التي تنظر الغالبية فيها الى المرشح بشكل إيجابي. وأنا على قناعة أن هذه القبضة الغليظة تضغط على الشباب بصورة أكبر لا سيما الليبراليين، لأن لديهم بالفعل علاقة مضطربة مع نظم المجتمع. وقد أظهر استطلاع لهارفارد هذا العام أنه مع وجود زيادة هامشية لثقة الشباب في بعض المؤسسات، إلا أن عدم ثقتهم في الحكومة الاتحادية والكونجرس و وول ستريت ووسائل الإعلام ما تزال كبيرة. وبالإضافة إلى ذلك يعاني الشباب ضغوطا حقيقة لم يسبق لها مثيل.
وقبل أيام قال تقرير من مركز بيو أن عام 2014 قد سجل لأول مرة في العصر الحديث منذ ما يربو على 130 عاما تجاوز نسبة الأبناء في المرحلة العمرية من 18 – 34 سنة ممن يعيشون مع والديهم نسبة من يعيشون مع الزوج أو الشريك في أسرة خاصة بهم .
وينسبون جزءا من هذا التغيير إلى أنماط الشراكة وأيضا إلى الضغوط الاقتصادية وخاصة بين الشباب.
وقال التقرير أن الشباب العاملين أقل احتمالا بصورة كبيرة للعيش مع الوالدين عن الشباب الذين لا يجدون فرصا للعمل، وان نسبة التوظيف قد انخفضت بين الشباب بشكل كبير في العقود الأخيرة. وبلغت ذروة توظيف الشباب في عام 1960 بنسبة 84 في المئة، في حين تراجعت هذه النسبة في عام 2014 الى 71 في المئة فقط لمن هم في المرحلة العمرية من 18 الى 34. وبالمثل يسجل الدخل انخفاضا بمنحنى هابط منذ عام 1970، وانخفض بشكل ملحوظ في الفترة من 2000 إلى 2010. ومع انخفاض الأجور ارتفعت نسبة الشباب الذين يعيشون في منزل والديهم.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في وقت سابق من هذا الشهر أن حوالي 7 من كل 10 من الشباب الذين سينهون دراستهم الجامعية هذا الربيع قد اقترضوا لإتمام الدراسة، والى جانب الشهادة التي سيحصلون عليها سيحمل كل واحد منهم على عاتقه أيضا دينا بمتوسط 37,172 دولار ديون دراسة مع دخولهم الى سوق العمل وفقا لتحليل جديد من قبل خبير التعليم العالي مارك كانترويتز، وهذا يتجاوز الرقم القياسي المسجل في عام 2015 وهو 35,000 دولار في المتوسط.
أضف إلى ذلك حقيقة أن هذه الانتخابات هي واحدة من أول الانتخابات التي يشاركون فيها – إن لم تكن الأولى على الاطلاق – ويجدون أمامهم من جانب شخصية شريرة وخطيرة بينما على الجانب الآخر مرشحا صاحب أداء سئ للغاية بين شباب الناخبين. وربما يكون من السهل حينئذ أن نرى لماذا يقدم الشباب على مثل هذا التهور والاندفاع، متناسين أن العنف يقوي الأعداء ويضعف قضيتهم.
وأنا أفهم حاجة هذا القطاع الكبير إلى اتخاذ موقف وأن يكون له صوتا مسموعا وأن ينخرط في ديمقراطية مباشرة بالاحتجاج واظهار الرفض للأشخاص الذين يعتقدون أنهم غير مناسبين وللأنظمة التي يرونها غير عادلة. ولكن الحقيقة الثابتة أنه لا توجد حلول سريعة وسهلة في أمريكا، وكل ما نراه قد تكسر إنما حدث على مدى فترة زمينة طويلة ومن ثم يجب أن يكون الإصلاح بنفس الطريقة والمدى الزمني.
فالديمقراطية هي ممارسة في الصبر والمثابرة وليس الحديث عن تعديلات سريعة، والطريقة التي يمكن أن نصلح بها أنظمتنا وسياستنا ليست قط من خلال المظاهرات الصاخبة العدوانية ولكن عن طريق عمل سياسي دؤوب ويقظ طوال الحياة.
كاتب مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز