من أسرار انحياز السلطنة للسلام

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠١/يونيو/٢٠١٦ ٠٠:٢٤ ص
من أسرار انحياز السلطنة للسلام

فريد أحمد حسن

"على أولئك الذين يفضلون الحرب على السلام أن يكونوا مستعدين لتقبل خسائر فادحة" . عبارة مهمة صرح بها معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي في أكثر من مناسبة وعبر عنها بأكثر من طريقة ويسعى من دون كلل ولا ملل إلى إقناع الآخرين بها ، فمن خلال هذه العبارة يؤكد بن علوي على سياسة السلطنة المنحازة إلى السلام في كل الأحوال واتخاذها موقفا سالبا من الحروب ومناوئا لها ، في كل الأحوال أيضا ، ومن خلال هذه العبارة أيضا يؤكد حكمة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ونظرته السديدة إلى الأمور ، فجلالته يؤمن بأن الحرب دمار ، وأنها كما جاء في معلقة زهير بن أبي سلمى "إلا ما علمتم وذقتم" .
حكمة صاحب الجلالة في هذا الخصوص تتلخص في أن الأفضل من الحرب دائما هو السلام ، وأنه يمكن بكلمة وبموقف شجاع إبعاد شبح الحرب عن المؤهلين للتورط فيها . ولعل السلطنة هي الدولة الأكثر تعبيرا عن مجسم البندقية المثناة فوهاتها والذي يقبع في مدخل مبنى الأمم المتحدة بنيويورك ويعبر عن الدور الأساس والأهم لهذه المنظمة الدولية .
سلطنة عمان ، هذه الدولة العصرية المرتكزة على تاريخ مليء بالمواقف الشجاعة اتجهت بقرار شجاع من قائدها وباني نهضتها منذ تولي جلالته مقاليد الحكم فيها نحو كل ما يعزز فرص السلام ، والوقوف في وجه كل ما يمكن أن يؤدي إلى الحرب ، بل الوقوف بقوة في وجه كل حرب ، فمن يفضل الحرب على السلام عليه أن يكون مستعدا لتقبل الخسائر الفادحة الناتجة عنها ، وليس هذا هو طريق سلطنة عمان التي تصر دائما على نقش بصماتها في مسيرة الحضارة الإنسانية وتصر على حق الإنسان في السلام (الحالة الوحيدة التي يمكن للسلطنة دخول الحرب فيها هي تعرضها للاعتداء من قبل دولة أو دول أخرى ، وبعدما تنفد كل وسائل منعها) .
سلطنة عمان مع السلام دائما وأبدا ، وهي ضد الحرب دائما وأبدا ، ولهذا فإنها لا تتردد أبدا أيضا عن العمل على إصلاح ذات البين والسعي لتقريب وجهات النظر بين أي دولتين تتوتر علاقتهما ، لتنتصر للسلام ولتضع حدا للحرب ، ولتمنع وقوعها إن لم تكن قد وقعت بعد .
كل من دخل حربا خسر ، وهو يعتبر خاسرا وإن حقق الانتصارات في ميدان المعركة ، فالحرب لا تنتهي بغرس علم الدولة المنتصرة على تلة مرتفعة ولا بخبر تتناقله الفضائيات ووكالات الأنباء ، وخسائرها لا تقتصر على الماديات ولا على الأرواح ، فهي لا تعد ولا تحصى ، ومن ذاق أهوال الحرب - مثل أهل العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا اليوم - يعرف أنها هي ما "علموا وما ذاقوا" .
من الأقوال المنسوبة للوزير بن علوي أيضا قوله "نحن العرب مسلمون ينبغي علينا أن نجد الأعذار لبعضنا البعض وأن نفتح أبواب الخير ونغلق أبواب الشر" وأن "الحرب لا تصلح شيئا" .
في هذا الخصوص توفرت الكثير من الدراسات التي بينت جوانب من المآسي التي تنتج عن الحروب ، كلها أكدت أنها "من أخطر أمراض الجنس البشري" وأنها "قديمة" ، وأن "مع تزاوج المؤسسة العسكرية والعلوم والتكنولوجيا ولدت الحرب من رحم العنف" ، وجميع الباحثين أكدوا أن "العنف لا يحرر الإنسان ولا يحل المشاكل بل يزيدها تعقيدا ، وأن العنف وصل اليوم إلى طريق مسدود وتخلى عنه العالم ، وأنه أسلوب فاشل في حل المشكلات" ، ف"العنف لا يفضي إلى السلام ولا إلى السعادة و ظاهرة العنف المرعبة مرض ثقافي وطاعون فكري" وأن الإنسان "كلما ازداد وعيا وعلما مال إلى حل المشاكل بالطرق السلمية ، والعكس بالعكس" .
أيضا من الأمور التي لم يختلف فيها الباحثون في مسألة الحرب والسلام هي أن "الحرب لا تنفجر من فراغ بل من أفكار وتصورات ومخاوف ، وأنها تبدأ في النفوس والرؤوس قبل استخدام الفؤوس ، وأنها تهدف إلى تحطيم إرادة الخصم وإلغاء الآخر وبالتالي ينشأ عنها وسط مشؤوم يولد فيه مرض الاستكبار والاستضعاف بين الطرفين ويفتح الباب لدورة العنف والعنف المضاد من جديد" . وحسب تعريف المعهد الفرنسي لعلم الحرب فإن "الحرب كارثة كبرى ذات ثمانية عشر وجها ، وأنها "هيمنة وتأكيد مبدأ المانوية وعدم الاعتراف بالغير بل وإنكار وجوده واندلاع العنف وغياب الحق والمخاطرة بحياة الإنسان وتدمير الثروات المتنوعة وتكريس جميع النشاطات للمجابهات الدموية وأفضلية اللامعقول على المعقول والمطلق على النسبي في إطار عقلي شمولي ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة والفوضى واشتداد الأزمات والدم والعرق والدموع واللقاء الحتمي مع الموت وانقطاع أحمق يبرهن على فشل العقل والقلب" ، وكل هذه الأمور تقف سلطنة عمان منها موقفا واضحا ورافضا .
في معلقته الشهيرة يصف الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى الحرب بالذميمة ، ويلخص رأيه فيها بأنكم "إذا أوقدتم نار الحرب ذممتم ، ومتى أثرتموها ثارت ، ومتى هيجتموها هاجت ، ويحثهم على التمسك بالصلح" .
ليست الحرب هي الطريق إلى حل المشكلات والنزاعات بين الدول والقبائل والعشائر والأفراد ، فالحرب تحرم البشر من السلام وتدمرهم ، ومن يختار هذا الطريق عليه أن يكون مستعدا للخسائر الفادحة ، كما يردد وزير الخارجية يوسف بن علوي ، وكما يؤكده النهج الذي اعتمده صاحب الجلالة السلطان المعظم فصار أساس السياسة العمانية في تعامل السلطنة مع جيرانها ومختلف دول العالم .
· كاتب بحريني