اقتصاد السلطنة مهيأ لانطلاق مسيرة التنويع الاقتصادي

مؤشر الأربعاء ٠١/يونيو/٢٠١٦ ٢١:٤٧ م
اقتصاد السلطنة مهيأ لانطلاق مسيرة التنويع الاقتصادي

مسقط -العمانية
وضعت السلطنة التنويع الاقتصادي نصب عينيها منذ العمل بخطط التنمية الخمسية في مطلع العام 1976، وتمكنت من تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال.
وجاء الانخفاض الكبير لأسعار النفط منذ يونيو 2014 ليمثل تحدّيًا لمسيرة التنمية، وفي الوقت نفسه أتاح فرصة ملائمة لإحداث تغييرات هيكلية في بنية الاقتصاد العماني. وتزامن ذلك مع بداية العمل في إعداد خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016- 2020) التي يمثل فيها التنويع الاقتصادي ركيزة استراتيجية.

انجازات تراكمية
وأكدت انتصار بنت عبدالله الوهيبية مدير عام التخطيط التنموي بالمجلس الأعلى للتخطيط أن الخطة استهدفت البناء على ما تم انجازه في الخطط السابقة لتنفيذ استراتيجية التنويع الاقتصادي بالتركيز على خمسة قطاعات واعدة وهي الصناعة التحويلية والنقل والخدمات اللوجستية والسياحة والثروة السمكية والتعدين حيث تتمتع السلطنة بمجموعة من المقومات لتحقيق هذا الهدف، تأتي في مقدمتها البنية الأساسية المتطورة حيث جاءت السلطنة في المرتبة 17 من أصل 148 دولة شملها التقرير العالمي للتنافسية في عام 2015 نظرا للموقع الاستراتيجي المتميز المواجه لمراكز النمو في الاقتصاديات الآسيوية الناشئة، والموارد الطبيعية الكامنة، والتحسن في سهولة ممارسة الأعمال.
واضافت أن السلطنة جاءت في المرتبة 70 من أصل 189 دولة في عام 2016 في تقرير ممارسة الأعمال محرزة تقدمًا بسبع نقاط مقارنة بالعام 2015 وارتقت إلى المرتبة الرابعة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكان من أهم عوامل هذا التقدم هو انجاز التأشيرات الإلكترونية والمحطة الواحدة والتغير في الاجراءات المتعلقة بالتصاريح والجمارك كما جاء في تقرير مجموعة اكسفورد للأعمال، عمان 2015.

رؤية مستقبلية
وأشارت إلى انه عند إعداد الخطة الخمسية التاسعة تم تقييم الرؤية المستقبلية (عمان 2020) وتقييم أداء الخطة الخمسية الثامنة (2011 - 2015) واتضح من التقييم أن السلطنة قطعت شوطا كبيرا في التنويع الاقتصادي وهو ما انعكس إيجابا على الناتج المحلي الإجمالي ليتراجع نصيب الانشطة النفطية من 66 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي في عام 2000 إلى 44 بالمائة في عام 2014، مؤكدة أنه لا مناص من التركيز على تعميق عملية التنويع الاقتصادي من أجل استدامة التنمية واستقرار الاوضاع المالية للبلاد.
وقالت انتصار الوهيبية إنه من هنا فقد تم في الخطة الخمسية التاسعة استحداث منهجية التحوط أو "التخطيط في ظل عدم اليقين" نظرًا للتقلبات في أسعار النفط، ومن ثم إعداد سيناريوهات مختلفة بدلا عن السيناريو الواحد، لتقدير تأثير التقلبات في أسعار النفط على أداء الاقتصاد الوطني، بغية الاستغلال الأمثل للمقومات المتاحة للاقتصاد الوطني وعدم الاعتماد على مورد واحد، يعد ناضبا، وهو النفط.
وأشارت إلى أن التقييم قد أظهر أيضًا أن الارتفاع المتوالي في سعر النفط وما وفره من موارد اضافية قد تزامن مع نمط للاستثمار والتشغيل يعتمد أساسا على الانفاق الحكومي مما أدى إلى نمو قطاعات معينة كقطاع الإنشاءات وقطاع تجارة الجملة والتجزئة مما أدى إلى تركز فرص العمل بهذه القطاعات التي تعتبر ذات كثافة عمل عالية لكنها ذات أجور متدنية ولا يقبل عليها العمانيون مما نتج عنه تدفق العمالة الوافدة. وتركز التنويع الاقتصادي في قطاعات معتمدة على النفط والغاز والتي تعتبر ذات كثافة رأس مال عالية ومن ثم قصور دورها في توفير فرص عمل للمواطنين.

استدامة التنمية
واضافت الوهيبية أن سياسة التنويع الاقتصادي تستهدف استدامة التنمية الاقتصادية للبلاد وتحسين مستوى معيشة المواطن وتوفير فرص التوظيف للشباب العماني. ولقد تم اختيار القطاعات الخمسة الواعدة بناءً على معايير محددة أهمها توفير فرص عمل منتجة ومجزية للشباب العماني، كما أن لديها ميزة نسبية واضحة ولا تعتمد على موارد ناضبة أو على الانفاق الحكومي، ولها علاقات تشابكية مع القطاعات الأخرى وجاذبة للاستثمار الاجنبي وتساهم في نمو القدرة التصديرية.
واوضحت أن تنمية هذه القطاعات تتطلب التغلب على التحديات المشتركة التي تواجهها وبصفة خاصة العمل على تحسين مناخ الاستثمار وتطوير بيئة جاذبة للاستثمار الخاص المحلي والأجنبي وضرورة العمل على توفير الكوادر العمانية المؤهلة، وتذليل المعوقات المتعلقة بالتجارة والجمارك.
وأكدت الوهيبية أن الخطة الخمسية التاسعة واستجابة لهذه التوجهات استهدفت استثمارات إجمالية تبلغ 41 بليون ريال عماني، يساهم القطاع الخاص بحوالي 52 بالمائة، وأن 28 بالمائة من الاستثمارات الإجمالية موجهة لتنمية قطاعات التنويع الاقتصادي الخمسة.
ونوهت إلى أن متطلبات تنفيذ استراتيجية التنويع الاقتصادي تتمثل في استدامة النمو واستقرار الاقتصاد الكلي حيث تستهدف الخطة الحفاظ على معدل نمو حقيقي في حدود 3 بالمائة سنويا، وتعزيز دور القطاع الخاص كمحرك أساسي للنمو عبر تحسين مناخ الاستثمار وبيئة الاعمال وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتفعيل برنامج التخصيص وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودعم القدرة التنافسية للاقتصاد العماني .
وقالت إن عملية التنويع تتطلب ايضا تنمية رأس المال البشري عبر رفع كفاءة القوى العاملة الوطنية بهدف جعل القطاع الخاص الاختيار الأول للشباب العماني وتأهيل هذا الشباب للدخول في سوق العمل من خلال تفعيل الاستراتيجية الوطنية للتعليم والصندوق الوطني للتدريب وتنمية دور ريادة الأعمال وتفعيل الاستراتيجية الوطنية للابتكار.
واشارت إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن أن يلعب دورًا أكثر فعالية في دفع معدلات النمو. وقد بلغ حجم الاستثمار الأجنبي في السلطنة خلال العام 2014 6.5 بليون ريال عماني ولكنه يتركز في قطاعي النفط والغاز والصناعات المعتمدة عليهما، ولذلك فإن هناك ضرورة للتوجه إلى القطاعات الانتاجية الأخرى التي تساهم في زيادة الناتج المحلي الاجمالي وتوفر مزيدا من فرص العمل للمواطنين.
وأوضحت أن الخطة تستهدف تحقيق معدلات نمو مرتفعة في القطاعات الواعدة: قطاع الصناعات التحويلية 6 بالمائة، والنقل الخدمات اللوجستية 5 بالمائة، والسياحة 3ر5 بالمائة، والثروة السمكية 6.5 بالمائة، والتعدين 6 بالمائة، مشيرة إلى أن تحقيق مثل هذا النمو يتطلب تحقيق معدلات عالية للاستثمار وخاصة من القطاع الخاص.
وأكدت على أن السلطنة قد استرشدت بتجارب الدول الناجحة حيث يتم التركيز على تنفيذ الأهداف التي وردت في الخطة من خلال تطبيق منهجية كفاءة التنفيذ والأداء التي كانت من أهم العوامل في تحقيق الطفرة الاقتصادية في ماليزيا. واختتمت مدير عام التخطيط التنموي بالمجلس الأعلى للتخطيط حديثها بالإشارة إلى " تقرير اكسفورد للأعمال، عمان 2016" الذي أكد على "أن اقتصاد السلطنة مهيأ للتوسع في الخدمات اللوجستية والسياحة حيث تبدي الحكومة العمانية التزاما بتنويع الاقتصاد الوطني".

تنويع قاعدة الإنتاج
من جانبه قال رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية الدكتور سعيد بن محمد الصقري إن التنويع الاقتصادي مهم في هذه المرحلة للمحافظة على مستوى الدخل ولاستدامة النمو الاقتصادي حيث تم تنفيذ العديد من البرامج المهمة لتنويع قاعدة الإنتاج الاقتصادي مثل إنشاء وتطوير وتوزيع المناطق الصناعية والمناطق الحرة على مختلف محافظات السلطنة، وانشاء بعض المشروعات الكبيرة مثل مصانع الألمنيوم والحديد والصلب والبتروكيماويات وجارٍ التركيز حاليا على توسعة وتحقيق التكامل بين المناطق الصناعية القائمة وإقامة مناطق صناعية جديدة، ويتم تشجيع قيام الصناعات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
واضاف أن القطاعات الخمسة المستهدفة في التنويع الاقتصادي قد تم اختيارها بذكاء فالسلطنة تتمتع بموقع جغرافي متميز يمكنها من ان تلعب دورا عالميا مهما في قطاع اللوجستيات وخدمة المواصلات والاتصالات البحرية العالمية خاصة وان كثيرًا من الدراسات الاقتصادية تؤكد أن الموقع الجغرافي والقرب من المنافذ البحرية ميزة حقيقية وثروة كبيرة وبما ان السلطنة تطل على بحر العرب مباشرة والمتصل بالمحيط الهندي، فيكون الاستثمار في القطاع اللوجستي منطقيا جدا حيث سينظم هذا القطاع عملية تدفق البضائع والطاقة والمعلومات وحتى البشر من منطقة الإنتاج إلى منطقة الاستهلاك ولا يمكن القيام بأي تجارة عالمية أو عملية استيراد وتصدير عالمية أو عملية نقل للمواد الأولية أو المنتجات الصناعية دون دعم لوجستي احترافي.
وأكد انه لا يمكن تحقيق نمو اقتصادي واستدامته دون أن تلعب الصناعة دورًا مهمًا في الإنتاج الكلي، فقطاع الصناعات التحويلية يتكامل بشكل طبيعي مع وجود قطاع لوجستي وحسب التقديرات التي تم الإعلان عنها، فقطاع الصناعات التحويلية يساهم الآن بحوالي 12 بالمائة في الناتج المحلي الاجمالي ووظف القطاع الصناعي حوالي 11 بالمائة من مجمل العاملين في القطاع الخاص في العام 2014.

التعدين
وقال الدكتور سعيد الصقري إن قطاع التعدين يأتي ضمن استراتيجية السلطنة لاستغلال الموارد الطبيعية وتصنيعها. واستغلال الثروة المعدنية يفتح فرصًا استثمارية متعددة يمكن من خلالها تنفيذ العديد من المشروعات التعدينية وغيرها بعدد من محافظات السلطنة حيث تم الاعلان عن اتفاقية لإنشاء شركة مساهمة عامة باسم شركة تنمية معادن عمان بين كل من الصندوق الاحتياطي العام للدولة والصندوق العماني للاستثمار وشركة النفط العمانية والشركة العمانية لتنمية الاستثمارات الوطنية برأس مال يبلغ 100 مليون ريال عماني وسوف تتكامل والشركة مع قطاع الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية وبالتالي سيكون لقطاع التعدين دور مهم في زيادة توفير فرص العمل وتعظيم حجم الفائدة في الناتج المحلي الاجمالي وتصدير المنتجات الصناعية مما يعزز ميزان المدفوعات ويزيد من مصادر الدخل. وأضاف أن قطاع السياحة يعتبر من القطاعات الواعدة وإذا أحسن استغلاله يمكن أن يوظف 50 بالمائة من الباحثين عن عمل من الآن وحتى نهاية الخطة الخمسية التاسعة وقد تم حتى الآن الاستفادة من 10 بالمائة من المقومات الطبيعية والحضارية للسلطنة.
وأوضح أن البيانات المنشورة بالكتاب الاحصائي السنوي لعام 2015 الصادر عن المركز الوطني للاحصاء والمعلومات اشارت الى ارتفاع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي للسلطنة لتسجل 2.2 بالمائة بنهاية العام 2014م مقارنة بـ2.1 بالمائة في العام 2013م وعليه ارتفعت القيمة المضافة المباشرة للقطاع السياحي في العام 2014م لتسجل 724 مليون ريال عماني ويوظف القطاع السياحي 3 آلاف عامل.

بيئة تشريعية
وقال إنه من أجل تنفيذ التنويع الاقتصادي بشكل واقعي فانه يتطلب من الحكومة ايجاد بيئة تشريعية متكاملة تشجع الاستثمار وتوفير البيئة الجاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي عبر تبسيط الإجراءات الإدارية، وتحسين ممارسة الأعمال، موضحا ان العديد من الدراسات والتقارير العالمية اشارت الى جملة من الامور التي تحتاجها السلطنة لتوفير مناخ مشجع وجاذب للاستثمار منها تقرير التنافسية العالمية الذي صدر في سبتمبر 2015 و أشار الى جملة من الإجراءات التي تستطيع السلطنة من خلالها زيادة قدرتها التنافسية كما اوصت مجموعة البنك الدولي بمراجعة قانون استثمار رأس المال الأجنبي بتكليف لجنة الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات
"اثراء" للعمل بشكل وثيق مع وزارة التجارة والصناعة.
وأضاف أن الامر يتطلب استغلال البنية الأساسية القائمة والمتمثلة في الشبكة الواسعة من الطرق، والموانئ، والمطارات، والمناطق الصناعية والمناطق الحرة التي تشكل قاعدة جيدة للانطلاق الاقتصادي وتسريع عملية النمو الصناعي عن طريق وجود عمالة ماهرة وقادرة على الإنتاج وايجاد أسواق تشتري مختلف المنتجات والخدمات الصناعية.
كما يتطلب الأمر، القدرة على تكييف وتطويع القدرات الانتاجية ومهارات العاملين لخدمة الانتاج الصناعي والقادرة على إدارة تدفق البضائع والطاقة والمعلومات والموارد الأخرى كالمنتجات والخدمات وحتى البشر من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك، ويتطلب الامر وجود مؤسسات مالية فعالة.
دور القطاع الخاص
واوضح انه من أجل ان يقوم القطاع الخاص بدور مهم في النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل لا بد من تحسين بيئة الأعمال بتسهيل الإجراءات وتوضيح القوانين والتشريعات وحفظ الحقوق، والإسراع في تنفيذ برنامج التخصيص والذي سيمكن القطاع الخاص من لعب دور أكبر في الإنتاج الاقتصادي، وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد وأهم مصدر توظيف للباحثين عن عمل، وتنشيط الاستثمار المحلي والأجنبي، وتبني مشروعات جديدة تتضمن شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص.
واوضح ان القطاع الخاص عليه ان يتحمل مسؤولياته كاملة بالاستثمار في مشاريع القطاعات الاقتصادية الخمسة (الصناعة التحويلية، النقل والخدمات اللوجستية، والسياحة، والثروة السمكية، والتعدين) وأن يساهم في التدريب والتأهيل وتوظيف عدد أكبر من المواطنين.