المرأة الأولى سابقا في كوت ديفوار.. أمام القضاء

الحدث الثلاثاء ٣١/مايو/٢٠١٦ ٢٣:١٥ م

كيب تاون - - وكالات

مثلت سيمون جباجبو المرأة الأولى سابقاً في كوت ديفوار أمام المحكمة أمس الثلاثاء لمحاكمتها في قضية ارتكاب جرائم مزعومة ضد الإنسانية خلال أزمة ما بعد الانتخابات 2010-2011.

ويشار إلى أن الاضطرابات الدموية التي أعقبت انتخابات 2010 أسفرت عن مقتل أكثر من 3000 شخص. وعلى الرغم من خسارة الرئيس حين ذاك لوران جباجبو، زوج سيمون، إلا أنه رفض ترك المنصب للرئيس الحالي الحسن واتارا.

وتمت محاكمة سيمون في أبيدجان، العاصمة الاقتصادية لكوت ديفوار، في الوقت الذي تتم فيه محاكمة زوجها أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لاتهامه بارتكاب التهم نفسها.
وكانت المحكمة العليا في أبيدجان قد رفضت في 27 ‏مايو الجاري استئناف سيمون للحكم الصادر بحقها العام الفائت بالسجن 20 عاماً لإدانتها بتقويض أمن الدولة خلال أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات. وقد تمت محاكمتها بجانب 78 آخرين متورطين في الأزمة.

قطع الطريق

مثول سيمون جباجبو أمام قضاء بلادها في أبيدجان جاء بهدف قطع الطريق على المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب بتسليمها.

وكان القضاء في ساحل العاج حكم على سيمون جباجبو بالسجن عشرين عاماً بعد إدانتها بـ «المساس بأمن الدولة». وهي حالياً مسجونة في أبيدجان.
وسيمون جباجبو متهمة بارتكاب «جريمة ضد الإنسانية» و«جرائم ضد أسرى الحرب» و«جرائم ضد المدنيين» خلال الأزمة التي تلت الانتخابات في 2010 و2011، كما ورد في مذكرة إحالتها على المحكمة في أبيدجان.

وأدت هذه الأزمة إلى سقوط أكثر من ثلاثة آلاف قتيل خلال خمسة أشهر. وقد نجمت عن رفض جباجبو الاعتراف بفوز خصمه الحسن واتارا في الاقتراع الرئاسي في نوفمبر 2010.

وسيمون جباجبو (66 عاماً) ملاحقة أيضاً من قِبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية». لكن أبيدجان ترفض نقلها إلى لاهاي وتؤكد أنها قادرة على تأمين مقاضاة نموذجية على أراضيها.
وقال ماتوران ديرابو أحد محامي سيمون إن «هذه الاتهامات مفبركة بالكامل لإرضاء ما يسمى الأسرة الدولية. هذا مؤسف! كفى!». وأدان الاتهامات الموجة إلى موكلته.
وأكد ديرابو أحد أهم محامي نقابة المحامين في ساحل العاج أنه ينتظر «الأدلة» التي ستُقدم في هذه المحاكمة التي سيشارك فيها «25 شاهد اتهام» وستستمر طوال ‏يونيو.

خارج اللعبة

وقال جويل نجيسان الناطق باسم تجمع الجمهوريين، حزب الرئيس واتارا، إن هذه المحاكمة الثانية «ليست قضية إضافية». وتساءل «ما سبب ورود اسم هذه المرأة في قضايا جرائم حرب وما هو الدور الذي لعبته لدى زوجها؟».

وتابع أن «سيمون جباجبو تدخلت بتهور في أوساط الدفاع والأمن حيث كان لها تأثير على أشخاص يشتبه بارتكابهم جرائم».
وكانت سيمون جباجبو مثلت في التاسع من مايو لدى افتتاح جلسات المحكمة الجنائية.
وصفّق لها مؤيدوها الذين حيتهم من قفص الاتهام. وفي نهاية الجلسة قبلت عدداً كبيراً من الزوار لكنها رفضت الإدلاء بأي تصريحات للصحفيين.
وتفتتح محاكمة جباجبو هذه التي تعد من أهم أطراف الأزمة التي تلت الانتخابات، بعد خمسة أيام على رفض المحكمة العليا في ساحل العاج الطعن في الحكم الذي صدر عليها من قِبل بالسجن عشرين عاماً وأصبح نهائياً.
ويفترض أن تسمح هذه المحاكمة الجديدة بقطع الطريق على المحكمة الجنائية الدولية التي تحاكم حالياً الرئيس السابق لوران جباجبو والوزير السابق للشباب شارل بلي جوديه. وقد طالبت مراراً بتسليمها سيمون جباجبو من دون جدوى.
وكان الرئيس واتارا أكد مطلع فبراير أنه «لن يرسل بعد الآن مواطنين من ساحل العاج» إلى المحكمة الجنائية الدولية، مؤكداً أن بلاده بات لديها «قضاء فاعل».
وقال قاضٍ في محكمة الاستئناف إن «المخالفات التي تلاحق بموجبها في أبيدجان هي نفسها الموجهة من قِبل المحكمة الجنائية الدولية. ومبدأ المحكمة الجنائية الدولية هو إما أن تحاكموا الشخص أو تقوموا بتسليمه لنا».
والمعسكران مسؤولان عن ممارسات خلال الأزمة في 2010 و2011 لكن لم يحاكم أي مسؤول من معسكر واتارا حتى الآن مما يدفع المعارضة إلى وصف الاتهامات بأنها جزء من «قضاء المنتصرين».

سيدة حديدية

سيمون إييفيت جباجبو، الزوجة الأكبر من اثنتين لرئيس ساحل العاج تثير في النفوس الإعجاب والرهبة في الآن نفسه. وهي على هذا النحو مثيرة للجدل بقدر لا يقل عن ذلك الذي يثيره زوجها لوران الذي أصر على البقاء في السلطة رغم حمام الدم.

لا شك في أن سيمون جباجبو، السجينة في قصرها الرئاسي مع زوجها الرئيس المدحور انتخابياً وعسكرياً ومع ضرّتها، تأمل في معجزة تنقذ هذه الأسرة في اللحظة الأخيرة.
فمنذ أن خسر زوجها انتخابات العام الفائت رأى الناس شراستها تتنامى بشكل مخيف وهي تهاجم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى حد تسميته «الشيطان»، وأيضاً الحسن واتارا الذي فاز بتلك الانتخابات وتحاصر قواته قصرها حالياً حيث أطلقت عليه لقب «قاطع الطريق».
والعام الفائت ألقت سيمون خطاباً أمام تجمع جماهيري قائلة: «الرب معنا.. الرب إلى جانبنا.. الرب يقدم لنا النصر على أعدائنا». وبالنسبة لأنصار جباجبو فإن سيمون هي «مامان» (هيلاري كلينتون الاستوائية). أما بالنسبة للمتأدبين من خصومها فهي «المرأة الحديدية»، ولغيرهم فهي «المرأة الدموية».

مشاعر متضادة

مما لا شك فيه أن سيمون امرأة محرّكة لمشاعر متضادة، تبعاً لصحيفة «جارديان» البريطانية. فقيل إنها تحرك في النفوس الإعجاب والرهبة في الوقت نفسه، وإنها قائدة نقابية ماركسية شيوعية ومسيحية متدينة في آن.. وإن الناس منقسمون إلى فريقين أحدهما يعتبرها «غامضة ومليئة بالأسرار» والآخر يصفها بأنها «مثيرة للضيق».. امرأة إما تجتذب المرء كليّة إليها أو تنفّره تماماً منها.

ولدت سيمون إييفيت العام 1949 وهي واحدة من 17 ابناً لدركي راح يتزوج المرأة تلو الأخرى بعد وفاة والدتها. ونشأت في بيئة كاثوليكية محافظة ثم مضت لدراسة التاريخ والأدب وعلم اللغة في الجامعة.. لكن السياسة هي التي استحوذت عليها تماماً في نهاية المطاف.

مقام أعلى

بعدما أسست، مع لوران جباجبو، الحزب الذي صار فيما بعد الجبهة الشعبية العاجية» (إف پي آي) اعتقلتها قوات الأمن وألقت بها في غياهب السجون التي قيل إنها عُذبت فيها، بسبب نضالها من أجل التعددية الحزبية في بلادها في سبعينيات القرن الفائت.

وعندما تسلم جباجبو السلطة العام 2000، أوضحت سيمون للعالم بجلاء أنه ليس الوحيد الذي يمسك بزمام الأمور في البلاد. فأغدقت على أقاربها وأصدقائها المناصب الحكومية ودبّرت أمر انتخابها إلى البرلمان وأعلنت نفسها رئيسة لكتلة الحزب الحاكم البرلمانية. وقالت وقتها في لقاء مع مجلة «ليكسبريس» الفرنسية: «كل الوزراء يحترمونني ويعتبروني أعلى مقاماً منهم.. حقاً».

اتهامات خطيرة

في ما بعد وضعت الأمم المتحدة سيمون على لائحتها السوداء التي تضم أسماء أولئك الذين تشك في قيامهم بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بما في ذلك إصدارها الأوامر لرئيس حرسها الشخصي بتنفيذ اغتيالات بحق المعارضين. وإضافة إلى هذا فقد خضعت للتحقيق مرتين حول اختفاء صحفي فرنسي - كندي يدعي جي - اندريه كيفر في 2004 كان يعد تقريراً في أبيدجان عن الفساد السياسي. وكان قد شوهد آخر مرة وهو في طريقه للاجتماع مع صهرها ميشيل ليجريه.

وقد زُعم - بدون دليل ملموس - أن جهاز الاستخبارات العاجي الداخلي متورط في اختفاء كيفر (ومقتله المفترض) وأن هذا حدث بعلم سيمون رغم أن لا أحد يتهمها بالتورط في الأمر مباشرة.

حالة أفريقية فريدة

في 2006 قالت مجلة «جين آفريك»، التونسية المهتمة بالشؤون الأفريقية والناطقة بالفرنسية، إن سيمون «سيدة أولى ولكن ليس كبقية السيدات الأوليات». وقالت إنها تؤدي دوراً سياسياً غير عادي في ظل زوجها الرئيس، بما يجعلها «حالة فريدة في أفريقيا المعاصرة».

وقالت المجلة، إنصافا لها، إنها - على عكس عقيلات الساسة - تنفر من البذخ والفنادق الغالية وتفضل شراء ثيابها من الإنتاج المحلي بدلاً عن التسوّق لأجل الـ«اوت كوتور» والحلي في متاجر علية القوم الباريسية. ونقلت المجلة عن الدبلوماسيين الغربيين قولهم إنها تنفر أيضاً من الطبخ وأعمال ربة المنزل الأخرى؛ لأنها تشتغل بالسياسة منذ الصباح الباكر إلى الليل المتأخر.

بنفسجة رقيقة

رداً على منتقديها العديدين وخاصة أولئك الذين يقولون إنها تشيع الرهبة في نفوس الساسة والعامة، أصدرت سيمون كتاباً في محاولة لتبديد ما يقال عن أنها امرأة من نار. وقالت إن كل هذا محاولة من الإعلام الدولي لصبغها بالشيطانية، وإنها في الواقع «بنفسجة رقيقة» على حد قولها.