الأمال القاتمة لروسيا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠١/يونيو/٢٠١٦ ٠٠:٢٥ ص
الأمال  القاتمة لروسيا

أندرس آسلوند

إن الآفاق الإقتصادية لروسيا تبدو قاتمة بشكل متزايد ففي العام الفائت ساهم الإنخفاض الكبير في أسعار الطاقة والعقوبات الدولية بإنخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3،7%. لقد تراجعت الأجور الحقيقية في البلاد بحوالي 10% تقريبا ومن المتوقع هذا العام أن يستمر هذا الإتجاه السلبي حيث من المقرر أن ينخفض الإنفاق العام على التعليم والرعاية الصحية سنة 2016 بمقدار 8%.
إن محاولات الكرملين غير المنهجية في تنويع الإقتصاد الروسي قد فشلت إلى حد كبير وما تزال الإنتاجية العمالية منخفضة بشكل مزمن كما جفت منابع الإستثمارات سواء الخارجية أو المحلية وللإسف فإن من غير المرجح أن يحصل أي تحول إيجابي وطبقا للمعطياتالحالية فإن أسعار الطاقة الأعلى ورفع العقوبات لن تكون كافية لإعادة تنشيط إقتصاد البلاد الذي يعد في حالة إحتضار.
لقد قام نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال العقد الفائت بتهميش المؤسسات الضرورية لعمل أي إقتصاد حديث فالنظام القضائي على سبيل المثال في حالة يرثى لها إلى حد كبير وفوق ذلك كله فإن ملكية وإدارة الأصول والموارد الرئيسية هي تقريبا في أيدي الحكومة وفي واقع الأمر أشار صندوق النقد الدولي سنة 2012 إلى أن القطاع العام بشكل عام ساهم بحوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي وعلى الرغم من عدم توفر تقديرات مقارنة مفصلة للسنوات الفائتة فلقد كانت حصة القطاع العام في السنوات الأولى من العقد الفائت حوالي 30-40%.
إن الذي زاد من سيطرة الدولة على الإقتصاد الروسي هو إنتشار المؤسسات المملوكة للدولة والتي تصل إلتزاماتها الإجمالية إلى 150% من الناتج المحلي الإجمالي . لقد تم تأميم شركات في قطاعات الطاقة والبنية الأساسية والمصارف والتسلح وفي سنة 2014 شكلت الكيانات المملوكة للدولة أو تتحكم بها الدولة حوالي 70% تقريبا من دورة رأس المال و 85% من التوظيف في أكبر 15 شركة روسية وبالنسبة لإكبر 100 شركة كانت النسبة 54% و68% على التوالي والآن يشكل القطاع العام الموحد حوالي ثلث إجمالي التوظيف .
يتم التحكم في المؤسسات الروسية الكبيرة المملوكة للدولة بشكل عام – مع نقص كبير في الشفافية – من قبل إدارة يتم تعيينها من بوتين شخصيا حيث يتم إتخاذ الكثير من القرارات التجارية المهمة خلال إجتماعات على إنفراد بين بوتين والرئيس التنفيذي لتلك الشركة كما إن العديد من حالات الدمج والإستحواذ تتطلب الموافقة الشخصية للرئيس .
إن إنعدام الشفافية منتشر بشكل كبير فهناك قلة من الشركات المملوكة للدولة التي تقدم تقارير محاسبية تتوافق مع المعايير الدولية المتعلقة بالتقارير المالية والعديد لديها أعدادا ضخمة من الشركات الفرعية والتي يمكن أن تقلل من الفوائد التي تصل للمساهمين بينما تقدم الفرص للمدراء والأطراف المرتبطة بهم من أجل إثراء أنفسهم فشركة السكك الحديدية الروسية على سبيل المثال لديها أكثر من 23 ألف شركة فرعية وشركة جازبروم لديها أكثر من 4300 .
إن نقص المعلومات المفصلة يجعل من الصعوبة بمكان توثيق المحفظة الكاملة لإصول الدولة ناهيك عن إقامة نظام مراقبة فعال وشفاف. إن الوكالة المكلفة بإدارة ممتلكات الدولة (روسيماشيستفو )غير قادرة على التصرف كمساهم فعال ومسيطر.
إن روسيا بوتين تذكرنا بشكل متزايد بإندونيسيا آبان حكم الرئيس سوهارتو – نظام معقد من رأسمالية المقربين والأعوان بدون حقوق ملكية حقيقية . إن العديد من المقربين لبوتين قد إكتسبوا ثروات ضخمة من خلال علاقاتهم مع الشركات الحكومية . إن أحد طرق الإثراء هو الإستيلاء سرا على التدفقات المالية للشركات الحكومية وأخرى تتعلق بعلاقات النفوذ وذلك من أجل تأمين عقود بدون مناقصات أو شراء أصول حكومية مقابل مبالغ زهيدة .
لقد تم التلميح لحجم إقتصاد المقربين والأعوان في أوراق بنما ولكن حتى تلك المعلومات تعتبر قمة جبل الجليد فقط ففي سنة 2014 كان صافي ثروات أولئك الخاضعين للعقوبات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي يقدر بحوالي 17 مليار دولار أمريكي. إن بنك واحد فقط من البنوك التي تخضع للعقوبات لديه أصول تقدر بإكثر من 11 مليار دولار أمريكي.
إن هذا النظام يكلف الإقتصاد الروسي الكثير فهو نظام يفضل التربح على حساب نمو الإنتاجية. إن روسيا تمتلك بعض الشركات الخاصة الفعالة والديناميكية ولكن مساحة الحركة لتلك الشركات تتناقص بشكل سريع .
إن التجربة توحي بإن القطاعات العامة الكبيرة عادة ما ترتبط بالنمو الأقل من المعدل ومزاحمة الإستثمار في القطاع الخاص وفي واقع الأمر مع توسيع الشركات الحكومية الضخمة والعديد منها في أيدي المقربين والأعوان فلقد إنخفضت المنافسة بشكل كبير في قطاعات عديدة.
على الرغم من كل ذلك فإن إلتزام بوتين بالنظام الذي بناه هو إلتزام راسخ وثابت فحتى الإجراءات المقترحة لتحصيل الإيرادات –مثل تخصيص حصص الإقلية في 7 شركات تملكها الدولة- على الأرجح أن تتم بطريقة تحابي المقربين إليه.
إن جزء من التردد في التغيير يرجع لحقيقة أن بوتين يتمتع بشعبية كبيرة –إلى الآن-وبينما يستمر الإقتصادفي الإنهيار فإن هذا يمكن أن يتغير بسرعة كبيرة ويبدو أن بوتين يعترف بذلك حيث إنعكس ذلك على قراره – في توقع واضح للمتاعب - بإنشاء حرس وطني يبلغ تعداده 400 ألف من القوات شبه العسكرية ووضعه تحت قيادة الحارس الشخصي له منذ فترة طويلة.
نظرا لإعتماد النظام على شخصنة السلطة فإن من الصعب إيجاد طريق للتغيير ذو مصداقية يمكن بموجبه الإحتفاظ بصلاحيات بوتين والمقربين إليه. إن فتح الإقتصاد للمنافسة وتوسيع القطاع الخاص سيقوض نظام الثروة والسلطة الذي يتمتع به رفاق بوتين ولهذا السبب من المرجح أن تستمر متاعب روسيا الإقتصادية .

زميل في المجلس الأطلسي في واشنطن ، آخر مؤلفاته: في أوكرانيا: ما حدث من خطأ وكيفية اصلاحه