خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس همها الاقتصادي الأول

مؤشر الاثنين ٣٠/مايو/٢٠١٦ ٠٢:١٢ ص
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس همها الاقتصادي الأول

مسقط -ش

رغم اقتراب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي مازال الكثيرون لا يعتبرون المملكة المتحدة جزءاً من الاتحاد الأوروبي في الحقيقة. فهم يذكرون بوضوح كيف حاربت مارغريت تاتشر الاتحاد الأوروبي في كل كبيرة وصغيرة وتمكنت بطريقة ما من جعل الاتحاد الأوروبي يلتزم بمفهومها للاتحاد، على الأقل من الناحية المالية.
ويقول كبير الاقتصاديين ورئيس شؤون المعلومات لدى ساكسو بنك ستين جاكوبسن "إن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون قد قضى فعلاً على إمكانية المملكة المتحدة في أن تكون جزءاً من أوروبا تسير نحو الأمام حيث أن الصفقة التي عقدها مع بروكسل في شهر مارس خلقت أوروبا مقسومة إلى نصفين حيث هناك مجموعة من القواعد تنطبق على المملكة المتحدة فقط ومجموعة أخرى تنطبق على باقي أوروبا".
و يعتقد جاكوبسن أنه "بصرف النظر عن نتيجة التصويت في 23 يونيو المقبل، قد يؤدي ذلك إلى أزمة مصغرة في أوروبا لأنه من السهل أن نتخيل أن دولاً مثل هنغاريا وبولندا وربما حتى فنلندا ستكون راغبة في صفقات تؤمن لها نفس الامتيازات التي حصلت عليها المملكة المتحدة". وأن أوروبا ستخسر "لو بقيت المملكة المتحدة بسبب سابقتها في التقسيم (تقسيم الاتحاد الأكبر إلى اتحادات أصغر سيؤدي في النهاية إلى انهيار تلك الاتحادات)، وبالطبع، إذا ما غادرت المملكة المتحدة، فإن الثمن السياسي والعملي يبدو باهظاً للغاية – خاصة وأن أزمة اللاجئين لا تزال بانتظار حل".

عجز غير متوقع
و يعتبر جاكوبسن "أنه من المستغرب كثيراً أن المستشار أوزبورن، الذي لا يستطيع التنبؤ بالعجز في ميزانيته خلال الستة أشهر المقبلة، يمكنه أن يتحدث بأدق التفاصيل عما ستخسره كل عائلة في بريطانيا بحلول العام 2030 إذا صوتوا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (والخسارة مقدرة بنحو 4.300 جنيه). كما المخاوف ما زالت على أشدها، لأن مستقبل المملكة المتحدة يعتمد فعلاً على كيفية تعامل المملكة المتحدة مع عجزها المزدوج المزمن...فآخر مرة كان رصيد الدولة فيها إيجابياً كان عام 1982، أي قبل 34 عاما".

ويضيف جاكوبسن ": للإجابة على السؤال الذي حير كل المتداولين في البورصة وهو إلى أين يتجه الجنيه الإسترليني، علينا أن ندرك أن الجواب هو نفسه في حال الخروج من الاتحاد الأوروبي أو عدمه، ففي نهاية المطاف، إما أن يتجه الجنيه الإسترليني إلى الأسفل أو سيبقى ثابتاً. فطالما الدولة تنفق أكثر مما تجني وتعتمد على التمويل الأجنبي ولديها اقتصاد تحركه البنوك والعقارات بشكل رئيسي – وهما قطاعات بلا إنتاجية ومستقبل غير مضمون من حيث الوظائف الجديدة مقارنة بالماضي القريب – فتلك الدولة محكوم عليها بأن تستعيد ماضيها القريب".

خفض الجنيه
وويؤكد أن الماضي القريب يظهر أن لندن مستعدة لخفض قيمة الجنيه الإسترليني أكثر في وقت الأزمات، وهناك بالفعل أزمة تلوح في أفق الاقتصاد البريطاني. وقد يجادل المحلل الأكثر تشككاً بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "مخبأ ممتاز" أو عذر للاقتصاد الشبيه بالركود المقبل والناتج عن الأساسيات المذكورة أعلاه. والرد التقليدي على مثل هذا الوضع هو بالطبع هبوط الجنيه الإسترليني.

لا تغيير في الأفق
ويقول جاكوبسن إن "الخروج من الاتحاد الأوروبي هو مجرد عائق يمنع من التغيير الحقيقي المطلوب في المملكة المتحدة. كما أنه عذر يتم استخدامه لتفادي التعامل مع المشكلة البنيوية الأساسية لمجتمع في طور التحول إلى مجتمع قائم على الخدمات بنسبة 100%.
فقد انتقلت الأبحاث والإنتاج في المملكة المتحدة إلى الخارج، والأهم من ذلك، فإن قدرة الدولة على البقاء كمحطة للمستثمرين الأجانب أصبحت أقل جاذبية مع تغير وضع الضريبة بالنسبة لغير المقيمين. كما أن هناك تغييراً كبيراً جاء بعد انتشار أوراق بنما وهو مطالبة كاميرون لاستحداث سجل عام لمالكي العقارات الأجانب.
وهو أمر جيد وعادل طالما أنه يشجع على الشفافية، ولكنه يعمل أيضاً على التقليل من "جاذبية" المملكة المتحدة من الناحية الفعلية. وأنا أرى بأن تغيير القواعد الضريبية وبالتالي في الحوافز أهم بكثير من وضع المملكة المتحدة ضمن الاتحاد الأوروبي لأن لندن حرة الآن في تطبيق قواعدها الخاصة".
ولا يقلل جاكوبسن من أهمية التصويت الذي ينتظره العالم ، إلا أنه لا يرى له تأثيراً كبيراً على مستقبل اقتصاد المملكة المتحدة وبأنه أثره الأكبر سيكون على دور المملكة المتحدة في أوروبا.

ويضيف:"أن التشديد هنا على أننا لا نرى أي سيناريو تكون فيه المملكة المتحدة مستفيدة من الخروج – على الإطلاق، بل الحقيقة هي أن لا أحد يعلم ما الذي سيحدث الآن، وهذا لا يعني أنني مستعد لقبول المعلومات المغلوطة القامة من حملة "لنبقى". إلا أننا نعلم بأن "الضجة" (أو التقلب بالأحرى) سيزداد ولكننا لا نعلم كيف سيبدو العالم مع أو بدون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".

ربما حان الوقت لتوسعة آثار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لتشمل الأسئلة الأكبر والأهم: كيف نجعل التغيير جزءاً من أمراً إلزامياً في كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي؟
فكلا الجهتين عليهما النظر عن قرب وبشكل جدي في مستقبلهما (المرتبط ببعضه) وفحص تصميمهما الهيكلي وبرامج الحوافز لديهما. ففي هذه المرحلة، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فإن المستقبل سيكون قاتماً فعلاً.

الأزمة
والسؤال الأهم من هذا كله، يقول جاكوبسن، هو كيف نتعامل مع الأزمة الإنسانية التي نتجت عن وصول عدد هائل من اللاجئين في وقت يلوح فيه الركود في الأفق؟ "إن تصرفنا في هذه الأزمة سيحدد مستقبل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة معاً أكثر بكثير من مسألة ما إذا كانت المملكة المتحدة ستقرر البقاء أم الخروج من النادي الذي يُسمح لها أصلاً بأن تفعل ما يحلو لها فيه".