النسخة الكورية الشمالية لترامب

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣١/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٤٥ ص
النسخة الكورية الشمالية لترامب

كريستوفر هيل

بكل المقاييس كان المؤتمر السابع لحزب العمال الكوري الذي طال إنتظاره غير مثير للإهتمام بالمرة ولم يكن لإول إجتماع لإعلى هيئة في كوريا الشمالية لأكثر من 35 عاما تأثيرا يذكر بإستثناء أنه أحبط أية أمال بإن يقوم الزعيم سريع الغضب لتلك البلاد كيم يونغ آون بتحويل إهتمامه للإصلاح الإقتصادي.
وفي الوقت الذي تجنب فيه كيم مناقشة إقتصاد كوريا الشمالية المنهار ، أعلن بكل وضوح بإن فخر بلاده الحقيقي هو برنامجها النووي وعلى الرغم من التعهدات السابقة بالتخلي عن تطوير الأسلحة النووية، قامت الحكومة مؤخرا بإبحاث جديدة أملا بالإعلان عن تحقيق إنجازات تقنية جديدة.
منذ سقوط جدار برلين سنة 1989 تبنت معظم دول العالم إقتصاد السوق الحر ولكن كوريا الشمالية تمسكت بعزلتها . إن نظامها الذي يشبه الطائفة الدينية يعمل على الترويج لنظرة قومية مفرطة وطبقا لتلك النظرة فإن أي تعاون ممنهج مع بلد آخر أو حتى مع المجتمع الدولي بشكل عام يعتبر تهديدا للسيادة وكما أوضح المؤتمر الحزبي الأخير فإن هذه النظرة لن تتغير في المستقبل القريب .
لكن هذه الإيام لم تعد كوريا الشمالية تبدو كصوت نشاز بل كبلد يقود توجه عام أشمل تجاه القومية والإكتفاء الذاتي والسلطوية . إن التوجهات العالمية طبقا لمقاييس منظمة فريدم هاوس وغيرها من الهيئات غير الحكومية تشمل زيادة في الأنظمة السلطوية لم يشهد لها مثيل منذ النصف الأول من القرن العشرين .
إن تبني القومية يمكن أن يشاهد في كل مكان تقريبا فمن المناطق المعرضة للصراعات إلى أكثر الديمقراطيات قوة في العالم وبينما لا توجد توقعات بظهور كوريا شمالية أخرى فإن الزخم المتصاعد للقومية ومعاداة الليبرالية يثير القلق على أقل تقدير.
لا يوجد بلد يخلو من المشاكل الهيكلية وخاصة نظرا لسهولة أن تصبح الحكومات المركزية مثقلة بشكل يزيد عن طاقتها ومرهقة وفاسدة كما أنه ليس من السهل إحداث توازن بين سلطة المركز وتفضيلات الإقليات وحقوق المناطق وسلطة الكيانات المحلية.
لكن على مر السنين ظهرت حلول من أجل التخفيف من تلك الإختلالات والتصادمات وأحد تلك الحلول هو التكامل في هياكل أشمل وأعم مثل الإتحاد الأوروبي فعلى سبيل المثال فإن النزاع في البلقان كان يفترض أن يتم حله بإحراز تقدم تجاه عضوية الإتحاد الأوروبي . إن الأنواع الأخرى من الهياكل والتحالفات العابرة للحدود والتي تساعد البلدان على الدفع قدما بالمصالح المشتركة لديها تاثير مماثل.
للإسف فإن هذا النموذج لم يعد مثل ما كان بالسابق فهذه الإيام تشير إستطلاعات الرأي بإن الكيانات العابرة للحدود قد فقدت جاذبيتها وربما المثال الأبرز هو إستفتاء المملكة المتحدة على إستمرار عضويتها في الإتحاد الأوروبي في الشهر المقبل كما إن هناك صعود لنجم الإحزاب المتشككة بالإتحاد الأوروبي في طول أوروبا وعرضها ولقد إنضمت تلك الإحزاب إلى الائتلافات الحكومية في بعض الأماكن .
في الوقت نفسه فإن الدول التي تم إستبعادها من عملية الإندماج الأوروبي –مثل تركيا – تبدو اليوم سعيدة بذلك وهي تحاول أن ترسم طريقا لنفسها للإمام – أو للخلف في بعض الأحيان- بدون المصالح أو المسؤوليات الخارجية التي تقيد سلوكها ولكن بينما تتحرك تركيا لتشكيل الشؤون الشرق الأوسطية فإنها تبدو كقوة إقليمية متعالية لم تتعلم الكثير وليست كدولة قومية قوية .
بالطبع فإن الإضطرابات الحالية في الشرق الأوسط تشكل تحديا رئيسيا للعالم بإكمله وليس فقط تركيا واولئك الذين آمنوا بإن الربيع العربي سوف يؤذن لمرحلة جديدة من الديمقراطية والحكم القائم على المشاركة في العالم العربي لم يتوقعوا قوة القوى الرجعية – مثل تنظيم داعش- للدفع بالمنطقة تجاه أشكال أكثر بدائية للولاء القبلي والطائفي.
حتى البلدان التي قاتلت بضراوة للمحافظة على الحكومة العلمانية وقعت في فخ معروف بظهور القوات المسلحة على إنها القوة الوحيدة المتجانسة القادرة على فرض إرادتها فمصر والتي بدت وكأنها تؤسس لديمقراطيه في أعقاب ثورات الربيع العربي هي مثال حي لذلك الفخ .
إن إضعاف الديمقراطية يصاحبها توجه مزعج آخر : إعادة ظهور العدائية بين البلدان والتي يمكن أن تستفيد بشكل أكبر بكثير من التعاون عوضا عن التنافس فلقد أصبحت روسيا تحت حكم فلاديمير بوتين قوة عدائية وتوسعية رئيسية حيث تسعى لإن تغير بالقوة بنود تفكك الإتحاد السوفياتي وحتى تغيير قرارات تم إتخاذها في ذورة الحكم السوفياتي ( وبالتحديد قرار ضم شبه جزيرة القرم لإوكرانيا ).
لقد إنخرطت الصين كذلك في جهود أحادية لفرض مطالباتها الإقليمية وخاصة في بحر جنوب الصين وهذا لم يعقد علاقاتها مع جاراتها في جنوب شرق آسيا فحسب والتي شاهدت صعود الصين بمشاعر من الخوف المتزايد ، بل أيضا مع الولايات المتحدة الإمريكية والتي لديها معاهدات مع بعض تلك الدول .
لكن الولايات المتحدة الإمريكية لديها ما يكفيها من المشاكل فالإنتخابات التمهيدية الرئاسية – وخاصة صعود دونالد ترامب ليصبح المرشح المفترض للحزب الجمهوري الإمريكي- تثير الشكوك بقدرة أمريكا على المساعدة في قيادة العالم في الأوقات الصعبة .
لقد تميزت حملة ترامب بالقومية العدوانية والمقترحات المعادية للهجرة – من بناء سور ضخم للإبقاء على المهاجرين خارجا إلى حظر دخول أمريكا على جميع المسلمين – بالإضافة إلى إنتقادات متهورة لعلاقات أمريكا مع الإصدقاء والإعداء على حد سواء ولكنه يبقى قابل للحياة إنتخابيا حيث يوجد لديه مجموعة كبيرة من الإنصار الغاضبن . إن التوترات السياسية الداخلية التي تعكس ذلك التوجه وتعززه تسلط الضوء على مدى ضعف النظام العالمي اليوم .
إن إسلوب ترامب الغاضب والمتهور يوحي بإنه يفتقد للمعرفة والحكمة والطبع الحسن وهي أشياء ضرورية من أجل الإدارة المستقرة التي يحتاجها العالم اليوم وبهذا المعنى فإن لديه أشياء كثيرة مشتركة مع كيم قليل الخبرة بإستثناء أنه لو وصل ترامب للسلطة فإنه سيتحكم ببلد أكثر نفوذا بكثير.

مساعد وزير الخارجية الامريكي السابق لشرق آسيا