دروس من موقعة بيرل هاربور

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣١/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٤٣ ص
دروس من موقعة بيرل هاربور

فيكتور ديفيز هانسون

يصادف هذا العام الذكرى السنوية الـ75 للهجوم المفاجئ الذي شنته اليابان على ميناء بيرل هاربور في 7 ديسمبر 1941، والذي تسبب في مقتل أكثر من 2400 أمريكي. وخلال جولة أوباما الأخيرة قام بزيارة هيروشيما الجمعة الفائتة والتي شهدت في 6 أغسطس 1945 إلقاء القنبلة الذرية التي كتبت نهاية الحرب العالمية الثانية على مسرح المحيط الهادئ، والغريب أن أوباما لم يعلن حتى الآن عن خطط لزيارة بيرل هاربور في ذكرى الهجوم وهي الخطوة التي كان عليه أن يقوم بها وبخاصة إذا علمنا أنه قضى معظم طفولته في هاواي، كما أن العديد من الأميركيين قد نسوا سبب مهاجمة اليابانيون الولايات المتحدة وما الذي دعاهم الى الاعتقاد الخاطئ أن بإمكانهم هزيمة أكبر قوة اقتصادية في العالم.
لم يكن الأمر أن الولايات المتحدة هي التي اضطرت الإمبراطورية اليابانية الى الإقدام على مثل هذا التصرف بفرضها الحظر النفطي، الذي جاء بعد سنوات من الفظائع اليابانية المروعة في الصين وجنوب شرق آسيا، ولكن الفاشية والانتهازية اليابانية هي التي دفعت اليابان أن تراهن على أن الأوضاع الجيواستراتيجية في أواخر 1941 قد جعلت أمريكا هدفا سهلا لهجوم مباغت.
وبحلول 1 ديسمبر 1941 كانت ألمانيا النازية، شريك محور اليابان، قد وصلت إلى ضواحي موسكو، واعتقدت اليابان أن الجيش الألماني سرعان ما سيخرج الاتحاد السوفيتي من الحرب. ولجأت اليابان الى التغطية على رهاناتها بتوقيع معاهدة عدم اعتداء مع الاتحاد السوفيتي، وافترض القادة اليابانيون أنه حتى لو نجت روسيا الشيوعية، يمكن لليابان أن تتجنب حربا برية مكلفة على جناحها الخلفي، ومن ثم تكون الولايات المتحدة، وليس اليابان، عرضة للحرب على جبهتين.
وبحلول عام 1941 كان الرايخ الثالث قد ألحق الهزيمة واحتل هولندا وفرنسا وبلجيكا، ولم يبق سوى البريطانيون فقط من الحلفاء الأوروبيين الأصليين المناوئين للمحور، وأصبحت لندن تحت هجوم جوي مستمر من قبل سلاح الجو الألماني. واعتقدت اليابان أن ألمانيا وإيطاليا سينهيان الحرب سريعا لصالحهما. وحسبت اليابان أن المستعمرات الأوروبية الغنية بالموارد على امتداد الهادئ وفي آسيا قد أضحت لقمة سائغة، وأنها بإلحاقها الهزيمة بالولايات المتحدة سيكون بوسعها أن تضع يدها الى الموارد اللازمة لتغذية آلة حربها. وأصبحت سنغافورة التابعة للتاج البريطاني والقواعد الأمريكية في الفلبين في عزلة تفتقد الدفاعات القوية، ومن ثم يمكن اطباق العزلة عليها بمجرد تحييد الأسطول السابع وسلاح الجو الأمريكي في بيرل هاربور.
وكان بدء الحرب في المحيط الهادئ يعني أن اليابانيين يمكنهم بسهولة الوصول إلى إمدادات ضخمة من النفط والمطاط والأرز والمعادن الاستراتيجية لإمبراطوريتهم. كما فقدت الولايات المتحدة أيضا الردع العسكري، وراقب اليابانيون عن كثب عدم قدرة الولايات المتحدة على تقديم يد عون قوية لمساعدة اثنين من أقرب حلفائها وهما فرنسا وبريطانيا العظمى، وألحق النازيون هزيمة سهلة بفرنسا بينما تعرضت بريطانيا لقصف بلا رحمة.
ومع محاولة الولايات المتحدة بناء أسطولها وإعادة تسليح نفسها في عام 1941، كان جيشها في حالة يرثى لها وغير مهيأ تماما لخوض حرب عالمية على جبهتين. وكانت حسابات اليابان أن ألمانيا وإيطاليا سوف ينهيان التواجد الأمريكي في أوروبا، بينما تقوم اليابان بشكل منظم بتدمير أي من السفن الحربية الأمريكية التي نجت من حطام بيرل هاربور. وكان التفوق الياباني واضحا في عام 1941 في الفئات الرئيسية مثل الطائرات المقاتلة والطوربيدات والمدفعية والمدمرات مقارنة بأمريكا.
وأخيرا، كان عدد من الضباط والدبلوماسيين اليابانيين قد زار أو درس في الولايات المتحدة خلال سنوات الطفرة قبل الكساد، ومن بينهم وزير الخارجية يوسوكي ماتسوكا وضباط البحرية إيسوروكو ياماموتو وتامون ياماجوتشي والجنرال تاداميتشي، ومع إعجابهم جميعا بالقوة الصناعية للولايات المتحدة، إلا أنهم كانوا يحملون ازدراء للثقافة الشعبية الأميركية، ويعتقدون أنها تافهة ويغذيها ثراء ورفاهية العشرينيات.
وافترض العديد من الخبراء الاستراتيجيين اليابانيين أن الولايات المتحدة لن ترغب على الاطلاق في تحمل حرب عالمية أخرى، وأنها ستفضل التفاوض بدلا من القتال حتى النهاية، وقد أثبتت هذه الافتراضات خطأها.
فبعد بيرل هاربور اندفعت الولايات المتحدة لإعادة التسليح بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، وراحت تنتج من الطائرات والسفن ما يفوق ما تملكه جميع قوى الحرب العالمية الثانية مجتمعة، وزاد عدد القوات الامريكية الى 12 مليون جندي. وأثبتت القيادة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ أنها أكثر مهارة بكثير من نظيرتها اليابانية، وبعد تجربة أوائل عام 1942 أثبت الجندي والبحار والطيار الأمريكي قدرات قتالية لا تقل عن المقاتلين اليابانيين المخضرمين.
وكان العدوان الياباني غير المبرر في بيرل هاربور هو الذي مهد الطريق لهيروشيما والحاق خسائر فادحة في الأرواح في المحيط الهادئ، وعلى الأمريكيين ورئيسهم تذكر الدروس المستفادة من هذا الهجوم المفاجئ قبل 75 عاما.

مؤرخ في معهد هوفر في جامعة ستانفورد