بيروت – ش – وكالات
تعكس نتائج الانتخابات البلدية في لبنان وتحديدا في طرابلس كبرى مدن الشمال اعتراضا متناميا على أداء رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، عبر عنه الناخبون في إحدى أبرز مناطق نفوذه للمرة الأولى منذ بدء مسيرته السياسية العام 2005.
ويقول محللون إن نتائج طرابلس التي تعد معقلا للحريري، تأتي ترجمة لأداء الحريري "الضعيف" سياسيا ولغيابه عن الساحة السياسية منذ خروجه من الحكم في العام 2011 تزامنا مع اندلاع النزاع السوري قبل أن يعود في زيارات متقطعة منذ العام 2014.
وأظهرت النتائج الرسمية في انتخابات بلدية طرابلس الأحد الفائت خسارة معظم أعضاء اللائحة المدعومة من الحريري ومن ابرز القوى السياسية في المدينة، لصالح اكثرية حصلت عليها لائحة يدعمها وزير العدل المستقيل اشرف ريفي الذي كان حتى الامس القريب ابرز حلفاء الحريري.
ويقول الباحث والاستاذ الجامعي زياد ماجد لوكالة فرانس برس "ما حدث في طرابلس أشبه بهزة واظهر بشكل واضح ان ثمة حالة اعتراض على الأداء السياسي، وتحديدا على استسهال الحريري التوافق مع شخصيات كان على خصومة معها لسنوات طويلة، من دون شرح اسباب هذا التوافق واهدافه".
ويضيف "التوافق تخطى الفرز السياسي القائم، لذا ابتعد البعض عن المشاركة في الانتخابات وصوت اخرون لخيارات بديلة او مناقضة باعتبار انه لم يكن هناك من مبرر للشحن الطائفي الذي سبب صداما خلال الفترة الماضية ومن ثم التحالف وكأن شيئا لم يكن".
وتحالف الحريري في الانتخابات البلدية في العاصمة والشمال مع قوى سياسية تقليدية كان على خصومة معها، ومن بينها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وشخصيات اخرى منضوية ضمن قوى 8 آذار التي يعد حزب الله ابرز اركانها.
وقبل اشهر، اقدم الحريري على ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية، ابرز حلفاء النظام السوري لرئاسة الجمهورية، ما اثار امتعاض حلفائه في فريق 14 آذار المدعوم من السعودية.
وأسهمت هذه المواقف والتحالفات في تباعد وجهات النظر بين الحريري وريفي الذي يأخذ على الحريري غض الطرف عن "هيمنة" حزب الله على قرارات الحكومة اللبنانية التي تضم ممثلين عن معظم الاطراف اللبنانية ويعارض ترشيح فرنجية، فقدم استقالته من منصبه كوزير للعدل محسوب على الحريري في فبراير الفائت.
وجاءت نتائح طرابلس بعد شهر على انتخابات بلدية بيروت حيث نالت لائحة "بيروت مدينتي" الممثلة للمجتمع المدني وغير المدعومة سياسيا اكثر من ثلث اصوات الناخبين في مواجهة اللائحة المدعومة من الحريري والتي فازت بالمجلس البلدي.
والانتخابات البلدية التي جرت في مختلف المحافظات الشهر الحالي هي الاولى منذ العام 2010، اذ لم تنظم انتخابات برلمانية منذ العام 2009 وتم التمديد مرتين للبرلمان الحالي نتيجة الانقسامات الحادة في البلاد، في وقت لم ينتخب البرلمان رئيسا جديدا للجمهورية رغم مرور سنتين على شغور المنصب.
ويرى الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية اميل حكيم ان من ابرز اسباب تراجع الحريري "سوء ادارته للقاعدة الشعبية وأداءه الضعيف خلال توليه رئاسة الحكومة وغيابه الطويل" عن لبنان، بالاضافة إلى خشية مناصريه من تداعيات "تموضعه كشخصية تسوية في بلد يشهد استقطابا سياسيا حادا".
ويضيف "ما جرى طلقة تحذيرية للحريري.. ودليل ضعف لكنه ليس النهاية". وفي بلد معروف تقليديا بالنفوذ الواسع للزعماء التقليديين والطائفيين، اظهرت الانتخابات البلدية الاخيرة نتائج غير متوقعة في مناطق عدة بالنسبة إلى القيادات والاحزاب التقليدية، ما يعكس، في رأي المحللين، احباطا لدى الناخبين مما يعتبرونه فسادا واستهتارا وعجزا عن حل المشاكل المزمنة في البلاد.
وتشهد العلاقات اللبنانية السعودية منذ مطلع العام فتورا متناميا بسبب غضب الرياض من نفوذ حزب الله المدعوم من ايران على الساحة اللبنانية. ويرى ماجد أن الحريري "يدفع اليوم ثمن أداء مرتبك لا تبدو معالمه واضحة دائما، سواء في التعاون مع حلفائه او بمواجهة خصومه، اضافة إلى وجود ارتباك سعودي ينعكس عليه ماديا وسياسيا".
وفي السياق ذاته، يربط حكيم بين أداء الحريري و"الاعتقاد بتراجع ثقة داعميه التقليديين، أي السعودية به". وتشير استاذة العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت فاديا كيوان إلى أن "القاسم المشترك بين طرابلس وبيروت هو استياء الناس من الأداء السياسي للقيادات ومن النقص في الخدمات وشعورها بانها مغيبة".