شبكات التواصل الاجتماعي وتراثنا الثقافي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣٠/مايو/٢٠١٦ ٠٤:٤٤ ص
شبكات التواصل الاجتماعي وتراثنا الثقافي

أ.د. حسني نصر

الأسبوع الفائت لبيت دعوة كريمة من وزارة التراث والثقافة لتقديم ورشة عمل قصيرة حول توظيف شبكات التواصل الاجتماعي في التوعية بالتراث الثقافي الوطني. كان علي قبل الموعد المحدد أن ابحث في أكثر من اتجاه، خاصة وان موضوع الورشة يحمل أكثر من متغير هي، شبكات التواصل الاجتماعي، والتراث الثقافي، والتوعية، ثم الربط بين كل ذلك وبين أوجه التوظيف الممكنة لهذه الشبكات لخدمة التراث الثقافي. بعد الانتهاء من الورشة شعرت أن كل ما قلته أمام المختصين في الثقافة والتراث يجب أن يصل إلى القراء الأعزاء من منطلق أن الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه وصونه هي مسؤولية جميع من يعيش على هذه الأرض الطيبة، وليست مسؤولية وزارة التراث والثقافة فقط.

إقرأ للكاتب أيضا: إيران في الصحافة الخليجية

من الضروري في البداية أن نتفق على عدد من المفاهيم، أولها بالطبع ما نعنيه بالتراث الثقافي كمصطلح حاكم ورئيس، والتراث الثقافي غير المادي كمصطلح فرعي مهم. فالأول يعني باختصار ووفقا لتعريفات منظمة اليونسكو "الأعمال المادية وغير المادية التي يتم عن طريقها الإعراب عن الإبداع البشري، وتشمل اللغات، والطقوس، والمعتقدات، والأماكن والآثار التاريخية، والأدب، والأعمال الفنية، والمحفوظات، والمكتبات". أما التراث الثقافي غير المادي فيشمل "الممارسات، والعروض، وأشكال التعبير، والمعارف، والمهارات، فضلا عن الأدوات، والقطع، والمشغولات الحرفية، والأماكن الثقافية المتصلة بها. ويتجلى هذا التراث، في خمسة مجالات، هي التقاليد وأشكال التعبير الشفهية بما فيها اللغة كأداة للتعبير عن التراث الثقافي غير المادي؛ وفنون الأداء؛ والممارسات والطقوس والاحتفالات الاجتماعية؛ والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون؛ والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية". ومن المفاهيم المحورية المتصلة بهذا التراث مفهوم صون التراث الثقافي الذي ظهر لأول مرة في اتفاقية عام 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي التي وقعت عليها السلطنة وهو المصطلح الذي حل محل مفاهيم حماية التراث وحفظه والمحافظة عليه، ويعني كل التدابير الرامية إلى ضمان استدامة التراث الثقافي غير المادي، بما في ذلك تحديد هذا التراث، وتوثيقه، وإجراء البحوث بشأنه، والمحافظة عليه، وحمايته، وتعزيزه، وإبرازه، ونقله، وإحياء مختلف جوانبه".

إقرأ للكاتب أيضا: ايران والقمة الخليجية الأمريكية

على مستوى أخر، من الضروري أن نشير إلى أن مفهوم شبكات التواصل الاجتماعي اتسع كثيرا في السنوات الأخيرة، ولم يعد يقتصر، كما يتصور البعض، على فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها من الشبكات الشهيرة التي يكثر استخدامها في العالم العربي. فقد أصبحت هناك أنواع متعددة من الشبكات المتمايزة عن بعضها البعض، وبالتالي فإن على القائمين على استخدام هذه الشبكات في مؤسساتنا الحكومية والخاصة أن يدركوا الفروق بينها، حتى يستطيعوا توظيف كل منها لتحقيق أهدافهم من هذا الاستخدام. فهناك شبكات المدونات التي لا تقتصر على شبكة التدوين القصير تويتر وتضم شبكات أخرى مهمة يمكن توظيفها في صون التراث الثقافي مثل بلوغر، ولايف جورنال، وورد برس، وتايب باد. وهناك شبكات الترابط الشبكي مثل فيسبوك، ولينكدان، وماي سبيس، وشبكات تنظيم وإدارة الفعاليات مثل تويت فايت، وميت اب، وايفنت فل، وشبكات الأخبار الاجتماعية التي تعتمد على شبكة واسعة من المستخدمين لإيجاد الأخبار المهمة مثل ناو ببليك، وريديت، وتكنوراتي، ونيوزفين. إلى جانب ذلك فإن هناك شبكات للتصوير والفن ومشاركة الصور أبرزها فليكر، وانستجرام، وبيكاسا، وفوتو بكيت، وشبكات مشاركة الفيديو والبث المباشر مثل يوتيوب، ولايف ستريم، وميتاكيف، وسفن لوود. ولا شك أن إدراك خصائص كل نوع من هذه الشبكات يتيح لنا توظيفها التوظيف المناسب، خاصة إذا تعلق الأمر بالتوعية بالتراث الثقافي وصونه.

إقرأ للكاتب أيضا: يوم الجامعة وأيام عُمان الخالدة

وقبل أن نتحدث عن كيفية توظيف شبكات التواصل الاجتماعي في صون التراث الثقافي العُماني فإن علينا أن نذكر بأهمية أن يتم هذا التوظيف في اطار استراتيجية اتصالية وإعلامية واضحة المعالم ومحددة الأهداف، تستخدم كل وسائل الاتصال الممكنة الشخصية والجمعية والجماهيرية، وتتضمن مجموعة من حملات التوعية المخططة التي تتضمن خطوطا عريضة لأنشطة التوعية بالتراث الثقافي، حسب كل فئة مستهدفة من فئات المجتمع، وذلك من منطلق أن التوظيف يعني الاستخدام الفعال لشبكات التواصل الاجتماعي في الوصول إلى الجمهور وتقديم رسائل معرفية وتوجيهية وإرشادية وسلوكية حول التراث الثقافي وضرورة صونه والحفاظ عليه. والاستخدام الفعال هنا يعني استخدام كل الإمكانات التي تتيحها هذه الشبكات بأنواعها المختلفة وخصائصها المتفردة، وليس فقط إنشاء صفحات او حسابات لمجرد تحقيق التواجد الشكلي على الشبكات.

إقرأ للكاتب أيضا: المعارض الخارجية :الوصول الى الأسواق

ما الذي يمكن أن تقدمه شبكات التواصل الاجتماعي للتراث الثقافي؟ الواقع أنها تستطيع إن تقدم الكثير الذي لا يستطيع هذا المقال تفصيله، ولذلك نكتفي بإشارات سريعة يمكن إن يستفيد منها العاملون في المجال الثقافي. في هذا الإطار يمكن تطويع مواقع الترابط الشبكي الاجتماعي مثل فيسبوك وغيره في التعريف بالتراث الثقافي، وتطويع المدونات وتويتر لتقديم الأخبار والأحداث والفعاليات المتصلة بهذا التراث، وإدارة حوار مجتمعي حولها. كما يمكن من خلالها الترويج للمنتج الثقافي الوطني في الداخل والخارج، وبث رسائل التوعية الخاصة بالحفاظ على وصون التراث الثقافي. ومن خلال شبكات الفعاليات يمكن إنشاء فعاليات ثقافية لإحياء التراث والاحتفال بالمناسبات التراثية الوطنية والعالمية، والدعوة اليها ومتابعتها. والاهم من وجهة نظري أن نوظف شبكات التصوير والفن مثل فليكر وانستجرام، مثلما فعلت دول أخرى في تقديم مبادرات لجمع التراث الثقافي وجمع الذاكرة الوطنية العمانية من صور وذكريات حول موضوعات محددة يمكن من خلالها إعادة بناء هذه الذاكرة وسد الفجوات في بعض الأحداث والوقائع، وهو ما يساعد في الحصول على مساهمات لكتابة قصص التاريخ العماني وتعزيز الهوية الوطنية.

إن الاستخدام الأمثل لشبكات التواصل الاجتماعي يتمثل في الاستفادة من خاصية التشاركية التي تتيحها هذه الشبكات ربما لأول مرة في التاريخ الإنساني، وإتاحة الفرصة للمواطنين، وليس للنخب فقط، للمشاركة في إنتاج محتوى التراث الثقافي، وتحويلهم بالتالي من مجرد مستخدمين إلى مستخدمين ومنتجين للمحتوى الثقافي في نفس الوقت.

أكاديمي بجامعة السلطان قابوس