ضريبة القسوة.. وضريبة الدلال

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣٠/مايو/٢٠١٦ ١٦:٥٨ م
ضريبة القسوة.. وضريبة الدلال

لميس ضيف

يقول الطنطاوي: بعد الشّدة التي تربينا نحن عليها صرنا نخاف من تأثير القسوة ونخشى على أبنائنا حتى من العوارض الطبيعية كالجوع والنعاس: فنطعمهم زيادة، ونتركهم كسالى نائمين ولا نوقظهم للصلاة، ولا نحملهم المسؤولية شفقة عليهم، ونحضر لوازمهم فنربيهم على الاتكالية وفوقها الأنانية.

وكلنا يعرف تمام المعرفة عما يتحدث، نراه أو نعيشه، فالتطرف جزء من «تكويننا النفسي» في هذا الطرف من العالم. فنحن لا نغضب، ننفعل، ونكره كثيراً فحسب بل ونحب كثيراً أيضا ونعطي بلا حدود.. فرغم أن عاطفة الوالدين لطالما كانت عميقة تجاه أطفالهم إلا أن تنشئة الأطفال اليوم مختلفة تماما عما كانت عليه في سنوات خلت. فقد كان استخدام الضرب في العقاب شائعاً أما الشتائم فحدث ولا حرج.. هناك رسالة تدعي أن الطفل يسمع من طفولته حتى سن المراهقة مالا يقل عن 16 ألف كلمة سيئة مقابل بضع مئات فقط من الكلمات الجميلة. وهم هنا يتحدثون عن الطفل الغربي وأظن أن عليهم مضاعفة العدد ثلاث مرات ليكون واقعيا في أقاليمنا! فالأطفال لدينا يوصفون «بالشياطين» بخفة. وأذكر أني وصفت ذات مرة شخصاً بالغاً بـ»الشيطان» لا في محل الذم بقدر ما كنت أعبر عن شقاوته وفرط نشاطه، فأرتعد محدثي وهو آسيوي الجنسية وقال بجزع: «أعوز بالله من السيطان الرزيم» بلهجته العربية المكسرة، ما لفت انتباهي لقسوة اللفظ الذي نستخدمه نحن كيفما اتفق سيما مع الأطفال الأشقياء.

ما علينا..
في عودة لموضوعنا نقول؛ إن تلك الخلفية التربوية التي نشأ عليها السواد الأعظم من الجيل القديم جعلته، بعد أن تفتح على العالم وحاصرته نظريات التربية وتنظيراتها من كل جانب، يصبح هشاً أمام أطفاله ويخشى أن يورثهم العقد النفسية التي ورثها هو.. وما سمنة الأطفال التي نراها اليوم إلا نتيجة من نتائج خوف الأبوين من حرمان أطفالهم مما يحبون من أطعمة وبطبيعة الحال لن تترك الحبل على الغارب لطفل في التغذية إلا وسيختار الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون والفقيرة بسواها. ناهيك عن أن نضج الأبناء اليوم يتأخر كثيرا عما كان عليه لعوامل يحتاج تفكيكها لأبحاث معمقة. إجمالا لن نستطيع، حتى سنوات مقبلة، أن نحكم على مخرجات تلك التربية التي تتعامل مع الأطفال كزجاج قابل للكسر. ربما نرى الآن علامات الأنانية والاتكالية على كثير منهم ولكن من المبكر الحكم على الناتج النهائي الآن.
لكن نخشى فيما نخشاه أن يكون الإصلاح غير وارد بعدها، لذا نذكر الناس بأن الاعتدال هو أمر لم يندم عليه أحد قط .. فلا إفراط في الشدة ولا تفريط في الحزم. من حقنا أن ندلل أطفالنا -بلى- ولكن من واجبـنا أيضا أن نهيئهم لأمواج الــــــحياة المتلاطمة.