«الفبركة» من سقطة الصحافة لصحافــــة السقــوط

الحدث الاثنين ٣٠/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٤٨ م

لندن – القاهرة –
الفاصل بين ما يمكن أن نطلق عليه سقطة الصحافة وصحافة السقوط فيما يتعلق بالفبركات الصحفية هو اعتراف الصحيفة واعتذارها عن تلك الفبركات وفي هذا السياق اعتذرت صحيفة الجارديان البريطانية عن تقارير مفبركة كتبها جوزيف مايتون، أحد المراسلين الذين تتعامل معهم بالقطعة، من القاهرة.

وقالت الصحيفة إنها ألغت 13 مقالا من مقالات مايتون وألغت جميع الاقتباسات والمعلومات التي لم تتمكن من التحقق منها في موضوعات تحليلية أخرى. وأضافت الصحيفة أنها بدأت التحقيق في الأمر عندما اتصل بها أحد المصادر التي زعم مايتون أنه تحدث إليها في إحدى مقالاته وقال إنه لم يتحدث إلى الصحفي. وكان المقال الذي اتصل المصدر بشأنه نُشر في فبراير الماضي، وكتبه مايتون الذي بدأ كتابة تقارير ومقالات للصحيفة عام 2009 عندما كان مقيما في القاهرة.

وقالت الصحيفة إنه عندما لم يقدم مايتون أدلة مقنعة أن المقابلات في المقال الذي كتبه في فبراير كانت حقيقية، استعانت الصحيفة بجهة مستقلة للتحقيق في إنتاجه السابق.
وأضافت الصحيفة أن المحقق المستقل خلص إلى أن بعض المقالات احتوت معلومات ومقابلات مختلقة أو يحتمل أن تكون مختلقة، ومن بينها أحداث واحتجاجات قال منظموها إن مايتون لم يحضرها. وأضافت الصحيفة أن عشرات المصادر في مقالات مايتون لم يمكن الوصول إليهم، حيث أنهم إما كانوا مجهولين أو مختلقين.

فضيحة صحفية

من جانبها تلقفت الصحافة المصرية خبر الاعتذار وركزت عليه واصفة الصحيفة البريطانية باقدح الصفات حيث علقت صحيفة اليوم السابع الخاصة في أعلى صفحتها الأولى تحت عنوان «فضيحة»، مدعية في تغطيتها الموضوع أن الجارديان اعترفت بأن «مراسلها في القاهرة يفبرك التقارير بشأن مصر»، في حين ذكرت صحيفة الوطن الخاصة في عنوانها خطأ أن الجارديان اعتذرت عن 13 مقالا تناولت الشأن المصري.

كما نشرت اليوم السابع مقالا افتتاحيا بتوقيع «ابن الدولة» بعنوان «ليست «الجارديان» فقط التي تفبرك ضدنا.. من يحاسب مراسلين غربيين عن تقارير خالية من المعلومات ضد مصر؟» مضيفاً أنهم «يعتمدون على مصادر مجهولة ومعلومات خاطئة» من ناحية أخرى وبعنوان «الجارديان مصنع للأكاذيب وتشويه مؤسسات الدولة» نقلت جريدة الوفد عن كل من الصحفية فريدة الشوباشي وعضو البرلمان مصطفى بكري مطالبتهما بإغلاق مكتب الجارديان في القاهرة.
يذكر أن صحيفة الجارديان قد تأسست عام 1821، وحصلت في 2014 على جائزة البولتزر عن انفرادها بالكشف عن برنامج التنصت الأمريكي واسع النطاق، بناء على تسريبات إدوارد سنودن الموظف السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكية.
وفي برنامجه على قناة النهار تناول المذيع تامر أمين الأمر مؤكداً أنه يكشف «أننا كان مضحوك علينا سنين طويلة».
واستطرد أمين أن الجارديان اكتشفت أن مراسلها كان يرسل تقارير مفبركة ومنحازة من القاهرة، مدعياً أن الجريدة اعتذرت لوزارة الخارجية المصرية. وختم حديثه عن الموضوع قائلا «الآن تعرفون أن نظرية المؤامرة كانت حقيقية وليست مجرد كلام نظري». أما موقع فيتو فقد نشر كاريكاتيراً يصور رجلاً يقول لزوجته «قولي لأمك بلاش توقع بينا وبلاش شغل الجارديان ده» بينما تظهر حماته تسترق السمع من خلف الباب.
وقد أصدر مايتون تصريحا يرد فيه على الاتهامات، ادعى فيه أنه قدم أدلة «تثبت أن العديد من المصادر تحدثت معي في الواقع وإما لا يتذكرون ذلك أو قرروا ألا يذكروا الحقيقة». وأضاف أن بعض المقابلات التي قام بها تمت في أماكن عامة أثناء الاحتجاجات أو في الشارع وأن ملاحظاته التي دونها «إما اختفت لأنه لم يحتفظ بها أو فقدت».
وخلال السنوات الماضية أصبح توبيخ الإعلام الغربي بسبب نشر تقارير منحازة ومفبركة أمراً شائعاً في مصر، وغالبا ما تصدر الاتهامات عن الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للدولة أو وزارة الخارجية. وبعد نشر الجارديان لتصريحها، علق العديد من المصريين على صفحات التواصل الاجتماعي بنشر خبراتهم السلبية في التعامل مع مايتون خلال الفترة التي أمضاها في القاهرة. وعلى الرغم من اعتراف الكثيرين أن الجارديان كان لابد أن تكون أكثر حرصاً، إلا أن أغلبهم اعترفوا للجريدة بالتزامها بالصدق مع قرائها وتحسين آلياتها للتحقق من مصداقية المعلومات.

صورة مفبركة

في سبتمبر من العام 2010 خلفت صورة مفبركة نشرتها صحيفة -الأهرام- المصرية، للرئيس الاسبق حسني مبارك يتقدم مسيرة مباحثات السلام التي جرت عام 2010 بالعاصمة الأمريكية جدلا واسعًا وضجة إعلامية صاخبة، خاصة وأن الصورة الأصلية للرؤساء المشاركين تظهر مبارك في الخلف. وحسب ما نقله الموقع الالكتروني للدولية فقد قامت الأهرام المصرية بتعديل صورة الرئيس مبارك وهو يسير خلف الزعماء المشاركين في حفل إطلاق النسخة الجديدة من مفاوضات السلام، لتفبرك صورة أخرى تظهره في المقدمة وتنشرها عبر صفحاتها، حيث تناقلت وسائل الإعلام العربية والغربية هذه الفضيحة المدوية.

والتقطت الصورة الأصلية للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ونتنياهو وعباس ومبارك وهم يسيرون خلف الرئيس الأمريكي باراك أوباما على السجاد الأحمر في البيت الأبيض مؤخراً، غير أن الصحيفة المصرية الرسمية الكبرى أجرت تعديلات غير شرعية للصورة لإظهار الرئيس مبارك في مقدمة الجميع والبقية تسير من خلفه.
واعتبرت كل من صحيفة -ديلي ميل- و-الجارديان- وشبكة الإذاعة البريطانية -بي بي سي- ومجلة -فورين بوليسي- الأمريكية وصحيفة -يديعوت أحرونوت- الإسرائيلية أن ما حدث يعتبر سقطة كبيرة للجريدة الناطقة باسم الحكومة، وأن الموقف كله يدل على أن الحكومة دائما ما تضع نفسها في مواقف محرجة، وتخاطر بمصداقيتها.
وذكرت صحيفة -الجارديان- البريطانية التي نقلت الخبر أن -حركة شباب 6 أبريل- المصرية المعارضة اغتنمت الفرصة لتعبر عن سخطها حول ما آلت إليه أمور الإعلام المصري من (مسخ)، متهمة صحيفة الأهرام بـ «تجاوز الحد في قلة الاتزان والمصداقية».
وبحسب -الجارديان - فإن الصورة (المفبركة) أحرجت النظام المصري خصوصاً وأنها «نشرت بالتزامن مع وصول رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مصر للجولة الثانية من محادثات السلام»، وأن الصحيفة «أزالت الصورة المفبركة عن موقعها على الانترنت‮»‬.
وقد بادرت ‮-‬الأهرام‮-‬ منذ ذلك الحين باستبدال الصورة على موقعها الإلكتروني بصورة أخرى يظهر فيها القادة مجتمعون، وهم جالسون على كراسي في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر.
واعتبر بعض الإعلاميين أن هذه السقطة الإعلامية ستضرب مصداقية الصحيفة المصرية العريقة في الصميم كونها تلاعبت بعقول قرائها وشوهت الحقيقة وزيفتها خدمة لأغراض معروفة، وهو ما سيكلفها الكثير، خاصة وان اغلب الصحف العربية والأجنبية تناولت الفضيحة.