علي ناجي الرعوي
بقدر ما عكست المفاوضات اليمنية المستمرة في الكويت منذ ستة اسابيع من فقرات بانورامية ترسم في عجل الكارثة الانسانية التي يغرق فيها اليمن نتيجة بعض الظواهر التي برزت مؤخرا على السطح واخطرها على الاطلاق خطر الانقسامات التي بدأت جهوية ومناطقية قبل ان يجري تسيسها وتحويلها الى انقسامات مذهبية وطائفية لتصبح اداة لتمزيق النسيج الاجتماعي فقد كشفت هذه المفاوضات بالقدر نفسه هشاشة التعاطي الدولي مع الملف اليمني اذ انه ورغم نجاح الضغوط الامريكية والبريطانية على الاطراف المتصارعة بالاستمرار بالمباحثات فلا يبدو ان واشنطن ولندن وفي الضفة الاخرى موسكو قد نجحت في فرض متغيرات جديدة على واقع الصراع او انها قد استحدثت مسارات ذات فاعلية يشعر معها الفرقاء في مفاوضات الكويت بان قرارا دوليا قد اتخذ لوقف الحرب وان على هذه الاطراف وضع اللبنات لخارطة طريق لليمن الجديد بموجهات واحدة في مناطقه كلها.
لا تساورنا اية شكوك من ان هناك رغبة دولية ربما لايقاف الحرب في اليمن سيما بعد ان دخلت هذه الحرب دائرة المراوحة وفشل أي من اطرافها في حسمها عسكريا لصالحه ليتسنى له فرض شروطه على الطرف الاخر وتحميله المسئولية القانونية والاخلاقية لنتائج هذه الحرب.. مع ذلك فان مثل هذه الرغبة حتى وان وجدت فانها لا تعني باي حال من الاحوال ان اللاعبين الكبار بات لديهم الاستعداد للجم هذه الحرب بمعزل عن التشاور مع من له مصلحه في استمرارها وبالتالي فان ايقاف الحرب في اليمن عبر تدخل الدول الكبرى لا تقره النوايا الحسنة او السيئة ولا استنزاف المتقاتلين هنا او هناك ولا تدهور الاوضاع الانسانية ولا حتى المواثيق الدولية والالتزام بها وانما قواعد المصالح بين الدول التي وان توافقت على الفكرة والمشروع والاهداف والبرنامج فانها التي قد تختلف في الوسائل فلكل دولة خصوصيتها ورؤيتها ومصالحها.
مطلع الاسبوع الحالي خص وزير الخارجية البريطاني فيليب هوماند اليمن بمقال نشرته صحيفة الحياة بعنوان : (الانتصار للسلام والحوار في اليمن) عبر فيه عن تعاطفه مع الشعب اليمني الذي يواجه حسب وصفه واحدا من اسوأ الاوضاع الانسانية في العالم واشار فيه ايضا الى حرص بلاده على السلام وعودة الامن والاستقرار الى هذا البلد الذي اصبح الملايين من ابناءه يفتقدون لوسائل العيش الكريم واقتصاده يتعرض للانهيار بشكل غير مسبوق ولم يتوقف الوزير البريطاني عند البعد الانساني بل انه الذي حاول ان يطمئن اليمنيين من ان هناك ارادة دولية تعمل على دعم مفاوضات الكويت ووصول اطرافها الى حل سياسي للازمة المتفاقمة منذ ما يقارب العام ونصف نافيا ما يشاع عن تعثر هذه المفاوضات التي قال انها من تقترب من وضع الخطوط العريضة للحل النهائي ولعله من استشف هذا التفاؤل مما سبق وان اعلن عنه المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ احمد من توافق بين اطراف الصراع على تشكيل لجنة عسكرية من ضباط لم يتموضعوا في الحرب يتولون تسلم السلاح من المليشيات واعادة دمج وحدات الجيش اليمني ونشرها في المدن بداية من صنعاء وعدن وانتهاءا بكافة مناطق اليمن لقناعة ولد الشيخ ان مثل هذا الاتفاق كفيل بان يشكل حافزا للتوافق على الخطوات الاخرى ذات الصلة بالجانب السياسي.
مقال وزير الخارجية البريطاني عن الحرب والسلام في اليمن وان جاء متأخرا فانه الذي حاول ان يقدم مؤشرات على ان الخيار العسكري الذي لم تعارضه لندن قبل 14 شهرا وصل الى طريق مسدود وانه الذي بدا يفقد قيمته ولذلك فان لندن وواشنطن التي ساهمت في تسهيل حرب لا تحمل لها أي مصلحة حيوية اضحت مؤمنة بان الحل السياسي هو الغالب لديهما وان الحديث على الحسم العسكري اصبح بالنسبة لهما خطا احمر كما يطرح ذلك المقال الا ان كل المؤشرات الاولية لا تدلل على ذلك اذ ان موجبات هذا السيناريو مازالت منعدمة لانعدام الية التوافق على مرحلة الانتقال السياسي وهو ما قد يجعل الحديث عن هذا السيناريو ليس اكثر من حقل للالغام يصعب تخطيه هذا ان لم يقد الى حروب قادمة ستكون وخيمة في تداعياتها المباشرة والبعيدة المدى لانها من قد تفضي الى بروز يمنا مجزأ ومفككا وفردا مشبعا بالعصبية القبلية او المناطقية او المذهبية يغدو اكثر ميلا للعنف والتعصب ونبذ الاخر.
الجميع يتمنى ان تخرج اليمن من محنتها الراهنة وان تتوقف الحرب نهائيا وان تتجاوز مفاوضات السلام في الكويت عثراتها مع ذلك فان هذه المفردات السياسية جميعها لن تجد ترجمتها في مصالحة تنهي احتقانات الصراع بين اليمنيين دون رؤية اقليمية ودولية تعمل على احتواء اليمن في نطاق مجلس التعاون الخليجي على غرار المقاربة الايجابية التي اعتمدها الاتحاد الاوروبي مع الدول الاوروبية الاكثر فقرا حيث وان مستقبل مستقر ومزدهر لليمن سينعكس ايجابا على امن واستقرار اشقائه في المنطقة.
قد يكون من الرشد ان ننتظر ما ستسفر عنه المفاوضات وكذا ما يتخلق على ارض الواقع اذ ان نقاط الانعطاف التي ستنطوي عليها محادثات الكويت هي من يمكن ان تميل اما نحو حلول واقعية من شانها ان تمهد لتفاهم قابل للحياه او انها من قد تدفع باليمن نحو دورة جديدة من العنف والصراع ان لم تنزلق به في المتاهة الصومالية.