ثمن الإنسحاب من اوروبا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣٠/مايو/٢٠١٦ ٠٤:٤٤ ص
ثمن الإنسحاب من اوروبا

يزعم أولئك الذين يريدون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن تحقيق هدفهم هذا سيكون بلا تكلفة تقريبا ولن يؤثر على حصة المملكة المتحدة في التجارة العالمية. ولكنهم مخطئون. ففي الثالث والعشرين من يونيو ، عندما يدلي الناخبون البريطانيون بأصواتهم في الاستفتاء على هذه المسألة، ينبغي لهم أن يفكروا في العواقب الحقيقية المترتبة على ترك الاتحاد الأوروبي ــ وكيف يمكن الحفاظ على فوائد التجارة الحرة التي يتمتعون بها الآن (والتي يعتبرونها من الأمور المسلم بها).

ولنبدأ بالأساسيات. إن ترك الاتحاد الأوروبي يعني خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، الذي يشكل الأساس للتجارة الحرة عبر الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين (والذي يحدد تعريفة خارجية مشتركة في التعامل مع أطراف ثالثة). وهو يعني أيضا الخروج من السوق المشتركة ــ وهي الأساس لحرية حركة السلع والخدمات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وبحكم التعريف، من غير الممكن أن تنتمي الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى السوق المشتركة.

ما الذي قد يحدث بعد ذلك إذن؟ خلال فترة السنتين قبل أن يصبح انسحاب بريطانيا ساريا بشكل نهائي، سوف تدور المفاوضات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي حول العديد من النقاط ــ السيادة والنظام القانوني، والهجرة، والموارد المالية، والشؤون الاقتصادية. والافتراض هو أن الهدف الحاسم لبريطانيا يتلخص في التفاوض على علاقات تجارية قريبة قدر الإمكان من علاقات التجارة الحرة القائمة اليوم.
لا شك أن القول أسهل من الفعِل. وقد يتم التوصل إلى أفضل النتائج إذا وافقت الأطراف كافة على الحفاظ على القدر القائم بالفعل من التجارة الحرة، مع تحديد المملكة المتحدة لتعريفة خارجية جديدة على أساس الإعفاء من الرسوم، والتي يمكن تطبيقها على كل القادمين الجدد. وهذا هو ما حدث في سبعينيات القرن العشرين بعد انسحاب بريطانيا والدنمرك من رابطة التجارة الحرة الأوروبية: حيث تفاوض أعضاء الرابطة على اتفاقيات التجارة الحرة فيما بينهم ومع الاتحاد الأوروبي (أو السوق الأوروبية المشتركة كما كان يُعرَف الاتحاد آنذاك).

ولكن دعاة الخروج لابد أن يدركوا أنه لا يوجد ما يضمن حدوث هذا مرة أخرى ــ وفي كل الأحوال، لن يخلو الأمر من التعقيدات. ففي حين قد يكون هذا الحل جيدا عندما يتعلق الأمر بنحو 45 في المئة من الصادرات البريطانية التي تباع في أسواق الاتحاد الأوروبي، فإنه يعني تقليص الحماية التي تتمتع بها الصناعات البريطانية إلى الصِفر. فبموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، لابد من تطبيق نفس رسوم الاستيراد على جميع المشاركين في منظمة التجارة العالمية ــ وعلى هذا فإذا كانت واردات بريطانيا من الاتحاد الأوروبي معفاة من الرسوم الجمركية، فإن وارداتها من بقية العالم لابد أن تكون كذلك أيضا.

والبديل هو أن يقبل المصدرون في المملكة المتحدة تعريفة خارجية مشتركة للاتحاد الأوروبي، وأن تنشئ المملكة المتحدة تعريفة خاصة بها للاستيراد، على أن تطبق على كل الواردات، بما في ذلك الواردات من الاتحاد الأوروبي. ولأن التعريفة المشتركة منخفضة المستوى نسبيا على المنتجات الصناعية والسمكية، فإن هذا قد لا يمثل حاجزا لا يمكن اجتيازه بالنسبة لصادرات المملكة المتحدة، وسوف يسمح ببعض المرونة في حماية شركات المملكة المتحدة من الواردات. أما المأزق المحتمل فهو أن أي زيادة في التعريفة البريطانية فوق مستوى الاتحاد الأوروبي من شأنها أن تعرض المملكة المتحدة لمطالبات التعويض من بلدان الطرف الثالث في منظمة التجارة العالمية.
السؤال الأكبر الذي يتعين على دعاة الخروج البريطاني أن يجيبوا عليه هو كيف يمكن تأمين مستوى مرتفع من القدرة على الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي الداخلية. وهو أمر بالغ الأهمية لصناعات الخدمات البريطانية، وخاصة مصدري الخدمات المالية في مدينة لندن.

هناك سابقة واحدة فقط لتمكين دولة غير عضو في الاتحاد الأوروبي من التفاوض على الوصول إلى السوق الداخلية بقدر يعادل ذلك الذي يتمتع به أعضاء الاتحاد الأوروبي. وتتمثل هذه السابقة في اتفاقية المنطقة الاقتصادية الأوروبية المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والنرويج وأيسلندا وليختنشتاين في عام 1992.

يرى العديد من المراقبين، ومنهم أنا، أن القدرة على الوصول إلى السوق المشتركة عبر اتفاقية المنطقة الاقتصادية الأوروبية لم تعد متاحة. ولكن ماذا لو كنا مخطئين؟ المقصود هنا هو أن مثل هذا الاتفاق سوف يكون مخالفا لكل غرائز (وخطابة) دعاة الخروج، لأنه يعني قبول "الحريات الأربع" التي يقرها الاتحاد الأوروبي: ليس حرية حركة السلع والخدمات ورأس المال فحسب ــ بل وأيضا حركة البشر. وسوف يكون من الصعب التوفيق بين هذا والهدف من الخروج البريطاني المتمثل في "السيطرة على حدودنا". ولن يرضى دعاة الخروج أيضا عن إلزام بريطانيا بموجب اتفاقية على غرار المنطقة الاقتصادية الأوروبية بالاستمرار في المساهمة في ميزانية الاتحاد الأوروبي.
بطبيعة الحال، ربما يكون في الإمكان إبرام اتفاقيات محددة لقطاعات بعينها. ولكن يبدو من غير المرجح أن يتسنى إبرام مثل هذه الاتفاقيات في قطاع الخدمات المالية والخدمات المهنية الرئيسية (التي تشمل الأطباء، والمهندسين المعماريين، والمحامين)، والتي تشكل أهمية لمنافسي بريطانيا في أوروبا. والواقع أن الاتحاد الأوروبي ربما يتبنى موقفا خشنا تجاري النزعة: "إذا كنتم تريدون القدرة المتميزة على الدخول فينبغي لكم أن تحتفظوا بعضوية النادي".
تتمثل العاقبة الأخيرة لخروج بريطانيا في خسارة المملكة المتحدة لاتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمتها مع أطراف ثالثة بموجب اتفاقيات التجارة العديدة التي وقعها الاتحاد الأوروبي منذ عام 2000. وسوف يستغرق إبدال هذه الاتفاقيات باتفاقيات ثنائية وقتا طويلا. ولا يوجد ما قد يضمن موافقة الاتحاد الأوروبي على استمرار اتفاقيات التجارة الحرة بشكل مؤقت، ويبدو من المؤكد أن مصدري المملكة المتحدة سوف يواجهون تعريفات أعلى من تلك المفروضة على شركائها السابقين في الاتحاد الأوروبي في بلدان الطرف الثالث (وهو ما من شأنه أن يضع المصدرين البريطانيين في وضع تنافسي غير ملائم).

إنها لمبالغة كبرى أن يطلب منا دعاة الخروج البريطاني أن نصدق أن قادة العالم الأكثر بروزا، سواء كانوا أوروبيين أو غير أوروبيين، كانوا جميعا مخطئين في تقييم الآثار المترتبة على خروج بريطانيا. ففي مناقشة التجارة، يؤكد صندوق النقد الدولي، والرئيس الأميركي باراك أوباما، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ــ فضلا عن وزارة الخزانة في المملكة المتحدة ــ للبريطانيين أن التصويت بالخروج من شأنه أن يلحق أضرارا حتمية بالاقتصاد. وليس من المرضي على الإطلاق أن يأتي الرد بالزعم بأن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "تعمل لحساب الاتحاد الأوروبي" أو أن أوباما مناهض لبريطانيا لأن والده كيني من أيام الاستعمار البريطاني.
وعندما تشير كل التوقعات تقريبا في نفس الاتجاه ــ وهو أن خروج بريطانيا سوف يكون شديد الإضرار بالمملكة المتحدة ــ فإن هذا يعني أن الوقت حان لرسم خط فاصل بين المعقول وغير المعقول.

رودريك أبوت