تركة أوباما

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣١/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٤٤ ص
تركة أوباما

كاثلين باركر

مع تراجع رئاسة باراك أوباما الى المقعد الخلفي في الدراما النفسية المعروفة باسم انتخابات 2016 ينشغل المؤرخون والمضاربون والمراجعون وغيرهم بكتابة الوداع الرئاسي، ولعل من أول هؤلاء المراجعين أوباما نفسه. ففي كلمة له مؤخرا في حفل افتتاح في الجامعة السوداء تاريخيا "هوارد" أشار أوباما إلى أن انتخابه لم يأت في الواقع بمجتمع ما بعد العنصرية، وقال: أنا لا أعرف من الذي نشر هذه الفكرة، أنا لم أقل ذلك.
توقفت قليلا عند هذه الملاحظة، حسنا لم يفعل ذلك؟ ألم يكن هو الشخص الذي طالما انتظرناه ليفعل ذلك؟ ألم يكن أوباما الشخص ثنائي العرق الذي اعتقدنا فيه أنه سيضع الاختلافات العرقية في صندوق محكم الإغلاق؟ فإذا لم يكن أوباما فمن؟
وإذا عدنا قليلا الى الوراء، لربما وجدنا أننا نحن: أنا وأنتم وجميع البيض، وخاصة في وسائل الإعلام، نحن الذين روجنا لهذه الرواية لأننا نحبها ونحتاج اليها، وهذا ما يسميه علماء الإنفس "الإسقاط"، لقد رسمنا لأوباما صورة الشخص الصحيح الذي نتمناه، فقد كان كما كتب شيلبي ستيل في عام 2008 "المقايض الذي وعد البيض ألا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم عنصريون لأنهم كانوا ضده في السباق الرئاسي.
لم يكن أوباما الى حد كبير ذلك العامل المؤثر في التغيير بنفس الدرجة التي كان تجسيدا لأمريكا ما بعد العنصرية كما يتصور البيض عنه، ودائما ما يقولون أنه سيكون على الأقل رسولا للوحدة في عصر ما بعد العنصرية. لكن رسالة أوباما، بدءا من كلمته في عام 2004 في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في بوسطن، كانت على حد قوله: ليس هناك أميركا البيضاء وأميركا السوداء وأميركا اللاتينية ولكن هناك فقط الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد استمع معظم من هم في وسائل الإعلام لهذه العبارة الرنانة وأطربتهم، وكنا في حالة معنوية عالية، وأخذنا نردد الأغاني معا، وحانت مني التفاته الى أحد الزملاء في القسم الصحفي وقلت له: لقد سمعت للتو أول رئيس أسود. ولكن على ما يبدو فقد كنت أجهل الكثير.
أذكر أننا التقينا بأوباما في وقت لاحق من تلك الليلة في بهو الفندق، كان يتحدث إلى بعض المؤيدين على انفراد، وقدمنا أنفسنا، وكان أوباما مهذبا وكريما، وكان أول انطباع لم يتغير عنه أنه يقرأ الناس بشكل جيد ويحسن تقدير ما يتمنون سماعه، وربما يكون لدى معظم السياسيين قدرة على ذلك، بيد أن بعضهم أفضل من الآخر. وفسر كثيرون رسالة أوباما تحت معنى ما بعد العنصرية، ويمكن النظر إلى تلك الفجوة بين الولايات الحمراء والزرقاء على أنه تقسيم على أسس عنصرية في بعض الحالات.
وبعد ثماني سنوات من انتخابه كأول رئيس أسود للأمة ذات الأغلبية البيضاء، يتجاهل أوباما أية مسؤولية عن رسم صورة الآمال والتوقعات في حقبة ما بعد العنصرية. فهل السبب هو أن الأوضاع على أرض الواقع تبدو أسوأ؟ ماذا لو لم نشهد العديد من الحوادث التي تنفخ في رماد العنصرية في أنحاء الولايات المتحدة كهؤلاء الذين لقوا حتفهم على أيدي الشرطة في السنوات القليلة الفائتة، أو من قبل لجان الأمن الأهلية كما في حالة ترايفون مارتن؟
غير أن وجود رئيس أسود ربما يكون قد أعطى المجتمعات القوة والشجاعة التي يحتاجونها لرفع أصواتهم، وربما كان سماع رئيس أسود وهو يتحدث عن شجاعة ضباط الشرطة، وغالبيتهم يتصرفون بنوايا حسنة، كان مفيدا لأصحاب البشرة البيضاء الذين يشعرون بوصمة العنصرية تتعلق بأهداب براءتهم.
فهل قام أوباما بما يجب عليه على نحو كاف كي يبلور نواياه الحسنة، لو لم تكن وعودا؟ ربما نعرف الاجابة خلال جيل أو اثنين. وحتى ذلك الوقت تظل الحقيقة أن أوباما استطاع أن يقرأ جمهور الناخبين وأن يعزف على وتر تطلعاتهم وآمالهم بقدر كبير من المداهنة، ثم قدم لهم ما يريدونه وراح يرسم لهم توقعاتهم، وأعطاهم ما يصبون اليه بصورة دقيقة، ليس لعالم ما بعد العنصرية، ولكنه نموذجا معدلا منقولا عن حقبة ما قبل العنصرية التي كانت ترسم خيالا ورديا للأمل والتغيير.

كاتبة مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست