أنباء رائعة للإنسانية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠١/يونيو/٢٠١٦ ٠٠:٢٤ ص
أنباء رائعة للإنسانية

جاريث إيفانز
إن الأخبار السيئة تحاصرنا من كل جانب. فالعالَم يواجه احتمال وصول رجل مهووس جنسيا وعنصري ومطبق الجهل إلى البيت الأبيض في يناير المقبل. وفي روسيا والصين يتولى المسؤولية بالفعل حكام مستبدون يتمسكون بمعتقدات ومبادئ بالية. ويحقق الشعبويون بدرجات متفاوتة من القبح الفوز في الانتخابات من بولندا إلى الفلبين. ويطغى الخوف المرَضَي من الإسلام على مشاعر الرحمة والرأفة في كل البلدان تقريبا، بما في ذلك بلدي، الذي يتعين عليه أن يستجيب لأزمة اللاجئين الحالية. ويبدو أن ما وصفه إبراهام لينكولن في خطاب تنصيبه الأول بـ"ملائكة طبيعتنا الصالحة" قد غاب واختفى.
ولكن بين الحين والآخر، نشهد مواقف لأشخاص تعطينا سببا للأمل في انتصار اللياقة الإنسانية في نهاية المطاف. ولعل أربع قصص صادفتها مؤخرا تكون مفيدة بشكل خاص في تبديد بعض الكآبة السائدة. الواقع أن قصص هؤلاء الأشخاص، الذين أشيد بهم الشهر الفائت في يريفان بأرمينيا في إطار الاحتفال الافتتاحي بتوزيع جائزة أورورا لاستنهاض الإنسانية، تستحق من الاهتمام العالمي قدرا أعظم من ذلك الذي نالته في ذلك الوقت.
يتولى الأب برنارد كينفي، أحد المرشحين للجولة النهائية، قيادة بعثة مستشفى يخدم منطقة كبيرة في وسط جمهورية أفريقيا الوسطى. وعندما اندلعت الحرب الطائفية الشرسة بين المتمردين المسلمين والميليشيات المسيحية في مختلف أنحاء البلاد، فمزقت المجتمع الذي كان يخدمه، كان يعالج جراح المقاتلين ويخفي الضحايا من الجانبين من دون خوف أو تحيز. وكان يفعل ذلك لأشهر متوالية مجازفا بتعريض حياته لمخاطر هائلة، وقد هدده قادة الجانبين مرارا وتكرارا بدعوى أنه يساعد العدو.
ثم هناك سيدة غلام فاطمة، التي تدير جبهة تحرير العمالة المستعبدة من متجر في إسلام أباد عاصمة باكستان. وفي مناسبات عديدة ضُرِبَت ضربا مبرحا ــ وأُطلِق عليها الرصاص وصُعِقَت بالكهرباء ــ ورغم ذلك كافحت لعشرات السنين لتحرير العمال المستعبدين بحكم الأمر الواقع لأصحاب قمائن الطوب. ونجحت الجبهة في تحرير أكثر من 80 ألف باكستاني مستعبد، أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال.
وكان توم كاتينا الطبيب الوحيد الذي يخدم مجموعة من السكان يتجاوز عددهم نصف مليون شخص في جبال النوبة في جنوب السودان، والتي كانت منطقة حرب منذ عام 2011. ومع تحول قصف وتفجير المناطق المدنية إلى واقع شبه يومي، رَفَض كاتينا خيار الإخلاء الذي اتخذه مغتربون آخرون، فتقبل المخاطر واستمر في مزاولة عمله بلا هوادة طوال السنوات الخمس الفائتة لإنقاذ الأرواح ورعاية صحة عشرات الألوف من الرجال والنساء والأطفال.
وأخيرا، حاولت مارجريت بارانكايتس، البوروندية من عِرق التوتسي، إخفاء العشرات من جيرانها من الهوتو في إحدى الكنائس خلال الاضطرابات العنيفة الدموية في عام 1993. وعندما اكتُشِف المخبأ، جُرِّدَت من ملابسها وقُيِّدَت إلى مقعد وأُرغِمَت على مشاهدة قتلهم بالمِنجَل. ولم يردعها ذلك، فسارعت إلى إنقاذ الأيتام من أبناء القتلى ــ وكثيرين من أمثالهم. ثم بدعم من الجمعيات الخيرية المسيحية في لوكسمبورج، أنشأت مراكز ميزون شالوم، التي قامت بحماية ورعاية آلاف آخرين من الأيتام الذين فقدوا معيليهم بسبب الحرب والأيدز. واليوم، في ظِل المخاوف من عودة العنف والإبادة الجماعية مرة أخرى إلى بوروندي، تعمل بارانكايتس، التي تلقت تهديدات شخصية من قِبَل الحكومة الحالية، على إنشاء مركز استقبال في رواندا المجاورة لأولئك الفارين من البلاد.
الواقع أن أيا من هؤلاء الأربعة الذين يمثلون الترياق ضد الاستهزاء بالحياة يستحق الجائزة التي دخلوا تصفياتها النهائية ــ تماما كما كان كثيرون من المرشحين (186 مرشحا) من مختلف أنحاء العالم ليستحقوا الانضمام إليهم على خشبة المسرح. في النهاية، ذهبت الجائزة لماجي بارانكايتس، أو "أم بوروندي" ــ خاصة وأن أضواء الاعتراف بالجميل ربما تساعد في منع بلدها التعيس من الانزلاق إلى آتون الحرب الأهلية مرة أخرى.
تستمد جائزة أورورا اسمها من أورورا مارديجانيان، التي نجت من الإبادة الجماعية للأرمن في الفترة 1915-1917، وقد بذلت من الجهد ما لم يبذله أحد غيرها تقريبا للإبقاء على ذكراها حية في العقود اللاحقة. والجائزة من بنات أفكار رجل الخير الروسي الأرمني روبن فاردانيان. ويتلخص الغرض منها في حمل الناس على إدراك حقيقة مفادها أن الأشخاص العاديين، عندما يواجهون وحشية الإنسان في التعامل مع أخيه الإنسان، قادرون على حشد طاقات احتياطية غير عادية من الشجاعة والرحمة والالتزام، وبهذا يمكنهم أن يخلفوا أثرا كبيرا عندما يتعلق الأمر بإنقاذ حياة البشر.
إن هذه الجائزة، التي يفترض أن تُمنَح سنويا، لا تحمل للفائز بها 100 ألف دولار أميركي فحسب، بل وتنطوي أيضا على مبلغ قيمته مليون دولار يُقَدَّم لواحدة أو أكثر من المنظمات التي ستساعد في مواصلة عمل الفائز.
بوصفي عضوا في لجنة تحكيم الجائزة ــ وأنا أجلس جنبا إلى جنب مع حشد من الحائزين على جائزة نوبل للسلام ورواد العمل الإنساني المعترف بهم عالميا مثل ماري روبنسون، وفارتان جريجوريان، والمشاهير الأكثر أصالة مثل جورج كلوني ــ لا أستطيع أن أتظاهر بالتجرد والموضوعية التامة إزاء كل هذا. ولكن يبدو لي أنها مسألة وقت فقط قبل أن تكتسب جائزة أورورا مكانة قريبة من مكانة جائزة نوبل: فهي طريقة قوية لإدراك وتكريم إنسانيتنا المشتركة وكل ما هو كريم ولائق في حياة الإنسان. ونحن في احتياج إلى مثل هذا التأكيد في عالَم اليوم بقدر حاجتنا إليه في أي وقت مضى.

وزير خارجية أستراليا في الفترة من عام 1988 إلى 1996