محمد بن سيف الرحبي
فلسفتي الحياتية محورها أن أتمسك بالتفاؤل قدر إمكاني، ووفق إمكانياتي في احتمال "المتذمرين" فإن غلبوني.. اعتزلتهم.
المتفائل يمنحني طاقة إيجابية لقراءة الحاضر والمستقبل بعين بصيرة، أما المتشائم فلا أراه إلا عابثا في بصري وبصيرتي، بما يحيلني إلى كائن شبيه به، حيث "لا يرى في الوجود شيئا جميلا".. وما أقساها من حياة حينئذ.
ولأنني أكمل (هذه الأيام) السنة الثامنة منذ بداية مقالي هذا، "تشاؤل"، الواقع في عنوانه بين التفاؤل والتشاؤم، فإنني أحتفي بمجموعة من التجارب الإيجابية التي أعطتني إياها رحلة امتدت يومين، بدأت من الحمراء، ولم تنته بها، حيث الأفكار معصرة لا تهرم، ولا تنهزم تحت ضغط المعطيات المعاصرة.. تصنع الجديد من مشروب الحياة كل يوم.
فاجأنا شاب التقيناه على مدرجات قرية مسفاة العبريين، يقول إنه لم يستفد من حركة السياحة على قريته، وأنه لامبال تجاه ما يحدث من خسران فرصة ربح يبحث عنها العالم حينما يضع مفردة السياحة على طاولته الاقتصادية.
يذهب السائح مثل ما جاء، لم يدفع ريالا يستفيد منه المجتمع المحلي لأن الأدوات المتاحة عاجزة عن تحقيق الفائدة، أو كما تسمى القيمة المضافة للسكان المحليين، مع أن الوفود السياحية تأتيهم مجموعات تتبع أخرى، وما أكثرها.
كانت للشاب مرئياته، وحساباته، وظروفه أيضا، لكن بموازاة ذلك مجموعة من الشباب آمنوا بفكرة وسعوا إليها، وناضلوا من أجلها. لم يكن الطريق مفروشا إلا بالعملية الروتينية المعتادة، لكن هزيمتها أول دلائل الانتصار على درب الأحلام الممكنة.
الفكرة إنشاء شركة أهلية، مفتوحة أمام جميع الراغبين في الدخول إلى "فوائدها" من الناس الذين يتزاحم السكان على قريتهم، سعوا لوضع ملامح الحلم على تربة "المسفاة"، أو الألون اللائقة على لوحة من الجمال المبهر شكّلت تلك القرية المدهشة.
زرت "المسفاة" عدة مرات، لكن هذه المرة شعرت أنها تحفة سياحية أعيد اكتشافها من خلال عقول الشباب التي تتحدث بحماسة وتفاؤل عن أفكار متحققة، وأخرى طور التحقق، بما يجعل القرية أمام حالة مختلفة من الحيوية في القريب العاجل.. حرّكوا الساكن في أكثر من مشروع متوقف سنوات طوالاً ينتظر خروجه من شرنقة الانتظار حيث الفعل الحكومي يعاني الركود والتأجيل المتواصل لما يصعب تأجيله.. والتسويف فيه.
كان حديثهم يمدّني بالأمل في سواعد شباب آمنوا أن الرزق متاح.. لمن يطلبه، ويمتنع عمّن يتمنّى على الله الأماني.. فلا يناضل. قلت لهم إن الله وهبنا الجوز لكنه يحتاج منا إلى تقشيره، هكذا هي فكرة الحياة، قسوة فكرة/ القشرة.. ولذة الوصول للهدف..
أقاموا مكانا لسكنى السياح، له إطلالته الساحرة، والمشروع ينتمي للمكان، يحقق فائدة لأصحاب الأرض، فهم فيه شركاء، لا مجرد متفرجين على حافلات السياح، يأتون ويذهبون، فلا يحصل منهم المجتمع بفائدة.. لأنه لم يقدم لهم ما يحفزهم على ذلك.. إنما وجدت شبابا ينطلقون وراء طموحاتهم.. ويعملون من أجلها.