كانت مدينة سولو في إندونيسيا تعاني من وجود 6000 بائع متجول يستغلون الفراغات العامة التي تشوهت بفعل التوزع العشوائي للباعة وصارت تفوح برائحة الأطعمة صباحا والنفايات مساء. وفي عام 2005 عندما انتخب جوكو ويدودو عمدةً للمدينة وجد نفسه بين خيارين: الاستجابة للضغط العام واستخدام القوة معهم، كما حدث في كاتماندو في النيبال إلى بلانتير في ملاوي، أو مراعاة حاجة البائعين ومصالحهم والتغاضي عن تشويههم للمدينة.
أما إخلاء حديقة بانجارساري التذكارية، التي يتمركز بها ألف بائع على الأقل، فلم يكن خياراً لمكانة الموقع التاريخية.. أعلن عن خطته لنقلهم من الحديقة قبل عيد الاستقلال، وما أن فعل حتى اندلعت احتجاجات رفع فيها الباعة المتجولون لافتات تقول "النضال حتى آخر حياتنا. نفضل الموت على الانتقال".
لم يدافع العمدة عن هيبة قراره ولم يمتعض من تحديه، بل تعهد ببناء أكشاك في موقع متاخم للحديقة، والتسويق لهذا الموقع بكثافة، كما تفاوض على مدار عام كامل مع الباعة لإقناعهم بالانتقال ودفع ضرائب وإيجارات محدودة بعد 6 أشهر من العمل. وفي يوليو 2006 اكتمل سوق (ماجيد) الذي كلفهم مليون دولار وحسّن الظروف المعيشية لآلاف العائلات، وتحول لمعلم سياحي للباحثين عن الأسواق الشعبية الرخيصة في إندونيسيا.
تجربة سولو مثال يُحتذى به في التعامل مع الباعة المتجولين الذين تحولوا في بلدان بعينها لمشكلة حقيقية لا تخلو منها الاجتماعات الوزارية كما هو حاصل في المغرب ومصر.
في سلطنة عمان هناك مشكلة متعلقة بباعة المشاكيك والمأكولات الذي يستغلون الفضاءات العامة للحصول على دخل إضافي دون عناء ولا تعقيدات. هذه الظاهرة أقلقت كلاً من البلدية ووزارة الصحة فنفذت المديرية العامة مؤخراً حملة وصفت بالمكثفة للتصدي للباعة المتجولين في السيب، بوشر، مطرح، قريات، العامرات، ومسقط.
تابع الكاتبة على التويتر:
Follow @lameesdhaif
حررت الجهات المعنية مخالفات ضدهم، وحجزت جميع المعدات والأدوات المستخدمة في الشيّ. وقد يرى البعض في ذلك شيئا من القسوة لكنك واقعا قد تتغاضى عن استغلال الملكيات العامة، وقد تجد تشويه الطرقات أمرا مقبولا، لكنك لا شك لن ترضى ببيع لحوم ومواد غذائية في حلّ من الرقابة الصحية.
في قضية كهذه ليس هناك ضحايا. فمن حق الدولة أن تحفظ جمالية طرقاتها ومن واجبها حفظ صحة رعاياها. وعلى الطرف الآخر لا يجد بعض المعسرين منافذ لزيادة دخلهم إلا تلك السبل البسيطة القائمة على بيع المنتجات الزراعية والخردوات البسيطة فضلا عن الأطعمة.
في ساحل السيب، بمحاذاة الشاطئ، لمحت يوما مجموعة من 5 أكشاك إسمنتية مخصصة للشوي والبيع. لا أعرف إن كانت قد بُنيت بمعية البلدية أم هي مواقع تجارية خاصة، وأيا كانت فهي فكرة حسنة ومن الملائم تعميمها على بعض مواقع التجمعات. ففي وجود مواقع منظمة ومخصصة للباعة المتجولين خدمة مزدوجة لهم وللمستهلكين أيضا الذين يُؤثر بعضهم الشراء من الباعة المتجولين – لا تعاطفا معهم فحسب – بل لأنهم يبحثون عن شيء مختلف عن ذاك الموجود في المحال التجارية.
ولنتذكر أن بعض المشاكل تحتاج لأفكار خلاقة تخرج كل الأطراف منها.. منتصرة.