مسقط - إسلام سمحان - زينب الهاشمية
شهدت الفترة الفائتة وقوع عدد من جرائم القتل ارتكبها جناة في أقرب الناس إليهم، وكون أن هذا السلوك الجرمي نادراً ما يقع في مجتمعاتنا فقد تسببت تلك الجرائم بصدمة أثارت العديد من الأسئلة سنحاول الإجابة عنها في السطور التالية.
تقول المتخصصة في العمل الاجتماعي بجامعة السلطان قابوس أسماء بنت عامر الصواعية: إن المجتمع يشتمل على أنساق كثيرة تتداخل فيما بينها وتؤثر وتتأثر ببعضها البعض، فنسق الأسرة يؤثر في المجتمع ككل ويتأثر بما حوله من الأنساق بما فيها النسق البيئي، فالبيئة المحيطة بالأسرة وأفرادها تؤثر عليها بشكل واضح بحكم التداخل بينهما.
وفيما يتصل بموضوع الجريمة تقول الصواعية: لا يمكننا أن نعطي حكم مطلق بأن المجتمع يسهم في ازدياد الجريمة أياً كان نوعها ما لم يكن هناك استعداد لدى الفرد أو مجموعة من الأفراد نتيجة لظروف بيئة الأسرة سواء كانت اجتماعية أو نفسية أو اقتصادية أو مجموعة من العوامل تجتمع معاً لتولد الدافع أو الاستعداد لارتكاب الجريمة، وقد يسهم المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر في انتشار الجريمة، فعلى سبيل المثال تكرار مشاهد القتل والعنف على قنوات التلفاز أو المواقع الإلكترونية وتناول أخبار الجرائم وكيفية حدوثها وشيوعها بين أفراد المجتمع قد يلعب دوراً في إيجاد الوسيلة أو حتى التخطيط للجريمة والهروب من مسرح الجريمة وبالتالي انتشارها. وكذلك اقتناء الأسلحة في المنازل ووضعها في متناول اليد أو إيجاد أدوات قد تشكل خطراً على الحياة قد تسهل توفير أداة جريمة القتل ليس للكبار فحسب وإنما قد تصل في متناول يد الأطفال أو الشباب في مقتبل العمر، وقد يستخدمها في لحظة غضب أو طيش أو حتى لمجرد التجربة واللعب ويتسبب في إيذاء نفسه أو المحيطين به.
وأضافت الصواعية: قد يغفل الكثير منا المصطلحات التي يتناولها أفراد المجتمع كلغة التهديد أو التحذير سواء كان للأبناء أو الخصوم، فعلى سبيل المثال قد يوجه ولي الأمر ابنه للدراسة ويحذره من الرسوب وفي حالة الرسوب فإنه سيتلقى العقوبة البالغة وقد تتمثل في الضرب المبرح أو الربط في مكان مقفر أو مهجور... إلخ، وهذا بحد ذاته يعطي إيحاءً للأبناء بسلوك الغضب اللاواعي وإن كان هدف ولي الأمر مصلحة الأبناء. وكذلك شيوع بعض الألفاظ بين بعض الأشخاص وإن كان من باب المزاح بقولهم (إن عملت كذا سأقتلك.... إلخ)، فقد يعي الكبير عدم صحة العبارة واقعاً ولكن وقعها كبير إن التقطتها مسامع الأطفال، فهل سنلقي باللوم عليهم إن ارتكبوا جريمة القتل مثلاً؟!
الأمر الآخر الذي ينبغي النظر إليه هو كثرة انتشار القوى العاملة السائبة الوافدة وإقامتها في الأحياء والتجمعات السكنية والتستر عليهم تحت عباءة الطيبة واللطف دون رقابة عليهم، وترك الأطفال يلهون خارج المنزل دون رقابة أسرهم، وقد يطول الأمر لمعرفة الوافد بالتفاصيل الدقيقة الخاصة بالسكان الذين يجاورهم سواء من خلال علاقته بالأطفال أو حتى عاملات المنازل وبالتالي استغلال الظروف التي تمكنه من ارتكاب جريمته بكل سهولة ويسر.
أما فيما يتعلق بدور المجتمع في الحد من انتشار الجريمة فتقول الصواعية: هو دور تكاملي ينبغي أن يعيه الجميع من أجهزة أمنية واجتماعية وتربوية ودينية وإعلامية وثقافية وإيجاد الآليات المناسبة للحد من العوامل والأسباب المؤدية لانتشار الجريمة بشكل عام وجريمة القتل على وجه الخصوص.
بدوره قال د. عبدالفتاح الخواجه من قسم التربية والدراسات الإنسانية بجامعة نزوى حول الدوافع التي تدفع الإنسان لارتكاب الجرائم وخاصة جريمة القتل، وهل يكون الإنسان في وعيه أثناء ارتكاب الجريمة؟ فيجيب: تتأثر سلوكيات الجريمة عند الفرد بظروف التنشئة الأولى، حيث تعتبر الأسرة من أقوى العوامل التي تساهم في تكوين شخصية الإنسان وتؤثر في توجيه سلوكه وتحدد مستقبله ويرسب في ثنايا شخصيته ما يدور أمامه في الأسرة من أحداث، وينطبع في مشاعره ما يتلقاه من قسوة أو حنان أو رقة وعناية أو إهمال. ومن نافلة القول أن يكون التفكك الأسري ماديا كان أم معنويا ذا دور بارز في بروز الظاهرة الإجرامية، فالمناخ الأسري والمدرسي الملائم يغذي روح الانتماء للجماعة في حين عندما يكون المناخ غير ملائم فإنه يبعث على النفور وعدم الحوار وعدم تقبل الآخر، وأن الذي يدفع الفرد لارتكاب السلوك الجرمي يرجع لعوامل متعددة منها: قلة الوازع الديني وضعف الإيمان بسبب التشتت الأسري والقيمي والأخلاقي، والأثر السلبي للأقران ولعالم الإنترنت والإعلام والأفلام والغزو الفضائي الذي لا تخلو برامجه وأفلامه من مشاهدات للعنف بأشكاله ومن ثم التقليد والمحاكاة لما يشاهد، وضعف الأدوار الإيجابية في التربية والتنشئة منذ المراحل الأولى، و»الشلة» والزمرة الفاشلة ومصاحبتها والتأثر بها، والإحباطات المتنوعة، وعدم امتلاك الفرد المرتكب للجريمة لمهارات التواصل والحوار المناسبة، والاضطرابات النفسية، والمخدرات والكحول وغيرها من مذهبات العقل.
وأشار د. الخواجه إلى أن الفرد قد يكون مسؤولا عن أفعاله وتصرفاته بنسبة عالية وخاصة بعد وصوله إلى سن الرشد أي بعد 18 عاما، والقانون لا يستثني الأفراد المرتكبين للجرائم إلا لظروف محددة كثبوت الاضطراب والاختلال النفسي، فالفرد مسؤول عن جريمته، ومع ذلك فإن العوامل التي تؤدي إلى ارتكاب الفرد لجرائم مثل قتل الأب أو الأم والأطفال ترجع إلى ضعف شديد في المنظومة الأخلاقية والعقائدية لدى الفرد، وبالتالي تسول له نفسه ارتكاب الجريمة ظنا منه أنه ممكن أن يفلت من العقوبة بإخفاء وإنكار فعلته، أو ينتقم لأمر لا يقارن بسوء فعلته.
وبين د. الخوجه: من التصنيفات السيكولوجية أيضا ما يعنى بالذات ويتخذ من اضطرابها النفسي والعقلي العضوي أو الوظيفي وما تحتويه من تكوين نفسي مضاد للمجتمع العنصر المميز للمنحرفين، مثل تصنيف ألكسندر حيث قسَّم الأحداث إلى ثلاث فئات هي:
الأحداث ذوو التكوين النفسي المضاد للمجتمع: ويرجع سلوكهم الانحرافي إلى الضغوط البيئية، الضغط الانفعالي، الاضطرابات والصراعات العصابية والتي من نتيجتها ارتكاب الجرائم القهرية، كهوس السرقة.
الأحداث الذين يعانون من الاضطرابات العقلية العضوية:
ويرجع سلوكهم الانحرافي إلى الاضطرابات التسممية بتأثير الإدمان، والاضطرابات العضوية، الاختلاف الوظيفي للمراكز العصبية.
الأحداث الذين يعانون من الاضطرابات العقلية الوظيفية: وهؤلاء يرجع سلوكهم الانحرافي وأفعالهم الإجرامية إلى عدم قدرة الذات على ضبط الدوافع الفطرية الغريزية. وعدم القدرة على التميز بين الواقع والخيال.
وأضاف د. الخوجه: يميل بعض علماء النفس والأطباء النفسيين (الأمراض العقلية) إلى تقسيم الأحداث المنحرفين إلى ثلاث أنماط هي:
1 - حدث العصابة: الحدث من هذا النمط هو الذي طبع اجتماعيا على الاتجاه الانحرافي الشاذ وهو النوع السائد بين الأحداث المنحرفين مثله، على استعداد للقيام بأي عمل من أجل الجماعة التي ينتمي إليها ويتميز هذا النمط بالخصائص الآتية:
- الصداقة مع أمثاله المنحرفين.
- يمارس نشاطه المنحرف مع الجماعة من أمثاله.
- له صلة بعصابات المنحرفين، يقوم بدور إيجابي في هذه الجماعة المنحرفة، يحاكي أسلوب حياتهم، يكثر من التردد على دور اللهو والفساد.
2 - المنحرف العرضي:
هذا النمط ينحرف ويقبض عليه لارتكابه ما يخالف القانون نتيجة لسوء تقديره للموقف أو لمشاكل اعترضت طريق نموه السوي، أي أن الحدث يكون عادة سويا في تكوينه النفسي غير أنه لم يقدر خطورة ما قام به.
3 - المنحرف العصابي:
يكون الانحراف في هذه الحالة نتيجة لصراع يتم التعبير عنه بسلوك منحرف، والمنحرفون من هذا النمط من أبناء الطبقات الممتازة اجتماعيا ولا يمكن أن يعزى انحرافهم إلى الأسباب الاجتماعية المعروفة مثل الفقر أو الجيرة السيئة.
وحول حكم القتل في الإسلام قال باحث فتوى أول الشيخ عبدالله السليمي: إن الله تعالى وهب الخلق الحياة وجعلها وعاء لصنوف النعم صغيرها وكبيرها دقيقها وجليلها، وأمره بعبادته وطاعته، فلا تجوز أذيّة المؤمن وإلحاق الضرر به ولا بماله ولا بعرضه، فقال: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه»، وقال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، فكيف إذا كان الضرر اللاحق بالمسلم هو القتل الذي يقطع عنه سيل النعم المتدفقة عليه، ويزهق روحه التي بها يناجي ربه ويتضرع لخالقه؟ لذلك شرع الإسلام من الأحكام ما يكفل حفظ النفس ورعايتها وبقاءها، وحرم قتلها وإتلافها فقال: «وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ»، وقال: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» بل إنه جعل قتل النفس كقتل الناس جميعا فقال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».
وقد حدد الإسلام الحالات التي يمكن أن يقتل في المرء، وهي «النفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة» ولا يكون ذلك إلا بيد الحاكم المسلم، فليس لأحد أن يتصرف من تلقاء نفسه ليقتل من يظن أنه مستحق للقتل، كما أنه ليس له أن يقتل أحد لأي سبب آخر من الأسباب، فالذي يفعله كثير من الناس من تكفير غيرهم من المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم يعد ذلك أمرا لا يقره الشرع ولا يقبله الإسلام أبدا، بل إن إخراج أحد من جامعة الإسلام إلى الكفر بغير بينة ودليل واضح إلا أوهام وتصورات خاطئة يعد كبيرة من الكبائر قد يخرج بها المرء من الإسلام، ففي الحديث: «من قال لأخيه يا كافر، فقال له: أنت الكافر، فقد باء بالكفر أحدهما».
وكما لا يجوز قتل الغير فلا يجوز قتل النفس كذلك، فالمرء مخلوق لعبادة الله تعالى وامتثال أوامره، ولا يملك المرء نفسه حتى يستطيع قتلها، لذلك يحرم الانتحار وقتل النفس بأي طريقة كانت، ففي الحديث من طريق أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسّى سما فقتل نفسه فسُمُّه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا».
وينبغي التنبه أن غير المسلم كالمسلم من حيث حرمة قتله في الأصل، فلا يجوز قتل نفس بشرية مهما كانت إلا بحق، والآية السابقة لم تقيد النفس بكونها مؤمنة بل أطلقت ذلك في كل نفس، فلا يجوز الاعتداء على غير المسلمين المسالمين الذين لم يعتدوا علينا ولم يتعرضوا لنا بسوء، بل يجب علينا معاملتهم بالحسنى، فالله تعالى يقول: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».
وحول دور الجهات المعنية والدينية في الحد من الجرائم قال الشيخ السليمي: ينبغي أن نعلم أولا أن مسؤولية الحد من الجرائم مسؤولية المجتمع بجميع أجهزته وأفراده، فيجب عليهم جميعا أن يتكاتفوا من أجل قطع الطريق على الفساد وما يأتي منها من جرائم وفواحش، ولا تنحصر هذه المسؤولية في بعض الأفراد دون بعض أو بعض الجهات دون بعض، للحد من الجرائم ينبغي اتخاذ مجموعة من التدابير العامة والخاصة. فمن التدابير زرع مبادئ الخير والصلاح في نفوس الأفراد وتنمية القيم والأخلاق، والسعي على تربية النشء تربية صالحة مستقيمة، ويكون ذلك في صياغة مناهج التعليم في المدارس والجامعات بما يحقق الهدف المنشود، كما ينبغي للجهات المعنية أن تكفل للناس حقوقهم وتوفر لهم احتياجاتهم، فكثير من الجرائم منشؤها شعور المجرم بالنقص والحرمان الذي قد يحصل عليه غيره من الناس.