إعادة اكتشاف السياسة المالية في مجموعة الدول الصناعية السبع

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣١/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٤٥ ص
إعادة اكتشاف السياسة المالية في مجموعة الدول الصناعية السبع

جيفري فرانكل

فيما يجتمع زعماء مجموعة الدول الصناعية السبع في اليابان، تأتي هشاشة الاقتصاد العالمي على رأس الهموم. ولكن بدلا من التركيز على حروب العملة، ينبغي لقادة الاقتصادات المتقدمة الكبرى أن يناقشوا السياسة المالية، والتي تشكل في ظل الظروف الراهنة أداة أكثر قوة من السياسة النقدية لتعزيز النشاط الاقتصادي. فاليوم، وعلى النقيض من الحال في الأوقات العادية، لن تكون تأثيرات السياسة المالية مقيدة بأسعار فائدة مرتفعة أكثر مما ينبغي، أو نقص الطلب الخاص، أو القيود الصارمة في ما يتصل بالقدرة، أو التضخم المفرط.
يستبعد الاقتصاديون السياسة المالية إلى حد كبير لأنها "مقيدة سياسيا". ولكن هذا ليس سببا وجيها للتخلي عنها. بل على العكس، إذا كانت العملية السياسية تنتج سياسات مالية تنطوي على مشاكل معقدة، كما هي الحال اليوم، فهذا سبب أدعى لكي يعبر الاقتصاديون عن مخاوفهم.
كانت السياسة المالية النشطة في أوج قوتها قبل نصف قرن من الزمن. فكانت أغلب الدول المتقدمة تلاحق نهجا معاكسا للتقلبات الدورية، فتكبح جماح الإنفاق أو تزيد الضرائب خلال فترات التوسع الاقتصادي وتوظف السياسات التحفيزية خلال فترات الركود. والواقع أن مقولة "جميعنا أتباع كينز الآن"، والتي تُعزى إلى ميلتون فريدمان في عام 1965 وريتشارد نيكسون في عام 1971، عبرت عن روح العصر الاقتصادية.
ولكن بعد عام 2000، بدأت بعض الدول تلاحق سياسات الميزانية المسايرة للتقلبات الدورية. فعندما كان الاقتصاد مزدهرا، كانت هذه الدول تنفذ برامج الحوافز المالية، فتعزز بالتالي الاتجاه الصاعد. وعندما كان الاقتصاد يشهد انكماشا، كانت تلاحق برامج التقشف المالي، فتتسبب بذلك في تفاقم الركود.
كان بعض الساسة الأميركيين بين أولئك الذين تصرفوا على نحو مساير للتقلبات الدورية. ففي مطلع هذا القرن، أهدر الرئيس جورج دبليو بوش الفوائض المالية الكبيرة التي ورثها من بِل كلينتون، فاستن تخفيضات ضريبية كبيرة وزيادات سريعة في الإنفاق حتى في الفترة من 2003 إلى 2007، مع اقتراب الاقتصاد من ذروته. وقد ساعده وحرضه على ذلك رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ألان جرينسبان، الذي اعتبر الفوائض تهديدا. وخلال تلك الفترة أعلن نائب الرئيس ديك تشيني أن الرئيس السابق رونالد ريجان أثبت أن "العجز لا يهم".
شَعَر قادة الولايات المتحدة المثقلون بالديون بأنهم أقل قدرة على استنان التحفيز المالي المطلوب بشدة عندما بدأ الركود العظيم عام 2007. وقد أدرك الديمقراطيون أنه أداة ضرورية، ولكن الجمهوريين قرروا في الوقت غير المناسب تماما أن العجز أمر سيئ في نهاية المطاف.
في يناير 2009، عندما كان الاقتصاد في انكماش، صوت الجمهوريون ضد خطة الرئيس باراك أوباما للتحفيز المالي. ولحسن الحظ، تم تمرير السياسة رغم ذلك، فأسهمت بشكل كبير في عكس اتجاه السقوط الحر. ولكن بمجرد استيلاء الجمهوريين على مقاعد مجلس النواب في عام 2010، تمكنوا من منع محاولات أوباما الأخرى لتحفيز الاقتصاد الذي كان لا يزال ضعيفا.
ثم هناك أفضل ممثل للتحول بعد بداية الألفية الثالثة إلى السياسة المالية المسايرة للتقلبات الدورية: اليونان. فكما فعل بوش، أدارت اليونان عجزا مفرطا في الميزانية عندما كان الاقتصاد في رواج، في الفترة من 2003 إلى 2008. وفي عام 2010، في مواجهة أزمة ديون طاحنة، أذعنت اليونان لدائنيها الأوروبيين وتبنت التقشف الصارم، الذي أدى إلى تفاقم الانكماش الاقتصادي. ونتيجة لهذا، تسببت هذه السياسة في ارتفاع سريع لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، بدلا من إعادة أعباء الدين إلى مستويات محتملة كما كان منشودا.
في عموم الأمر، تؤسس الدول الأوروبية خطط الميزانية على توقعات رسمية منحازة بلا ضرورة، والتي يمكن دفعها نحو سياسة مسايرة للتقلبات الدورية. قبل عام 2008، كانت كل بلدان منطقة اليورو، وليس اليونان فقط،تتجاوز "على نحو غير متوقع" سقف الثلاثة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعجز الميزانية في بعض الأحيان. وبعد عام 2008، كان نمط الانكماش المالي المساير للتقلبات الدورية، والذي أدى إلى انخفاض الدخل وارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي، ظاهرا ليس في اليونان فقط، بل وفي أيرلندا وإيطاليا والبرتغال وأسبانيا أيضا.
وكانت ألمانيا، ولا عَجَب، رائدة أنصار التقشف. وقد وافق الألمان على مضض في قمة مجموعة العشرين عام 2009 في لندن على أن الولايات المتحدة والصين وغيرهما من الدول الرئيسية قادرة على توسيع الطلب للمساعدة في انتشال العالم من مستنقع الركود. ولكن عندما اندلعت الأزمة اليونانية في نهاية العام، تراجع الألمان إلى معتقداتهم التي يعتنقونها بشدة بشأن الاستقامة المالية.
في مستهل الأمر، ساير صندوق النقد الدولي الزعم من قِبَل دائني اليونان بأن التقشف قد ينجح. ولكن في يناير 2013، نَشَر أوليفيه بلانشارد، كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي آنذاك، بحثا خَلُص فيه إلى أن المضاعفات المالية كانت أعلى كثيرا من تصورات صندوق النقد الدولي، وبالتالي فإن برامج التقشف في البلدان المتعثرة الواقعة على أطراف منطقة اليورو ربما كانت مفرطة ومتهورة. واليوم، تدرك مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد تمام الإدراك أن اليونان تحتاج إلى المزيد من تخفيف أعباء الدين، وليس مطالبتها بفائض بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، حتى يتسنى لها أن تحقق نسبة مستدامة من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.

أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد.