في حقل التجارب الإيجابية - 1

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣١/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٤١ ص
في حقل التجارب الإيجابية - 1

محمد بن سيف الرحبي

لم أدرِ أن الدعوة الكريمة من الصديق الشاعر أحمد بن هلال العبري لزيارة ولايته الحمراء تندس في رحمها الكثير من الإضافات الحيوية لمعارفي من التجارب الإيجابية في مجتمعنا العُماني، حيث نحتاج إلى الدفع بمحاولات كهذه لكتابة كلمة في مشوار التنمية المجتمعية عبر أفراد منها، بمنأى عن الحضور الرسمي، بتعقيداته وحساباته.

شعرت أن الكثيرين منّا يحتاجون لدروس كهذه تنبع من المجتمع، يقولها أفراده بالعمل الواضح والصريح، لا بالخطب والشعارات..

إقرأ ايضاً: في حقل التجارب الإيجابية - 2

الحاجة بالتأمل في حصاد بشري متوارث لم تصنعه حكومة ولا نظرات مسؤولين يحلو لنا أن نلقي على عاتقهم جبال الأخطاء وتلال الخطايا، بينما هناك أفعال إيجابية يمكننا السير في دروبها بجهد متوجب علينا فعله، كما فعل آباء وأجداد نحتوا على الصخر حياة صعبة، وشقوا بعقلية فذة منابع للماء تعينهم على العيش في ظروف واجهوها وقاوموها حيث الإرادات الصلبة لا يقف أمامها مستحيل.
في ولاية الحمراء شدتني ثلاث تجارب على قدر كبير من العزيمة المواجهة للمستحيلات، فعندما يقول الإنسان إن هذا مستحيل تكمن أولى حالات الفشل، لكنه أن يكون «المستحيل» حاضرا بعد سلسلة محاولات فذلك يعطينا شرف المحاولة، وإن عجزنا عن بلوغ المأمول.
أولى هذه التجارب مكتبة الشيخ محسن بن زهران العبري.. وثانيتها مكتبة الحمراء، أما ثالثتها فبيت الصفاة.
وبمعنى آخر، فإن التجارب مكونة من مكتبتين، واحدة عائلية، والأخرى عامّة، وبينهما بيت أثري جرى تقديمه على أنه مشروع سياحي يديره مواطن مع مجموعة من أقاربه، محققاً هدفاً جميلاً، أن يكون المواطن صاحب المشروع ومديره والمستفيد الأول منه، إضافة إلى أنه خير من يقدّم تراثه ومجتمعه للزوار، مجرباً، ومتعلماً من خطواته وما يصله من ملاحظات، ليكبر المشروع على يديه، بهمّة تبتغي تحقيق فوائدها المعنوية والمادية.
في تجربة مكتبة الشيخ محسن قرأت تاريخاً لا يعبر بيته فقط، بل المكان، حاراته ونخيله، وامتدادات الفلج يعبر المسافات كاتباً تاريخ الإنسان العُماني لا أكذوبة أن جن النبي سليمان حفروا عشرة آلاف فلج في عُمان.
الرسم البياني الذي اطلعنا عليه في المكتبة يقول إن أيادي الرجال شقت الدرب عدة كيلومترات تحت الأرض ليصل الماء إلى جذور الشجر وأفواه البشر، وعمره بضع مئات من السنين بما يعطي دلالة كافية أن يد العُماني هي التي سطرت أسطورة الأفلاج كمنجز بشري.. لا أساطير الجن!

مكتبة وقف الحمراء مشروع تنويري جاد، ربما علاقته بالقارئ ليست كما يفترض، لكنه يمتلك دلالاته الحضارية من كونه يحفظ مكانة الكتاب ويدعم فكرة القراءة، كي لا يتلاشى حضور هذه المكونات المعرفية الأساسية من بين أيدينا.. تبقى المكتبة علامة روحية بين لهاث استهلاكي طاغ، مكتسبة فعل المقاومة، وعدم رفع راية الاستسلام لأنه تعني الانهزام.. والكتاب سيبقى منتصراً، رغم كل شيء.