انقلاب برازيلي أبيض

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣١/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٤٤ ص
انقلاب برازيلي أبيض

ماريا لويزا ميندونكا

الإطاحة برئيسة البرازيل ديلما روسيف من منصبها قبل بضعة أشهر من استضافة دورة الالعاب الاولمبية الصيفية تجاوز صارخ، فقد جرى استخدام مساءلة روسيف وإيقافها لاحقا عن أداء مهام عملها لصرف اهتمام الناخبين عن الفساد المستشري في جنبات الحكومة وللتغطية على استيلاء السياسيين اليمينيين على السلطة. والواقع أن روسيف لم تواجه اتهامات بالفساد، فقد بني أساس المساءلة على استخدامها آلية مالية مشتركة تنطوي على اقتراض الأموال من المصارف العامة لتغطية نفقات البرنامج الاجتماعي في الموازنة العامة الاتحادية. ومن الغريب أن الإدارات الوطنية والمحلية الأخرى استخدمت هذا الأسلوب نفسه، ولو جرى تطبيق نفس المعايير ضد حكام الولايات في البرازيل لوجهت إتهامات مماثلة الى 16 منهم.

والمؤكد أن وسائل الإعلام الرئيسية في البرازيل قد أوجدت تلك الحالة من الوهم أن هناك حاجة لإقصاء روسيف من منصبها لحل أزمتي الفساد والاقتصاد. ولأكثر من عام دأبت شبكات التلفزيون الرئيسية على الدعوة لمظاهرات ضد الحكومة وخصصت تغطيات مباشرة لها تتزايد يوما بعد يوم، وفي الوقت نفسه تجاهلت وسائل الإعلام تلك المظاهرات الكبيرة التي اندلعت للدفاع عن العملية الديمقراطية التي أسفرت عن إعادة انتخاب روسيف في عام 2014 بنسبة 51 في المئة من الاصوات. ومن بين المحركات الرئيسية التي صاغت توجه الأحداث شبكة جلوبو التلفزيونية، المعروفة بدعمها للدكتاتورية العسكرية التي استمرت أكثر من 20 عاما في البرازيل.
وبالطبع كانت نتيجة الاستفتاء على المساءلة في مجلس الشيوخ ومجلس النواب متوقعة، منذ أعرب معظم النواب عن آرائهم في وقت سابق، وكانت هناك مناورات سياسية تجري بوضوح بصورة مستمرة. وأعلن معظم أعضاء مجلس النواب أن تأييدهم للعزل والإقالة من المنصب إنما هو لوجه الله ولمصلحة أسرهم. بل وصل الأمر أن أحد الأعضاء راح يكيل المديح الى القائد العسكري السابق المسؤول عن تعذيب العديد من النشطاء السياسيين في عهد النظام العسكري. وقد استخدم التصويت على سحب الثقة من روسيف لإلهاء الناس عن التهديدات التي تتعرض لها العملية الديمقراطية.
ومن الجدير بالذكر أن أكثر من نصف أعضاء الكونجرس البرازيلي يواجهون تحقيقات جدية حول قضايا فساد، فرئيس مجلس النواب السابق إدواردو كونها، الذي قاد وأجرى التصويت على المساءلة في 17 أبريل أجبر منذ ذلك الحين على التنحي من قبل المحكمة العليا بتهمة الفساد وامتلاكه حسابات مصرفية سويسرية غير مشروعة، كما ان الرئيس المؤقت ميشال تامر، جنبا إلى جنب مع سبعة من الوزراء الذين قام بتعيينهم هم أيضا قيد التحقيق بتهم تتعلق بالفساد.
والأسوأ من ذلك أنه لم تمض خمس ساعات على تولي الرئيس المؤقت السلطة حتى أصدر قرارا بإلغاء الوكالة الفيدرالية المسؤولة عن مراقبة العقود الحكومية مع شركات القطاع الخاص، التي تلعب دورا أساسيا في التحقيقات حول الفساد. وفي اليوم نفسه قام أيضا بعزل وزراء الثقافة والاتصالات وحقوق الإنسان والمساواة العرقية والمرأة والتنمية الزراعية وكذا أمين السيطرة على الموانئ والمطارات.
وأعلن الرئيس الجديد عن تخفيضات في البرامج الاجتماعية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية وخطط التقاعد، وتضم حكومته الجديدة من ممثلين للقطاعات الأكثر تشددا في الطيف السياسي، ممن يمثلون جدول أعمال تم رفضه من قبل المجتمع البرازيلي في انتخابات متتالية منذ عام 2002. ومن المتوقع زيادة تدابير التقشف واتساع عدم المساواة الاقتصادية ومزيد من عدم الاستقرار ناهيك عن القمع ضد الحركات الاجتماعية.
وفي الوقت نفسه يخطط أعضاء الكونجرس لإقرار تشريعات لتفكيك الوكالات البيئية وتسهيل استغلال احتياطيات النفط البرازيلية من قبل الشركات متعددة الجنسيات. وعلى المجتمع الدولي دعم العملية الديمقراطية، فالقبول واسع النطاق لنظام غير شرعي في البرازيل يشكل سابقة خطيرة على المنطقة بأسرها.

مديرة الشبكة البرازيلية من أجل العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان